شوف تشوف

الرأي

آثار الوباء الفتاك على اقتصاد العولمة

جمال أكاديري

في المستقبل القريب، قد يتذكر العالم، أن تفشي فيروس كورونا كان لحظة فارقة، ساهمت في إنهاء تسارع مرحلة معينة من تاريخ العولمة، لأن المعروف أن على مدار العقود الماضية، وبفضل العولمة، أنشئت أسواق كثيرة في القارات الخمس، وأصبحت سلاسل الإمداد والتمويل أكثر دولنة، وظهرت طبقات اجتماعية أكثر ثراء ورفاهية، وتم إنشاء شبكات وقنوات متعددة للتبادل التجاري في كل أنحاء الكوكب، لكن بظهور مثل هذا الوباء المتفشي سريعا، بدأنا نلاحظ أن ردود الفعل صارت ارتكاسية وعكسية، أي تتجه عكس التدفق الحر والمتزايد للمعلومات، وللرساميل، ولمرونة الوظائف ولتنقل الأشخاص، كل هذا مع تصاعد الضغوط السياسية دوليا.
النتيجة كانت متوقعة وسلبية تشديد مزيد من الرقابة على الهجرات، ووضع حواجز أمامها، والتقليل من العمليات التجارية وانخفاض في مبادرات الاستثمار، مع تقلص سلاسل التمويل الخارجية، وزيادة التركيز، على سياسة الانطواء الحمائية من طرف الدول المتوجسة من خطورة انتشار الفيروس على أراضيها.
بالفعل، فلقد فرض وباء كورونا على دول كثيرة أن تضع قيودا على التنقل والسفر، وبسببه صدرت اتهامات متبادلة بين بعض الحكومات، (أمريكا والصين وروسيا)؛ مع تسجيل حالات هيجانية من النعرات العنصرية، ومن كراهية الأجانب، في بلدان غربية تعاني من متلازمة صعود اليمين المتطرف انتخابيا، فاعتمادا على مستوى الضرر البشري، والاقتصادي، قد يُعتبر فيروس كورونا، يوما ما، بمثابة وباء ترك ندبة بينة على تقاسيم الاقتصاد العالمي.
تاريخ ردود فعل أسواق البورصات، في أوقات الأزمات الصحية، يبدأ نسبيا بالنفور من المخاطرة ومن المجازفة في عمليات البيع والشراء الكبرى، مع ما سيتبعه من انخفاض في أسعار الأسهم وارتفاع أسعار السندات.
وحتى لا نبالغ، ينبغي أولا التصريح بشكل حذر، بأن الاقتصاد العالمي في حالة صدمة، وأن هذا الوباء الفتاك هو مأساة إنسانية حقيقية لجميع من تضرر منه، خاصة الدول العاجزة، والتي لن تستطيع تطوير لقاح مضاد، لأن فعالية سلطات الصحة العامة في هذه الدول، عند الإنزال والتدخل، أقل كفاءة بكثير من البلدان المتقدمة طبيا.
لهذا، فإن أولئك الذين يعيشون في أجزاء من العالم، حيث تكون الأنظمة الصحية أقل تطورا، هم الأكثر عرضة لأعراض القلق والذعر، أما بالنسبة لأحوال صحتهم، أو لركود أحوال اقتصاداتهم الناشئة، مثلا، احتمال انتشار الفيروس في إفريقيا، أمر أكثر خطورة، لأنه سيمثل سيناريو للحالة الأسوأ عالميا، وسينطوي عند انتشاره في مدن الدول غير النامية على شيء مخيف، هناك حيث تعيش أعداد كبيرة من الجموع، وحيث مرافق الرعاية الصحية شبه منعدمة، والملايين يفتقرون إلى الأموال اللازمة للتغطية الصحية. بالإضافة إلى أن بلدان الأسواق الناشئة قليلة عدديا، وستتلقى بدورها صدمة اقتصادية قاتلة، نتيجة انحسار تدفق رواد السياحة العالمية، كما ستواجه، بالمثل، بلدان أخرى خسائر فادحة.
ثم إن الشعور بالقلق متزايد في الآونة الأخيرة في الاقتصاد العالمي والأسواق، مما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار الأسهم، وزيادة في تقلبات البورصات العالمية؛ لأن وقع انتشار الفيروس المتحور، يكسر بالتسلسل سلاسل التجارة والإمداد، في جميع أنحاء العالم.
في بداية تفشي الوباء انخفضت مؤشرات تطلعية، معتمدة في قياس زخم التجارة العالمية، بمقدار مخيف، وهبطت أسعار الطاقة بنحو الربع.
وبما أنه معروف، في بورصات الأوساط العالمية أن الأسواق المالية تتعايش مع بعض الاضطرابات
الاقتصادية إذا تكهنت، إلى حد ما، أنها ستكون فقط مؤقتة وعابرة، فلقد توقع بعض الخبراء أن يشهد الاستهلاك انتعاشا بعد الأزمة سيعوض الانخفاض الحالي، ربما حتى وقت قريب، أسواق البورصات كانت على استعداد لاعتماد هذا الرأي، بعد أن عرفت نموا وعائدا في الأرباح، لكن مع انتشار الفيروس أصبح هذا التفاؤل موضع تساؤل، ورأينا في المدة الأخيرة كيف تصاعدت بكثافة الإجراءات الاحترازية التي تعكس النظرة القاتمة للنمو الاقتصادي في العالم بأسره، ومع ذلك ومن ناحية أخرى، رحبت الأسواق المالية برد فعل السلطات الضريبية والبنوك السيادية، وإعلانها أنها ستتخذ تدابير مشجعة للتحفيز الاقتصادي عند الضرورة.
تاريخ ردود فعل أسواق البورصات، في أوقات الأزمات العالمية، يبدأ نسبيا بالنفور من المخاطرة ومن المجازفة في عمليات البيع والشراء الكبرى، مع ما سيتبعه من انخفاض في أسعار الأسهم وارتفاع أسعار السندات والطلبات، ثم بمجرد انتهاء هذا الهيجان تتباطأ التصفية، ويتغير سلوك المستثمرين، فيتوقفون عن اتخاذ قراراتهم انطلاقا من تخوفاتهم فيعودون إلى تقييم العوامل الأساسية مرة أخرى. وهكذا تتعافى البورصات من حمى الهلع والذعر بعد مرور أشهر قليلة.
ومن المآزق الأخرى التي تواجهها الحكومات، وغيرها من البلدان الأكثر تضررا من فيروس كورونا المتحور، كيفية تحقيق التوازن بين احتواء انتشار الوباء والإبقاء على اقتصاداتها في حالة جيدة، كل يوم هناك تحدي، فيصعب أحيانا استعادة الأمور كما كانت عليه، لأن الطبيعة المتزايدة للنشاط الاقتصادي، مع ما يفرزه بالضرورة من الاحتكاكات البشرية العفوية، يجعلان من الصعب السيطرة على انتشار الوباء، وبالتالي التعافي الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى