شرعت الحكومة والمركزيات النقابية واتحاد أرباب العمل في القيام في تسخيناتها، من أجل جس النبض، قبل جلسات الحوار الاجتماعي، لاتخاذ القرارات التي تهم الشغيلة العاملة بالقطاع العام والخاص. بلا شك، فإن الحوار الاجتماعي عرف دينامية كبيرة خلال الولاية الحالية، ما جنبنا الكثير من الاهتزازات في استقرارنا الاجتماعي، بعدما أدخلته الحكومتان السابقتان في غرفة الإنعاش، لكن لا ينبغي أن يتحول الحوار إلى هدف في حد ذاته، وإلا سيتحول إلى طقس سنوي روتيني، يتم فيه توزيع الابتسامات وأخذ الصور والإعلان عن حسن النوايا.
واليوم تتعدد التساؤلات عن مخرجات الحوار المطلوب، وأي دور له اليوم؟ وأي دور للسياسيين فيه، خاصة ممن هم في الحكومة والمعارضة؟ أو أي موقع يمكن أن يحتله البرلمان في حماية مخرجات الحوار الاجتماعي؟ لكن يبقى السؤال الأهم هو ما هي أولويات الحوار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه السنة بالضبط؟
قد تبدو الأولويات كثيرة ومتعددة، لكن هناك اتفاقا عاما على عناوينها الرئيسية في المجالات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، بما يشمله كل مجال من تفرعات وموضوعات، لكن تبقى تلك الأولويات محددة على الأقل في أربع قضايا رئيسية نابعة من واقع بعض المشكلات، التي تواجه المواطن فى الوقت الراهن. حيث يتربع إخراج مشروع القانون التنظيمي للإضراب على قائمة المطالب، فلا يعقل أن يستمر هذا القانون في «الثلاجة» التشريعية بدون مبرر، رغم التأشير عليه من طرف الملك محمد السادس في المجلس الوزاري منذ 2016. لذلك فقد آن الأوان لإزالة هذا «البلوكاج» الذي عمر لأكثر من ستين سنة، خصوصا وأن السياق السياسي والاجتماعي مناسب لإخراج هذا القانون، حتى تتم حماية الفعل الإضرابي من الاستهتار واللامسؤولية كما جرى في قطاع التعليم.
كما لا يغيب عن قائمة الأولويات اعتماد قانون النقابات الذي يشكل تخوفا كبيرا لدى شيوخها، الذين يريدون استمرار مرحلة اللاقانون، لفرض إرادتهم وطريقة تدبيرهم للنقابات، بعيدا عن الشفافية والديمقراطية. فلا يمكن الاستمرار في ضرب الدستور وعدم تنزيل القانون الوارد في الفصل 8 منه، فقط لأن النقابيين يخافون من الديمقراطية والمحاسبة.
ولا شك أننا اليوم في حاجة ماسة إلى تغيير مدونة الشغل، بعد مرور أكثر من عقدين، من أجل تلبية انتظارات الشغيلة بما يرفع الحيف عن فئات كثيرة منها. فالصيغة الحالية لدستور الشغل لا تضمن حقوق الطبقة العاملة ولا تصونها، وهو ما سيؤثر سلبا على صورتنا أمام العالم، خصوصا ونحن مقبلون على تنظيم كأس العالم لكرة القدم، لقد حان الوقت لتحقيق تغييرات عميقة في المدونة، بالإضافة إلى قانون الوظيفة العمومية الذي تم وضعه منذ 1958.
وفي ظل الصعوبات التي تمر بها الطبقة الشغيلة في هذا السياق الاستثنائي للتضخم، أصبح من اللازم على الحكومة اتخاذ قرار شجاع للرفع من الحد الأدنى للأجور للتأقلم مع الصعوبات المعيشية، فلا يمكن أن تبقى الأجور ثابتة، وتتغير ببطء، على مدى عقود، بينما يمكن أن تتغير الأسعار كل دقيقة وبسرعة أكبر. لذلك يبقى مطلب الزيادة في الأجور مطلبا شرعيا ومشروعا ينبغي للحكومة التعامل معه بإيجابية، إن هي أرادت حماية قدرة الأسر على العيش الكريم.