الـمَهْـدي الـكــرَّاوي
بين شتنبر 2015 وشتنبر 2021 تكون قد مرت ست سنوات من الولاية الجماعية الحالية، التي دخلتها قيادات حزب العدالة والتنمية كالفاتحين لمدينة آسفي بشعارات قوية ووعود وردية بمحاربة الفساد وخلق فرص الشغل وتنمية مدينة كانت ولاية وعاصمة لجهة دكالة عبدة وتحولت إلى عمالة بجهة مراكش آسفي. ورغم مؤهلاتها في الصناعات الغذائية والمعدنية والبحرية، فقد انتهت آسفي تحت تدبير البيجيدي بمجلس جماعي لا يستطيع أداء مستحقاته من الماء والكهرباء وفشل في الرفع من الموارد المالية وانتهى رئيسه متابعا أمام محكمة الاستئناف بمراكش بتهم تبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته والتزوير في محرر رسمي واستعماله.
آسفي اليوم مدينة لا تغري الزائر ولا المستثمر. هذه هي الخلاصة التي يصل إليها من يتجول وسط أحيائها. ثمة مشاريع وبنيات اقتصادية عملاقة كالمكتب الشريف للفوسفاط والميناء الجديد والطريق السيار والمحطة الحرارية وميناء الصيد البحري والصناعات الخزفية ومعامل تصبير السمك ومقالع الرمال والجبس.. لكنها مدينة لا تخلق لنفسها ولأبنائها الثروة، بحسب العديد من المتتبعين، الذين أكدوا أن المجلس الجماعي للمدينة أوصلته تجربة تسيير حزب العدالة والتنمية إلى الإفلاس المالي، بدون مقترحات ولا حلول جذرية للقطع مع ثنائية الخيرات والمؤهلات الطبيعية والصناعية والاقتصادية للمدينة، ووضعية الأزمة المالية التي جعلت مدينة بحجم آسفي تساهم بأعلى معدلات النمو في الاقتصاد الوطني، لكنها فاشلة في تنمية وتقوية مواردها المالية وترشيد النفقات وتوسيع وعاء الضرائب والرسوم.
المدينة أصبحت على عهد العمدة عبد الجليل لبداوي غارقة في الأزبال ولا تستطيع حتى سداد فواتير الماء والكهرباء، وأضحت غير قادرة حتى على توفير الإنارة العمومية في شوارعها وأحيائها السكنية، وفقدت كل معاني وتجليات حياة المدينة، وهو الوضع الذي دفع الكل هنا إلى إطلاق نعت «الحفرة» على مدينة تملأ أبناءها مشاعر الحسرة على واقع حالها.
اتفاقيات ثانوية وزحف للبناء العشوائي
خصص مجلس آسفي بقيادة العمدة عبد الجليل لبداوي جل دورات المجلس خلال ست سنوات للمصادقة على نقط واتفاقيات ثانوية، ليس لها طابع الأولوية بالنسبة لمتطلبات المدينة والساكنة، وفضل العمدة وإخوانه الابتعاد عن قطاعات مهمة لها انعكاس كبير على وضع المدينة، كالموظفين الأشباح والإنارة العمومية وصيانة الطرقات والحدائق، وتدبير قطاع النظافة والمجزرة البلدية التي تعتبر نقطة سوداء تهدد صحة المستهلكين، واحتلال الملك العمومي من قبل المقاهي والباعة المتجولين، والبناء العشوائي الذي تمدد جنوبا بالقرب من الحزام الأخضر للمركبات الكيماوية، حيث تظهر صور عبر الأقمار الصناعية التابعة لشركة «غوغل»، زحفا غير مسبوق في البناء العشوائي الذي تمدد بجانب خط السكة الحديدية والمنطقة الخضراء الوقائية للمركبات الكيماوية، وتحولت العديد من الأراضي الفارغة داخل المجال الحضري إلى تجمعات سكنية بدون تراخيص ولا إنارة عمومية وغير موصولة بشبكة التطهير السائل، وفي مناطق ممنوع فيها البناء وغير مجهزة بالبنيات التحتية.
على مستوى مجلس مدينة آسفي لم يضع منتخبو العدالة والتنمية في صلب اهتمامهم الوضعية الاستثنائية التي تعيشها المدينة، سواء من خلال الاهتمام الملكي خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أو خلال عهد الملك محمد السادس الذي خصها بأربع زيارات ملكية حملت مشاريع تنموية واجتماعية غير مسبوقة للإقليم، في مساهمة لإرجاع مدينة آسفي إلى مرتبتها ضمن الاقتصاد الوطني، ورفع حالة الغبن عنها وفك الحصار الذي ضربها وجعلها مدينة منسية رغم مؤهلاتها البحرية والطاقية والفلاحية.
فشل في التأهيل وترشيد النفقات
كل المؤشرات والأرقام الرسمية تشير إلى أن مجلس مدينة آسفي لم يستطع كسب الرهان ومواكبة مشاريع ملكية كبيرة سواء على مستوى بناء أكبر محطة لمعالجة المياه العادمة أو إعطاء الانطلاقة لمشروع التأهيل الحضري، وأشغال تهيئة المدينة العتيقة وإعادة إيواء ساكنة الدور الآيلة للسقوط، وإحداث مناطق تعمير جديدة لمشاريع السكن الاقتصادي، حيث فشل مجلس مدينة آسفي في ترشيد نفقات التسيير وظل حبيس مقاربة إعداد ميزانية لا تواكب الرهانات الجديدة.
المشهد العام في آسفي اليوم، وبعد ست سنوات من تسيير حزب العدالة والتنمية، هو انتظارية قاتلة وأحياء محاصرة بالمياه العادمة، وشباب عاطل ينتظر أول فرصة للهجرة السرية عبر قوارب الموت، وهجرة رؤوس الأموال والمستثمرين عن مدينة لم تعد تغري بأي استثمار، ومجلس يعيش على استهلاك الزمن، وإدارة جماعية ينخرها الفساد والبيروقراطية والموظفون الأشباح… مدينة لم يعد بإمكان مجلسها أن يشتري مصابيح الإنارة العمومية ولا أن يؤدي مستحقات استهلاك الماء والكهرباء،… فأصبحت جماعة آسفي هيئة منتخبة متسولة تنتظر صدقات المجلس الإقليمي ومجلس الجهة، وتحول عمدتها إلى ضيف فوق العادة يمضي وقته في حضور الأنشطة الرسمية والحفلات والسفر مرة في الشهر لحضور أطوار محاكمته أمام غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش بعد متابعته بتهم تبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته والتزوير في محرر رسمي واستعماله، وذلك على علاقة بالتلاعبات التي شهدها المشروع الملكي «برج الناظور» الذي كلف 146 مليار سنتيم، وصرف عمدة آسفي لتعويضات غير قانونية فاقت المليار سنتيم.
لقد تخصص مجلس جماعة آسفي، على عهد ولاية حزب العدالة والتنمية، في عرض كل جواهر المرافق العمومية للبيع، حيث باع وتخلص من النقل الحضري لشركة إسبانية بدفتر تحملات على المقاس، وهي الصفقة التي تمتد على مدى 10 سنوات بمداخيل مالية تصل إلى 36 مليار سنتيم، وفوت المسبح البلدي بثمن بخس لا يتجاوز 30 مليونا في السنة رغم أنه ليس ملكا جماعيا خاصا بل يدخل في حيازة ملك الدولة عدد 596 موضوع الرسم العقاري م/674. ووصل مسلسل بيع المرافق والممتلكات الجماعية إلى منح شواهد إدارية لمالكي منازل عشوائية شيدت فوق أرض مترام عليها تدخل ضمن لائحة الممتلكات العقارية للملك الجماعي الخاص، وهي البقعة الأرضية المعروفة باسم «أرض القبة» التي كانت جماعة آسفي الزاوية قد اقتنتها سنة 1997، ودخلت حينها ضمن قائمة الملك الجماعي الخاص، حيث تم تجزيئها وشيدت فوقها مرافق عمومية، في حين بقي جزء منها فارغا قبل أن يجري الترامي عليه في ظروف غامضة سنة 2011 بعدما قام شخص من حزب العدالة والتنمية بإعادة شرائها وتجزيئها ثم بيعها لأشخاص آخرين شيدوا فوقها 17 منزلا عشوائيا بدون تراخيص في مجال البناء والتعمير.
تسول لصدقات مجالس أخرى
لتبرير فوضى الممتلكات الجماعية وأمام وقع الفضيحة اضطر عبد الجليل لبداوي، عمدة آسفي عن حزب العدالة والتنمية، إلى الاعتراف، في اجتماع رسمي بقصر بلدية آسفي، بأن ما وقع في «أرض القبة» يعتبر «نصبا واحتيالا في مجال العقار»، لكنه تحاشى الحديث والكشف عن ظروف وملابسات إصدار جماعة آسفي باسم الرئيس أو بتفويض منه لشواهد إدارية للربط بالكهرباء لبعض المنازل التي شيدت عشوائيا فوق الأرض التي في ملكية الجماعة، كما لم يفصح عن المسؤول المنتخب الذي وقع على هذه الشواهد الإدارية.
لقد تحولت جماعة آسفي خلال الست سنوات الماضية إلى طالب للصدقة من المجلس الإقليمي ومجلس الجهة والميزانيات الاستثنائية لوزارة الداخلية، وبدونها لا يستطيع المجلس أداء مهامه بشكل عادي والاستجابة الملحة لمتطلبات الساكنة في الإنارة العمومية وتهيئة البنيات التحتية الطرقية والصحة والتعليم وتحسين الخدمات الجماعية سواء في توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وتهيئة المساحات الخضراء والمساهمة في التنمية الثقافية والسياحية للمدينة.
ومنذ انتخابه رئيسا لمجلس آسفي منذ سنة 2015 لم تمر سنة واحدة دون أن ترفض وتتحفظ وزارة الداخلية على مشاريع الميزانيات المالية التي أعدها وصادق عليها مجلس آسفي بقيادة حزب العدالة والتنمية، وآخرها مشروع ميزانية 2021 بسبب عدم توازنها وارتفاع كتلة الديون والعجز المالي خلال فترة تولي حزب العدالة والتنمية قبل قرابة ست سنوات، وتسجيل أزيد من 5 ملايير سنتيم من العجز في سنة واحدة.
وبرمج مجلس مدينة آسفي برئاسة عبد الجليل لبداوي، عن حزب العدالة والتنمية، ميزانية ضخمة خلال السنة المالية 2021 حيث فاقت 27 مليارا و650 مليون سنتيم، أغلبها اعتمادات مالية سوف تصرف في أمور ثانوية وأخرى مبالغ فيها، في ظل فشل مجلس البيجيدي في ترشيد النفقات وإيجاد مخارج مالية لسداد الديون وتقليص العجز المالي الذي أوصل مجلس آسفي إلى وضعية الإفلاس.
وتضمنت ميزانية مجلس مدينة آسفي لسنة 2021 مصاريف خيالية لتعويضات الرئيس والمستشارين وتنقلاتهم داخل وخارج التراب الوطني تفوق 81 مليون سنتيم رغم توقف التنقلات خارج المغرب بسبب حالة الطوارئ الصحية، كما برمج المجلس أيضا 30 مليون سنتيم للباس الأعوان، وهو رقم مبالغ فيه، بحسب مصادر مطلعة، مشيرة إلى أنه لا تستفيد منه هذه الفئة من الموظفين، كما أن أسعار السوق المتداولة لألبسة الأعوان لا تصل إلى هذا الرقم الكبير المخصص لهم.
ولم يلتزم مجلس مدينة آسفي ضمن ميزانية سنة 2021 التي رفضتها وزارة الداخلية، بإعادة جدولة الديون واحترام آجالها، حيث تشكل الجماعة الحضرية لمدينة آسفي التي يسيرها حزب العدالة والتنمية النموذج الفاضح في عدم أداء مصاريف وديون استهلاك الماء والكهرباء رغم توقيع اتفاقية بين وكالة «راديس» والجماعة الحضرية صادقت عليها وزارة الداخلية وتقضي بعدم تراكم ديون الاستهلاك، حيث تمثل مستحقات وكالة «راديس» لدى الجماعة الحضرية لمدينة آسفي 98 بالمائة من مجموع الديون التي بذمة كافة الجماعات المحلية التابعة لإقليم آسفي.
خلال إحصاء سنة 2014 بلغ عدد سكان مدينة آسفي 308 آلاف نسمة، واليوم، في سنة 2021، عرفت المدينة نموا ديموغرافيا كبيرا بنسبة كبيرة من الفئات الشابة، المدينة اليوم، وبعد سنوات من التدبير الجماعي، لا تستطيع خلق فرص الشغل، وليست لها جامعة للتعليم العالي مستقلة عن جامعة القاضي عياض بمراكش، وتراجعت في العقود الماضية الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وأغلقت بها أزيد من 100 وحدة في الصناعات الغذائية لم تندمل بعد نتائجها الاجتماعية، وخلال ست سنوات من الولاية الجماعية الحالية خسرت آسفي الرهان وخسر البيجيدي شعبيته وكانت التجربة الجماعية بيضاء بدون منجزات ستكون كلفتها الاقتصادية والاجتماعية كبيرة على الأجيال الحالية والقادمة.