شوف تشوف

الرئيسيةبورتريهخاصرياضة

أخنوش والكرة.. عشق قديم

 

عندما كان عزيز أخنوش حريصا على مواجهة رجاء أكادير والمشاركة بدوري با عباس

حسن البصري

 

منذ أن كان يافعا، حرص الفتى القادم من عمق تافراوت إلى عين السبع على ممارسة هواية الركض. لم يخلف عزيز الوعد مع شواطئ هذا الحي المنشغل بحركة اقتصادية غير عادية، فكانت رمال «السعادة» و«النحلة» و«زناتة» الصغرى والكبرى شاهدة على شغفه بالسباحة والكرة، رغم أن أسرته كانت تمارس حق الفيتو بين الفينة والأخرى ضد هواية لعبة كرة القدم، التي تحولت إلى اعتكاف بين رمال البحر والملاعب المتربة في حي أوربي يعيش على الدوام تحولا من فضاء مجالي للباطرونا إلى ملاذ للطبقة العاملة.

مع مرور الأيام، بدأت لعبة كرة القدم تأسر عقل ووجدان عزيز، وأصبح عاشقا لها في زمن كان أغلب شباب المنطقة يرتمون في أحضان الظاهرة الغيوانية التي نبتت في الحي المحمدي الذي لا يبعد سوى بأمتار قليلة عن مسقط قلب عزيز.

تنفس أخنوش هواء البحر وغبار الكرة، وأبان وهو يقف في مرمى ملاعب ثانوية ابن العوام عن شغف كبير بحراسة المرمى، فقد كان يريد منذ صغره أن يصبح رقما صعبا في تشكيلة الفريق، حارسا أمينا على المرمى، كان يحاكي بادو الزاكي وكبار حراس مرمى المنطقة، ويصر على أن يحمل شارة العمادة بفيض من الطموح انتهى به عميدا لتشكيلة حكومية جديدة.

اعتزاز بالأصل

لطالما طارد لقب «السوسي» الشاب عزيز الذي كانت له قدرة فائقة على الجمع بين الكرة والدراسة، لكنه بالمقابل ظل يعتز بالانتماء إلى سوس العالمة، ويصر على أن يصبح شامخا كمدينة أجداده تافراوت التي لطالما أنجبت كبار رجال الدولة لهذا البلد، لذا ظل والده يسحبه بين الفينة والأخرى نحو منبت الأجداد خلال العطل المدرسية وعلى امتداد الطريق الطويل يستمع لقصص نجاح أبناء تافراوت وروايات التمرد على الطبيعة القاسية والخصاص الرهيب.

تعلم عزيز أولى دروس التاريخ المعاصر من والده الذي كان مقاوما في حزب الاستقلال، وكان يعين الحزب ماديا، قبل أن يساند الحزب اليساري الذي خرج من ضلع الميزان، ويعيش ساعات في جحيم السياسة تعرض فيها أخنوش الأب للاعتقال والتعذيب والإبعاد من أكادير بسبب نشاط سياسي مواز. تفاعل عزيز أيضا مع السيرة الذاتية لخاله عبد الرحمان بن عبد العالي، أول وزير للأشغال العمومية في حكومة عبد الله إبراهيم في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وجعله قدوة لاسم كان عنوانا للإيثار، إذ ظل يحمل هاجس مد الطرق وفك العزلة عن قرى ومداشر مغرب خارج للتو من ربقة الاستعمار.

في مرمى النجمة

لم يكن الهم السياسي حاضرا بقوة في وجدان عزيز، فقد كانت الملاعب ملاذه قبل مقرات الأحزاب، لذا أصر على أن يصبح حارس مرمى لا حارس عرين السياسيين، وكان يجد في ارتداء قفازيه متعة لا تضاهى، ساعدته قامته ولياقته البدنية على الاقتداء بحراس المنطقة كالحارس أحمد العينين.

عرف عزيز أخنوش بتصديه لضربات الجزاء، وللتسديدات العالية الضغط، وفضل وهو يمارس الكرة أن يكون آخر لاعب على رقعة الميدان، بين قائمي مرمى يتيح له رؤية ما يجري حوله، وهو يشحن زملاءه بتعليمات تدعو إلى رص الصفوف.

في فريق النجمة لعين السبع الذي كان منضويا تحت لواء بطولة فرق الأحياء بمنطقة عين السبع، والذي بدأت نواته في شارع اللوز، برز اسم عزيز كحارس منتصب القامة في المرمى، داخل «نجمة عين السبع»، كان اللاعبون يملكون أكثر من قبعة، فهم في غالب الأحيان يتجاوزون دورهم على رقعة الميدان إلى اكتتابات أسبوعية لسد رمق البطولة، وكان أخنوش أكبر المساهمين بالنظر للوضع الاعتباري لوالده كصاحب محطة وقود.

وقف عزيز في مرمى النجمة، وهو يمني النفس كغيره من الشبان الحالمين بحمل قميص دفاع عين السبع، الفريق الأول للحي، لكن فريقه ظل يستقطب يوما عن يوم لاعبين يركضون باسم النجمة، الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى سنة 1972، ويشجعون الدفاع الذي كان يمارس حينها ضمن فرق القسم الثاني، ويبصم على مشوار استثنائي في منافسات كأس العرش. كان أحمد العينين هو قدوة عزيز في المرمى، بالرغم من التباعد الاجتماعي بين الحارسين، وحين انتقل أحمد إلى صفوف الرجاء البيضاوي زاد إعجابا بصديقه، لكنه أصر على أن يصبح نسخة منقحة من العينين في مرمى «نجمة» كشمعة تضيء نفسها.

لعب أخنوش إلى جانب أسماء يذكرها أبناء عين السبع بكثير من الاعتزاز، كمحمد التمني الذي انضم للاتحاد البيضاوي، والإخوة خيري، ويوكي الذي التحق بدفاع عين السبع بعد أن اشتد عوده، على غرار زميله محمد جنان وحسن ملوك وشقيقه المهدي اللاعب الدولي السابق، ومصطفى السويحب المؤطر في الديار القطرية، ومصطفى نصر الله والمحجوب ألكمان وعبد الرحيم لحريفي والحسين العروي وعبد الواحد ماهر والزوبير وكاتيم والطنطاني ورشدي ومرزوق وجرادي والمدني الذي التحق بالاتحاد البيضاوي، وغيرهم من الأسماء التي اختارت غالبيتها حمل قميص الدفاع والفرق المجاورة بعد أن تجعل من فصل الصيف فرصة لجلب أنظار المصطافين خاصة في الفترة ما بين 1976 و1981.

يحكي اللاعب السابق المدني عن هذه الفترة بحسرة، ويؤكد بأن عزيز لم يكن مجرد حارس مرمى بل كان حريصا على ضخ قيم جديدة في الكرة، من خلال تنظيم مباريات خارج المدار الحضري لعين السبع، حيث اقترح على اللاعبين يوما السفر إلى سوس لمواجهة فريق رجاء أكادير الذي كان يصول ويجول في نهاية السبعينات. وحين تساءل اللاعبون البسطاء عن تكاليف الرحلة دشن عزيز عملية اكتتاب لتوفير تذاكر السفر والباقي على الرجاء الأكاديري.

لكن الدوريات الرمضانية التي كان يشرف عليها عباس كورة، زادت من شهرة الحارس عزيز الذي كان أمام محك حقيقي وهو يخوض مباريات حارقة في ملعب «كوزيمار» ضد فرق معززة بنجوم الكرة البيضاوية، حيث حرص فريق النجمة على خوض المنافسات بعناصر أغلبها تمارس في البطولة الوطنية وكان عزيز استثناء، لأنه يريد أن يجعل من الكرة هواية لا حرفة.

حنين بعد الهجرة

من ثانوية ابن العوام التحق زملاء عزيز بكليات الدار البيضاء وعاشوا الاحتقان الطلابي بكل تفاصيله، فيما اختار أخنوش الأب إرسال ابنه إلى كندا وتحديدا لجامعة شيربروك لتلقي دراسته العليا ومنها إلى أمريكا حيث تعلم مبادئ وأصول التدبير المالي والإداري للمقاولات. لكن كلما حلت العطلة الصيفية إلا ويشده الحنين إلى شاطئ النحلة وزناتة والسعادة لممارسة عشق الكرة، فلا سعادة إلا بالركض في شاطئ «السعادة».

كان والده يعده لدخول مرحلة ثانية تنهي أولا علاقته بالفرق الرسمية، وتجعله مستعدا للتخلص من قفازي حارس المرمى، وارتداء قفاز آخر سيما بعد أن اشترى الوالد من منافسه السوسي «أمهال» محطات بيع البترول ومشتقاته، ليبني أكبر شركة توزيع للمحروقات في المملكة.

انتقل أخنوش من حارس لمرمى النجمة إلى ملاذ لكل لاعب من عين السبع سقطت نجمته، وعلى الرغم من انشغالاته السياسية ظل هاتفه يرد على أصدقاء الكرة، ويجد متعة في النبش في ذاكرة الفريق الذي انخرط بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سنة 2004، مع الجيل الثالث الذي حافظ على خط الرجعة مع عزيز، ويتكون من عبد الرزاق أبلا ومناضل عبد الفتاح ومحمد الجيموح ومحمد الهرز وعزيز بلمعنكر إضافة إلى لاعبين شاركوا عزيز في مباريات لا يخوضها إلا الراسخون في النضال الكروي، حيث تذوب الفوارق بين اللاعب والمدرب والمسير والمتفرج.

لا يخفي أخنوش عشقه لدفاع عين السبع الكيان الحي الذي لا يرزق، لذا لم يتردد في مساعدة عدد كبير من نجومه المعتزلين، ويحفظ بالرغم من مشاغله الاقتصادية والسياسية أسماء لاعبي فريق عباس كورة الذي ظل عنوانا للتضحية حين وهب أطرافا من جسده قربانا لفريق عين السبع.

 لم ينس عزيز مكونات فريق النجمة، فكلما طرق لاعب اقتسم معه تربة ملعب كوزيمار إلا وقدم له يد المساعدة، ولعل قصة اللاعب مدني الذي حمل قميص الاتحاد البيضاوي، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والذي كان جدارا دفاعيا أمام مرمى عزيز رفقة «النجمة»، تستحق التوقف عندها حيث تدخل عزيز وأهدى هذا اللاعب الكبير شقة فخمة حين شعر بأن الزمن لم ينصفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى