آذار الأسود
حسن البصري
خجولا أطل.. كما تنبأت قصيدة «القمر الأحمر» للشاعر عبد الرفيع جواهري، هكذا استيقظ المغاربة على فصل ربيع ليس ككل الفصول، ربيع تدمع فيه النجوم بعد أن تحالف ضده الوباء والجفاف والحجر. لكن النكبة لن تمنعنا من الاستمتاع بجمال الربيع ونحن في خلوتنا، فمنصات التواصل الاجتماعي أشبه بشركات خدمات التوصيل تعفيك من مغادرة غرفتك إلا عند ضرورة دورة المياه.
كثيرة هي المناسبات التي ألغيت بسبب تفشي وباء كورونا، آخرها عيد الأم، الذي حول أمهاتنا إلى كائنات تتلقى التهاني عن بعد، بل إن خطورة الموقف دعت بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني إلى إصدار قرار يقضي بإلغاء الزيارات العائلية بمناسبة عيد الأم، وقال: «عذرا أيتها الأمهات حياتكن تهمنا». كما حض جونسون الناس على الانخراط في «المجهود الوطني البطولي» باتباع تعليمات التباعد الاجتماعي التي أوصت بها السلطات الصحية والعلمية، وأوصت بها أم كلثوم قبل سنوات حين غنت «بيني وبينك خطوتين».
عمليا لا يمكن الاحتفال بمناسبة كعيد الأم في ظل العزل الطبي، فالمحلات التجارية مغلقة ولن يتمكن الأبناء من معانقة أو تقبيل أمهاتهم والاحتفال بهذه المناسبة، حفاظا منهم على سلامتهن. لم يعد متاحا في ظل الظرفية الحالية سوى البحث عن هدايا معقمة، كالقفازات والكمامات والسوائل الطبية، وفي أحسن الأحوال إرسال التهاني والأماني عبر شريط مصور يعفي من مخالطة أشبه بالمخاطرة.
كتب لاعب دولي سابق على صفحته الفايسبوكية: «في عيد الأم أهديك أمي العزيزة وثيقة الخروج من البيت عند الضرورة»، حين تحولت رخصة الخروج إلى هدية فاعلم أن اللاعب طارد المقدم ركضا بين الأزقة وسعى إليها بكل ما أوتي من جهد ومعارف، قبل أن يقدمها هدية لست الحبايب. لذا كان من الأولى جعل الـ21 من مارس عيدا وطنيا للمقدمين وأعوان السلطة، ففي هذا اليوم المشهود عاد الاعتبار لهذا الكائن وتبين للجميع جدواه.
في مارس الحزين، كان الاحتفال بعيد المرأة خجولا كقمر عبد الرفيع الجواهري، فألغيت العديد من التظاهرات لفائدة الشك، وسقطت من أجندة الشعراء أماسي اليوم العالمي للشعر، وعادت بنا كورونا إلى زمن المعلقات حين اختار منظمو أمسية شعرية إلغاء الحدث والاكتفاء بنشر القصائد في مدخل القاعة مع احترام المسافة الاحترازية.
وفي اليوم العالمي للسعادة، الذي أشك في سلامة عقل من اخترعه، عاش المواطنون روتين الرعب وهم يتابعون غارة الوباء على العباد، ويجزمون بأن السعادة والجائحة لا تلتقيان، مع ملتمس بتأجيل الاحتفال باليوم العالمي للسعادة مباشرة بعد القضاء النهائي على آخر بؤرة وباء في العالم.
سقط اليوم العالمي للغابة بدوره من لائحة المناسبات التي تزاحمت في شهر مارس، وتبين فعلا أن المطرب الشعبي كان على صواب حين ردد ذات يوم أغنيته «مال الغابة مقلقة» دون أن ننتبه إلى مضامين كلماته، لكن على الأقل فالغابة ستسلم من اعتداء البشر عليها، وسيتحقق مراد عمر السيد «الغابة نعمة بحالها بحال الدار، حرام تضيع بسباب النار».
سيحزن الرجاويون أيضا لأن عيد ميلاد فريقهم الرجاء البيضاوي، تزامن مع العشرين من مارس، يوم إعلان حالة الطوارئ في البلاد، سيذكر التاريخ أن حفلا قد أقيم في عز الحجز المنزلي عن بعد، وسيحذر رجال الأمن من تأجيل الاحتفال إلى ما بعد انتهاء فترة الطوارئ تجنبا لعيد ميلاد الوداد.
إلغاء هذه المناسبات هي فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا، والانخراط بشكل جدي في الحرب المعلنة من طرف السلطات المغربية على الوباء وعلى من يستخف به، ويصر على مغادرة بيته للاحتفال.
كثير منا أساؤوا فهم «كنتم خير أمة أخرجت للناس» فخرجوا للشارع العام.