شوف تشوف

الرئيسية

آداب الإنفاق في سبيل الله

أحمد الراقي

الحديث الخامس والتسعون بعد المائة الثانية (295)

عن أبي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «مَا مِنْ يوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ ملَكَانِ يَنْزلانِ، فَيقولُ أَحدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلفاً، ويَقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً» متفقٌ عليه.
حديث اليوم يجمع بين الترغيب والترهيب فهو يبشر ويعد المنفقين الذين لم يقعوا في براثن شح النفس بالثواب والبركة حيث تدعو لهم الملائكة ببقاء الثواب ومضاعفة المال في حياتهم أو بعد مماتهم، حيث أبهم الخلف ليتناول المال والثواب وغيرهما، قال ابن حجر «إبهامه أولى فكم من منفق مات قبل وقوع الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد في الآخرة أو يدفع عنه السوء ما يقابل ذلك». ويتوعد هذا الحديث البخلاء الذين يضيعون من يقوتون، والذين يحبسون عمن يملكون ويرعون قوتهم بأن الملائكة تدعو عليهم بتلف المال أو تلف صاحب المال أو تلف الأبناء ومحو البركة وضيق الرزق.
وهذه جملة من آداب الإنفاق:
أن يكون من حلال، وأن يحتسب الأجر من الله تعالى وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون في سبيل الله، وأن تكون النفقة في موقعها من أعمال الخير، والبِرِّ، والإحسان، وأن يبذلها المنفِقُ بسخاء نفس، وأن تكون من أجود ما يحب المرءُ لينال البر؛ قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
وأن يَفرح ويُسَرَّ عند النفقة، وينشرح بها صدره، ولا يَمُنَّ بها، ولا يذكرها، ولا يستكثرها، وأن يعلم أن الفضل لله الذي أعطاه المال لينفق منه، وأن يكون قلبه ثابتًا عند النفقة، فلا يضطرب أو يخاف أن ينقص مالُه؛ قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 265].
وأن ينفق سرًّا وعلانيةً حسب المصلحة، فإن كان يريد الاقتداء به، فلْيُعلن النفقة، وإلا فلْيُسِرَّها، وأن تكون في السرَّاء والضرَّاء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، واليُسر والعُسر، وألاَّ يرجع فيها؛ وأن يَعلم أنه عندما يُنفِق في سبيل الله إنما يُقرض اللهَ قرضًا حسنًا؛ قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245].
وأن يعلم أن الموت آتٍ لا شك في ذلك، فيُسارع إلى الإنفاق قبل حلوله، وأن يتَّقي شُحَّ نفسِه؛ قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16]، وأن يَعلم أن الله سيعطيه مِن فضلِه أكثرَ مما أَنفق.
وأن يعلم أن النفقة تقِي من عذاب النار، وتمنع ميتةَ السوء؛ وأن يعلم أن «كل امرئ في ظلِّ صدقتِه، حتى يُفصل بين الناس»، وأن «أحب الناس إلى الله أنفعُهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تَطرُد عنه جوعًا» وأن تعلم أن «الصدقة تطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ). كما في الحديث
وأن نعلم أن الصدقة عندما يتقبَّلها الله يربِّيها كما يربِّي أحدُنا فَلُوَّه أو فَصيله، حتى تكون مثل الجبل؛ كما ورد في «الصحيحين»: «لا يتصدَّق أحدٌ بتمرة من كسبٍ طيِّب، إلاَّ أخذها اللهُ بيمينه، فيربِّيها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم» [6].
وأن الصدقات ترجِّح ميزانَ الحسنات، وتكفِّر الذنوب، وترفع قيمةَ العبد عند ربه، فلا يستوي المُنفِقون وغيرهم؛ قال تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
وأن الكرم والجود من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وعباد الله الصالحين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «ما يَسُرُّني أن عندي مثلَ أُحُد هذا ذهبًا، تمضي عليَّ ثلاثةٌ، وعندي منه دينار». وأن الصدقة لا تنقص المالَ بل تزيده؛ «ما نقصتْ صدقةٌ من مال».
وأنها سبب لمحبة الله ومحبة الناس، وسعادة القلب، وزكاة النفس، وعبادة الله تعالى قال سبحانه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5 7]، فليس للإنسان شيء يبقى؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل لك يا ابن آدمَ مِن مالِك، إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقتَ فأمضيتَ؟!».
وأن الصدقة التي يُخرجها الإنسانُ من ماله في صحته وحياته تَلحقه بعد موته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسانُ، انقطع عملُه إلاَّ مَن ثلاث: إلا مِن صدقة جارية، أوعلمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى