هناك شيء جوهري يجب أن يعرفه كل مقبل على اقتحام الحياة السياسية والتحول بالتالي إلى شخصية عمومية، وهو أن هذا التحول تترتب عنه لائحة من التضحيات، أولها أن الشخص عندما يصبح شخصية عمومية فهو يفقد خصوصية الشخصية العادية، بحيث تصبح حياته وتصرفاته وسلوكياته وتصريحاته تحت المجهر تلتقط وتحلل ويتم التعليق عليها وانتقادها، أحيانا بعنف. في أمريكا مثلا يسمح القضاء للصحافة بأن تكون بذيئة في سخريتها من السياسيين، وعلى هؤلاء السياسيين أن يتقبلوا ذلك لأنه لا أحد ضربهم على أيديهم لكي يحترفوا السياسة.
لذلك عندما يستهجن السياسيون والوزراء والشخصيات العمومية عندنا أن تتعرض لهم الصحافة بالنقد الحاد فهم يكشفون عن جهل مطبق بقواعد اللعبة.
عندما تكون شخصية عمومية فأنت لست كبقية المواطنين، وعليك أن تتوقف عن مطالبة الصحافة والرأي العام بأن يعاملوك كمواطن عادي لأنك لست كذلك، فأنت أولا تتقاضى راتبك من أموال دافعي الضرائب، وثانيا أنت تتحمل مسؤولية تطبيق السياسات العمومية التي قدمتها أمام البرلمان والملك ونالت الموافقة.
ولذلك فعندما تكون شخصية عمومية فليس من حقك أن تتباهى بتدريس أبنائك في مدارس التعليم الخصوصي أو مدارس البعثات الأجنبية، لأن المكان الطبيعي لأبناء كل مسؤول عمومي هو المدرسة العمومية، ولو كنت مواطنا عاديا فمن حقك أن تسجل أبناءك في أي مدرسة تشاء ولا أحد سيكون له الحق في محاسبتك، لكن أن تكون وزيرا للتعليم تضع السياسات العمومية في هذا المجال لأبناء الشعب فيما ترسل أبناءك لكي يدرسوا ضمن نسق تعليمي مغاير فهذا غير مقبول.
عندما تكون شخصية عمومية فليس من حقك أن تكون حاملا لجواز سفر أجنبي، لأن ذلك سيضعك ويضع الحكومة معك في حرج عندما يتعلق الأمر بتضارب مصالح بين بلادك والبلاد التي تحمل جنسيتها، خصوصا في القطاع الحكومي الذي تشرف عليه. عندما تكون مواطنا عاديا فمن حقك أن تحمل حتى عشر جنسيات مختلفة ولا أحد سيكون له الحق في انتقادك.
عندما تكون شخصية عمومية مكلفا بحقيبة وزارة السياحة فليس من حقك أن تقضي عطلتك في بلاد أجنبية وأن تنشر صورا تقدم دعاية مجانية للمزايا السياحية للبلد الذي سافرت إليه، لأن البلاد التي تشتغل في حكومتها كوزير وتحصل على راتب من أموال دافعي ضرائبها أحق بأن تسافر في مدنها وتعرف بمناطقها ومزاياها السياحية.
عندما تكون مواطنا عاديا يمكنك أن تقضي حياتك كلها متنقلا بين الهند والسند ناشرا الصور التذكارية التي تحب فلا أحد سيكون له الحق في محاسبتك.
عندما تكون مسؤولا عموميا فعليك أن تخصص كل جهدك للدفاع عن الصحة العمومية والتعليم العمومي وبقية الخدمات العمومية التي يجب توفيرها لدافعي الضرائب، وأن لا تتحول إلى محام يدافع عن خوصصة الخدمات في كل القطاعات. عندما تكون مواطنا عاديا فمن حقك أن تدافع عن المؤسسات الخصوصية وأن تتعالج في المستشفيات الخاصة وتسجل أبناءك في المدارس الخصوصية ولا أحد سيكون له الحق في محاسبتك.
عندما تكون شخصية عمومية فأنت مجبر على الخضوع لمنطق المحاسبة والمراقبة، وأولها مراقبة الصحافة ومحاسبة البرلمان. وكل مسؤول وزاري يعتقد أن المجيء إلى البرلمان هو مضيعة للوقت عليه أن يفهم أنه أخطأ الطريق نحو السياسة. المثول أمام البرلمانيين للإجابة على أسئلتهم، والرد على طلبات الصحافيين للحصول على حوارات أو معلومات ليس ترفا أو منة يتبرع بها الوزير على هؤلاء بل هو واجب مفروض عليه بحكم القانون والدستور، والتخلف عن تلبية هذا الواجب يعتبر خرقا يستوجب المحاسبة.