L’anomie
![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2015/08/moradi.jpg)
ما حدث هذه الأيام، في الأسواق والمحطات الطرقية والشوارع والأزقة من سلوكات غريبة، بمناسبة عيد الأضحى، يجعلنا نستنتج أننا أمام حدث تعدى بكثير معانيه ومقاصده الروحية التي حددتها النصوص، في الكتاب والسنة، وإلا ماذا تعني هذه الموجة العارمة التي تبرر كل أنواع الحرام من أجل شراء أضحية، يفترض أنها مجرد سنة مؤكدة بإجماع أئمة المذاهب الفقهية المعروفة؟ ماذا يعني سرقة كبش للتضحية به؟ هل هو سرقة لحم فقط؟ ماذا تعني سرقة المال أو بيع الجسد أو أخذ قرض بالربا من أجل شراء الأضحية؟
طبعا بالنسبة لعموم المتدينين، فهذا مجرد «جهل» بالدين، لكن نظرة عميقة لحجم الظواهر الجديدة التي يلجأ إليها المغاربة إبان كل عيد أضحى، تؤكد بالملموس ما قلناه من أن الأمر يتعلق بحدث ثقافي بأبعاد ينبغي فهمها بأنثروبولوجيا الأديان وبالسوسيولوجيا. وإلا ما معنى أن ينتحر أب أسرة لأنه لم يجد مالا لشراء الأضحية؟ لماذا قرر التضحية بنفسه الإنسانية بسبب عدم قدرته على شراء نفس حيوانية وتقديمها أضحية؟
لذلك، وكشأن مجموعة من الظواهر الاجتماعية الأخرى، فعلاقة المغاربة بعيد الأضحى مازال يلفها الكثير من الغموض وسوء الفهم، مفضلين الركون للتفسير الديني لعملية ذبح الأضحيات، وهو تفسير يجعلنا مرتاحين لحكمه الفقهي، على أنه سنة مؤكدة، ولكننا نتجنب كثيرا مواجهة حقائق أخرى تؤكد أن الأمر يتعلق بشيء أكبر وأضخم. أي بشيء أكثر قهرية وموضوعية بلغة السوسيولوجيين، وبالتالي لا يمكننا فهمه إلا بالدراسات العلمية الحقيقية. ومن المفاهيم التي تسعفنا على ذلك، نجد مفهوما ينتمي للسوسيولوجيا الكلاسيكية، وهو مفهوم «Anomie»، الذي صاغه عالم الاجتماع الفرنسي الشهير إميل دوركهايم، لتفسير علاقة التناقض بين سلوكات الأفراد والعادات والتقاليد الاجتماعية، عندما يلجؤون إلى التحايل على الممنوعات والمحرمات إما بإفراغها من معناها وتصييرها شكلية أو بتبرير أشكال عدم احترامها، بحيث نحصل على وضع يكون فيه جميع الأفراد يعترفون بالمحرمات أو بالواجبات على أنها كذلك، ولكن لكل فرد طريقته ليعيش المسموح به le permis داخل المحرم l’interdit أو العكس، لذلك فهي حالة من غياب النظام والقانون، تعتبر، بحسب دروكهايم، سببا موضوعيا لارتفاع ظواهر الانتحار والطلاق وغيرها.
وإذا استلهمنا، على عجل، هذا التحليل الدوركهايمي لهذا المفهوم، سنجد أن المغاربة يعيشون، مع كل العادات والطقوس ذات المعنى الديني في ثقافتهم، نوعا من «الأنوميا»، ليس فقط في علاقتهم بعيد الأضحى، بل بالزواج والصيام والصلاة مثلا، فالأغلبية يتزوجون اقتناعا منهم بفكرة «الحلال» لكنهم لا يتزوجون الصديقات لأنهن يمثلن «الحرام» الذي تنبغي التوبة منه، ويمارس بعضهم وبعضهن كل الرذائل دون شعور بالذنب قبل رمضان، لكنهم قبل حلول الشهر الكريم بأربعين يوما يتوقفون، ليستأنفوا بعده في تداخل عجيب بين الحلال والحرام. فداخل سلسلة التناقضات هذه، نكون أمام حالة غياب الانسجام أو ما يسميه دوركهايم بـ»الأنوميا»، وهو المفهوم الذي يمكننا بشكل كبير من فهم شخصية مغربية عجائبية.