أجنة قرآنية وآيات مفتاحية (نحو تجديد التفكير الديني)
نحن اليوم مع هذه المقالة على بوابة ختم (بعض) الأفكار التي أثرناها، من محاولة الدخول إلى فهم النص القرآني، بأدوات معرفية مساعدة، في مشروع أطلقنا عليه (أجنة قرآنية وآيات مفتاحية)، فليس مثل الوعي نورا.
لقد تكررت جدا في القرآن عبارات مثل (أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور)، ولكن بكل أسف فالمسلمون غارقون في الظلمات، ولا يستفيدون من القرآن بشيء، وهو ما يخلق أزمة حادة فعلا، بين متشددين أنصاف مجانين وأحيانا مجرمين، وفقهاء غائبين عن العصر، ومواطن أعمى، ومثقف مدجن، وصحافة مرتزقة، ومسؤول أصم أعمى.
أرسل إلي معجب بواعظ جديد في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أن عمر (سن) النبي يمكن أن يكتشف من سورة محمد بمعادلات رياضية من ضرب أرقام ببعض ثم طرح وجذر وتكعيب وقسمة الخ؟ بل وذهب واعظ الإعجاز العلمي إلى تحدي الروس، بأن السماء لها (أبواب) فلماذا يرسل الروس صواريخهم إلى الفضاء الخارجي، وبالمناسبة كان الروس هم من سبق في ارتياد الفضاء، وكانوا خلف صدمة (السبوتنيك) حين فاجؤوا أمريكا بذلك؛ فبدلت الأخيرة بعدها نظام التعليم عندها.
ومع كتابة هذه الأسطر هبط علي أيضا من ينقل عن عالم أمريكي أنه اكتشف أن مركز جاذبية الأرض هي مكة، وأما لفظة ولا يظلمون (فتيلا) فخرج بها الواعظ (السوري) أن معناها (الأوتار الفائقة) في البناء الذري.
لقد سمعنا قبل فترة عن (موريس بوكاي) الذي كشف بزعمه الملح في مومياء مصرية، ليقول بغرقه في البحر، لتكون سببا في اعتناقه الإسلام؟ ونحن لا نملك كاميرا ديجيتال نصور بها المشهد وأين غرق تماما؟ لأن هناك محللين يذهبون إلى قصة الغرق كانت في (البحيرات المرة) وليس بالتأكيد أن الغرق كان في ملح البحر، ذلك أن موسى بمئات الآلاف من الإسرائيليين يصعب أن يذهب بهم جنوبا إلى البحر الأحمر.
وهناك واعظ مواز يذم الغرب، وينصح بعدم الذهاب إليه (خوف الفتنة كما حدث معي حين أردت الفرار من ديار البعث إلى يوم البعث) خشعت له قلوب أكثر من ستة ملايين متابع، وهو يتحدث عن تكبير البعوضة 400 ألف مرة بالمجهر الإلكتروني (لا وجود لهذا الرقم، والفيروسات هي التي تفحص تحت المجهر الإلكتروني، أما البعوضة فيكفيها تكبير 100 إلى 200 مرة) قال فيها الواعظ والناس تهتف الله أكبر، أن فيها ثلاثة قلوب كل قلب بأربع حجرات، تحت كل جناح قلب؟ (طبعا تصريحات من هذا القبيل تتطلب دراسة مطولة من علم الحشرات؟)
وطبعا كما يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة إنه لايوجد متتبع وناقد، لأن القلوب تبدأ من الحشرات بقلوب بدائية، وتتطور طبقا عن طبق إلى الزواحف، ثم الطيور والثدييات، والحاصل فهم يضيعون وقتهم ووقت الناس بشهادات من الكفار أن يا مسلمون اطمئنوا فدينكم صحيح، وكلام من هذا القبيل لا يزيد المؤمن إيمانا ولا الملحد ارتدادا، ولكن المصيبة هي أن العالم العربي غارق في الفساد والاستبداد والتخلف حتى قراريط أذنيه، وهو يصلي الخمس، ويصوم رمضان، ويحج البيت، فهذه التي يجب التوجه لها بمثل الصفعة حتى يستيقظ هؤلاء المخدرون بكلمات الوعاظ الشعبيين الجدد.
ما نحتاجه ليس هذا اللون من الدجل الرخيص المخدر، بل ذلك الوعي المحرر؟
ما نحتاجه هو إعادة الاعتبار إلى المرأة وإنارة الوعي وترسيخ حرية التعبير ورفع الاستبداد السياسي.
أذكر من هذه المفارقات السيدة (شميدت) الألمانية وهي مسلمة توجهت مع زوجها إلى مؤتمر يضم المسلمين في مدينة (آخن Aachen)، وعندما وصلت تقدمت إليها سيدة عربية (قيادية) فطلبت منها الانفصال عن زوجها، والانضمام إلى قافلة النساء في مؤخرة الحفل مع الأطفال؛ فاعترضت السيدة الألمانية فورا وقالت: أنا مسلمة والحمد لله، أما عاداتك الشرقية فاحتفظي بها لنفسك. وأنا جالسة إلى جانب زوجي في صالة المحاضرات.
وإذا كانت هذه الحركة من السيدة الألمانية قد نجحت، فإن سيدة مسلمة من كندا توجهت إلى لقاء المسلمين في أمريكا؛ فتم اعتقالها من البوليس الأمريكي باستدعاء من منظمي الحفل، ثم (زربت) مع الأطفال في المؤخرة حيث الضجيج.
أذكر جيدا من دمشق عناوين مثيرة مثل (للإيجار: كراسي خيزران وحفاظ قرآن؟) أو في بعض دول الخليج يصادف الإنسان كثيرا في مؤخرات المساجد عبارة (دورة مياه ومصلى للنساء؟) للدبر والقبل؟.
وهي أمور تكتب بعفوية ولكنها تدل على ثقافة تصلبت عروقها.
وهذه القصص تروي الفارق بين الدين والعادات. وأن المسلمين حينما يعيشون في الغرب ينقلون معهم أمراضهم فيعيشون في شرانق يغزلونها من أوهامهم.
وما لم يتم الفصل بين ما هو دين وما هو تراث لا علاقة له بالدين فلن يحصل أي تجديد في الفكر الديني. وما لم ينظر إلى الأحكام في ضوء تاريخي فسوف نكذب على الله.
ويعتبر (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي الذي اعتنق الإسلام في كتابه (حتى الملائكة تسأل؟) أن مصير الإسلام في الغرب متعلق بالإجابة عن هذه التحديات وطبيعة عقلية الجيل الثاني من أبناء الجالية الإسلامية في أمريكا.
والمشكلة ليست في (القرآن)، بل في (المسلمين). ومشكلة المبادئ أتباعها. وعندما يتعطل الفهم عندهم فلن يستفيدوا من أعظم الآيات التي يمرون عليها وهم عنها معرضون.
وفي قصة (ابن لبيد) عبرة كبيرة فهذا الصحابي الجليل عندما سمع يوما من رسول الله (ص) يروي قصة (ذهاب العلم) لم يخطر في باله أنه حاصل طالما كان كل جيل يدرس القرآن للجيل الذي بعده؟ والرسول (ص) عندما سمعه يقول: «كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن وأبناؤنا سوف يقرئون أبناءهم القرآن؟». لم يقل له أتكذبني وأنا رسول الله أو يرد عليه (بنص) قرآني، بل أخذ بيده إلى الواقع المعاش فقال له: «ثكلتك أمك يا ابن لبيد لقد ظننتك من أفقه من بالمدينة، أو ليس اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء؟».
ونحن هنا أمام شيء جديد هو (وجود الكتاب) وعدم الاستفادة منه لفقدان (أداة) الدخول على الكتاب. وإذا أصيب شريان عند جراح أوعية دموية فلن ينفعه إلا جراح أوعية آخر و(أدوات) الدخول على ساحة العملية، فهذا هو الفرق بين القصاب والجراح. وبطاقة مغناطيسية تفتح الباب العظيم. والدخول على آيات القرآن بدون (أدوات معرفية) من العلوم الإنسانية المساعدة مثل من يدخل صيدلية عظيمة بدون معرفة صيدلانية.
والفرق بين (الواقع) و(النص) أن الواقع هو النص (الأساسي) الذي لا يتبدل، أي هو اللغة الأساسية أو كتاب الله (المنظور). ويقول (غراسيان) «إن الحقيقة ترى بصورة عامة ونادرا ما تسمع». والواقع يبقى (المرجع) عند كل خلاف. والانفكاك بين النص والواقع يحرم من الاستفادة من أقدس النصوص. ولا يصبح الطبيب بارعا إلا في السباحة المستمرة بين النظرية والممارسة. و(آينشتاين) يرى أن كشف الحقيقة مرة واحدة غير كاف، فالحقيقة تشبه تمثال الرخام المنتصب في الصحراء والمهدد بالدفن في كل لحظة من زوابع الغبار، وما يحفظه هو النظافة المستمرة من أيدي دؤوبة لا تعرف الكلل فيلتمع تحت ضوء الشمس؟
وهذه الظاهرة هي مرض (أهل الكتاب) والمسلمون هم أهل آخر كتاب. ويمكن أن يصابوا بكل أمراض أهل الكتاب السابقة. ومنها أن يحال بينهم وبين الفهم فيتعطل الفهم فلا يستفيدوا من أي نص.
وحينما يتعطل الاتصال بين (النص) و(الواقع) تتوقف كهربائية الدماغ فيموت النص ولا يستفاد من الواقع بشيء. ولا ينتبه صاحبه إلى الآفة التي ركبته ويظن أنه على شيء؟