تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أول أمس الثلاثاء أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023، وذلك لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تواجه عجزا كبيرا، وأصبحت مهددة بالإفلاس.
وأكد أخنوش، في معرض رده على سؤال محوري بمجلس المستشارين، في إطار الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة حول موضوع «الحوار الاجتماعي، تكريس لمفهوم العدالة الاجتماعية وآلية لتحقيق التنمية الاقتصادية»، أنه في إطار التنسيق والتشاور المستمر مع الشركاء الاجتماعيين، تعهدت الحكومة، بكل مسؤولية، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023.
وأوضح أنه بادر إلى عقد اجتماع أول مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضي، وذلك في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، الموقعين في 30 أبريل الماضي، ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين. وانتهى هذا الاجتماع بالمصادقة على منهجية العمل، والبرمجة الزمنية لأشغال لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، مشيرا إلى أن هذه الاجتماعات ستستمر في إطار اللجان، للوصول إلى حلول متوافق عليها في غضون 6 أشهر المقبلة، لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تعاني من عجز كبير بشكل أصبح يهدد معاشات المتقاعدين الحاليين والمستقبليين.
وعلى صعيد آخر، أبرز رئيس الحكومة أنه تم الاتفاق مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على إعادة النظر في عدد من تشريعات العمل، وذلك من خلال جدولة زمنية محددة سيتم التوافق بشأنها، تهم إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، ومراجعة مقتضيات مدونة الشغل، ومراجعة التدابير القانونية للانتخابات المهنية، وإخراج قانون المنظمات النقابية، حسب تواريخ محددة سيتم التوافق بشأنها مع مختلف النقابات.
وأكد أخنوش أن الحكومة عملت بشكل مبدئي على إعادة الاعتبار للعمل النقابي وللمؤسسات النقابية، وبلورة نموذج مغربي مبتكر للحوار الاجتماعي، فضلا عن التأسيس لجيل جديد من التشاور، لاسترجاع ثقة المواطنين في المؤسسات. وأبرز أنه يحرص شخصيا على تنزيل مختلف النقاط الواردة في اتفاق 30 أبريل، وقد تمكن بالفعل من الوفاء بكل التعهدات في هذا الصدد، مكرسا بذلك مناخ الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، ومؤكدا رغبته في جعل هذه التجربة الحكومية محطة للإنجازات.
وأضاف أخنوش أن الحكومة سعت بكل مسؤولية إلى العمل على تدارك مختلف التحديات التي اتسمت بها تجارب الحوار الاجتماعي السابقة، والمتمثلة في عدم قدرتها على الحفاظ على وتيرة منتظمة ومستدامة، وعدم وضوح منهجيتها ومختلف الإشكالات المرتبطة بضعف قدرتها على تنفيذ التعاقدات والاتفاقات. وبعدما أكد تشبث الحكومة بالتزاماتها الواردة في البرنامج الحكومي، اعتبر أخنوش أن النجاح في التوقيع المشترك على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي منذ 30 أبريل الماضي، هو ما تجسده فعلا «متانة العلاقة بين هذه الحكومة وجميع شركائها الاجتماعيين والمهنيين بدون استثناء، بعيدا عن الموسمية والاستغلال السياسوي، كخيار يعزز الممارسة الديمقراطية لبلادنا، ويعكس نيتنا الصادقة في الخوض في مسار إصلاحي عميق وجدي لمختلف الملفات».
وتحدث أخنوش عن التزام الحكومة بتنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي، وأبرز أنه في إطار تحسين القدرة الشرائية للأجراء والموظفين، تم بالخصوص العمل على تسوية ترقيات الموظفين، برسم سنة 2020 و2021 المتأخرة بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، والتي كلفت خزينة الدولة حوالي 8 ملايير درهم، فضلا عن الاتفاق على الرفع من الحد الأدنى للأجور بالقطاع العام إلى 3.500 درهم، والزيادة في التعويضات العائلية، وحذف السلاليم الدنيا، وتوسيع حصيص الترقية، من خلال تعبئة غلاف مالي يناهز 500 مليون درهم، كما تم التوافق مع ممثلي المشغلين على رفع الحد الأدنى للأجور، في قطاعات التجارة والصناعة والفلاحة والمهن الحرة. ولتمكين المتقاعدين من معاش للشيخوخة يحترم كرامتهم، يضيف رئيس الحكومة، تم تخفيض شروط الاستفادة منه من 3240 إلى 1320 يوما فقط، وتمكين المؤمن لهم البالغين سن التقاعد من استرجاع حصة اشتراكاتهم، في حال عدم استيفاء هذا السقف، مع الرفع من قيمة المعاشات بالقطاع الخاص بنسبة 5 في المائة.
وبخصوص تنزيل الالتزامات المقررة في الحوارات القطاعية، سجل أخنوش أنه تم بالخصوص وضع آلية عمل مشتركة لإيجاد حلول واقعية لمختلف الملفات العالقة في المنظومة التربوية، والرفع من جودة المدرسة العمومية واسترجاع جاذبيتها وولوجيتها. وقد تمخض عن هذا الحوار الاجتماعي القطاعي توقيع اتفاق بين الوزارة المعنية، والنقابات الخمس الأكثر تمثيلية، تضمن على الخصوص الشروع في رد الاعتبار لمهنة التدريس، عبر خلق نظام أساسي موحد لتحفيز كل العاملين بالمنظومة التربوية.
وعلى مستوى الحوار القطاعي بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وشركائها الاجتماعيين، أوضح رئيس الحكومة أنه تم التوافق على رفع الحيف عن فئة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، من خلال تغيير الشبكة الاستدلالية الخاصة بهم لتبدأ بالرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته عوض 336، وتمكين هيئة الممرضين وتقنيي الصحة من الاستفادة من الترقية في الرتبة والدرجة، إلى جانب الرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية وتقنيي الصحة، لافتا إلى أن هذا الاتفاق سيكلف ميزانية الدولة ما يزيد على ملياري درهم سنويا.
وفي قطاع التعليم العالي، أكد أخنوش أنه من أجل الارتقاء بجودة ومردودية القطاع، وتثمين مهنة الأستاذ الباحث وضمان ظروف اشتغال ملائمة لفائدته، وكذا استرجاع دور الجامعة المغربية كمشتل للكفاءات، تم إقرار حوار اجتماعي جاد ومثمر بين الحكومة من جهة، والنقابة الوطنية للتعليم العالي، انصب بالأساس على التنزيل التشاركي للإصلاح البنيوي للقطاع، سيما من خلال تحفيز الأساتذة الباحثين بنظام أساسي جديد يكرس الاستحقاق والكفاءة، والعمل على تحسين وضعيتهم المادية بتعبئة غلاف مالي يناهز 1.9 مليار درهم، ابتداء من سنة 2023 على مدى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى تعزيز آليات الحكامة على مستوى مؤسسات التعليم العالي، إلى جانب تفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في أفق سنة 2030.
محمد اليوبي