شوف تشوف

الرأي

أربع ملاحظات على هامش الكارثة

حازم صاغية

1- لم تعد السلطة في لبنان مجرد سلطة «نهب» أو «محاصصة» أو «طائفية».. بعد الكارثة الأخيرة، صارت سلطة عدوان على الطبيعة نفسها. ففضلا عن الذين قُتلوا، وفُقدوا، وهُجروا بسبب تدمير بيوتهم، تمكنت المصيبة من إحداث أفعال جيولوجية ترمز إليها تعابير كـ«الإزالة» أو «المحو» أو «الاجتثاث».
«هيروشيما لبنان»، «تشيرنوبيل لبنان»: هذه تعابير تداولها بعض الإعلام العالمي.. أحياء بكاملها صارت أطلالا. بلد صار بلا عاصمة. عاصمة بحرية وتجارية صارت بلا مرفأ…
السلطة في لبنان جمعت بين جنون الطبيعة حين تجن وضراوة الحروب المطلقة. وهي حين تواجه مواطنيها مسلحة بهاتين الصفتين، لا تكون تعلن إلا كراهيتها واحتقارها لهم. فبالنسبة إليها، هم بشر فائضون عن الحاجة قابلون للاستغناء عنهم وعن عالمهم.
المدهش، في هذا كله، أن المرتكبين هؤلاء ليسوا دولة إمبراطورية، أو سلطة توتاليتارية، أو حكاما موصوفين بالكاريزما أو البطولية ممن يحترفون أفعالا كهذه. إنهم التفاهة الخالصة والعادية المحض. مع هذا، فقد سبق أن نجوا من ثورة أنزلت مئات الآلاف إلى الشارع، وقد ينجون اليوم، رغم الكارثة الفظيعة الراهنة.
2- كان مهينا لحكام لبنان أن يتعامل معهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالطريقة التي عاملهم فيها. أن يميز غير مرة بين الشعب والسلطة. بين ألم المحكومين وفساد الحكام. أن يقول إن لقاءه بالرسميين أوجبته «اللياقة» لا غير، وأن يؤكد على أن مساعدات بلده للبنان لن تذهب إلى أيدي الفاسدين.
هؤلاء الفاسدون لم يفعلوا إلا المصادقة على كلامه حين امتنعوا جميعا عن الاستقالة، وانشغل بعضهم بمكافحة «التطاول» على أسمائهم ورموزهم الكريهة، ثم ردوا برفض المعونات الطبية الفرنسية!
والحال أن هذا الانفصال بين الحاكم والمحكوم معروف للبنانيين، أو لكثيرين منهم. لكن حين تعتمده دبلوماسية دولة كفرنسا، وعلى لسان رئيسها، فهذا ما يضاعف الإهانة.
3- عبر كثيرون من اللبنانيين، خصوصا ممن استقبلوا ماكرون في الشارع، عن رغبتهم في عودة الانتداب الفرنسي. جاء هذا الإعلان، المقرون بشتم الحكام، بعد قرن على نشأة «لبنان الكبير» و77 عاما على استقلاله.
هذا التمني غير واقعي، أقله لأن الانتدابات والاستعمارات انتهت. لكن تجربة اللبنانيين، وشعوب كثيرة في «العالم الثالث»، تسمح بإضافة كلمة «للأسف» إلى كلمة «انتهت». الاستقلالات وأفعال التحرر جميعها، وكما تبين التجارب التي لا تحصى، ليست كافية بذاتها لأن تبرر نفسها وصلاحها. يلزمها شيء آخر.
في لبنان تحديدا، اعتقد بعضنا أننا توصلنا بعد حرب 1958 الصغرى إلى نهاية سعيدة هي الشهابية، ثم توصلنا بعد حرب 1975 – 1989 إلى نهاية سعيدة هي الإعمار. النهايتان لم تكونا سعيدتين. إحلال السعادة هو ما يفوق طاقتنا على ما يبدو، تماما كما يفوق طاقتنا أن نكافح الفساد أو أن نقيم قضاء يعتد بأحكامه أو… أن نغير حكامنا بأنفسنا.
4- حسن نصر الله خاطبنا مرة أخرى. لكن الأمين العام قدم السلطة السياسية بوصفها بريئة حتى الآن، وأنها باتت معرضة لامتحان أول قد تفشل فيه وقد تنجح. هكذا تذكرنا مجددا ما كنا اختبرناه مع ثورة أكتوبر (تشرين) من أن حزبه هو، في آخر المطاف، حامي تلك السلطة. أما المظلومية التي نسبها إلى حزبه واستهجنها وأدانها فلم تستوقفه أسبابها. ذاك أن المقاتلين هم الذين تحوم حولهم الشكوك عند حصول انفجار، صغيرا كان أم كبيرا، وقبل تبين أسبابه. السلاح متهم دائما بالخراب. هكذا يفكر الناس بأكثريتهم، وهذا ما يحسونه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى