خالد الجزولي:
اعتبرت 2023، سنة رياضية بامتياز، حققت خلالها كرة القدم المغربية إنجازات مبهرة سواء على المستوى التنظيمي وكذا التقني، انطلقت بإنجازات مختلف فئات المنتخبات الوطنية عالميا، واختتمت باعتراف دولي وعالمي، بعدما حظي المغرب بشرف تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025، وكأس العالم 2030، في إطار الترشيح المشترك مع إسبانيا والبرتغال.
نجاعة المشروع الملكي
يعتبر التطور الكبير، الذي تشهده كرة القدم المغربية، ثمرة ورش ملكي قاعدي، جعل المغرب قبلة لاحتضان الأحداث والتظاهرات الكبرى والارتقاء بالرياضة و المسابقات الكروية بشكل خاص، واعتبر قاطرة لتطوير المنتوج الكروي في القارة الإفريقية بأكملها، حيث توج المسار الكبير بتسليم جائزة التميز التي منحها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لسنة 2022 إلى الملك محمد السادس، بكيغالي العاصمة الرواندية، حيث حرصت الرؤية الملكية، على تطوير البنيات الرياضية التحتية والتكوين القاعدي، من خلال إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم ومركب محمد السادس لكرة القدم، علاوة على بناء وتأهيل الملاعب لتكون في مستوى المنافسات القارية والدولية المنظمة بالمغرب، ما ساهم في اكتساب المغرب دينامية قوية، عجلت باعتراف دولي لكل جهوده الرامية لتطوير كرة القدم بشكل عام.
ويعكس اختيار المغرب لاستضافة بطولة أمم إفريقيا 2025، المكانة الكبيرة، التي يتمتع بها على مستوى البنيات التحتية الرياضية، والتي كانت وراء نجاح العديد من التظاهرات الكروية، التي نظمت على أرضه من قبيل «الموندياليتو» للأندية 2022، كأس إفريقيا لأقل من 23 عاما والمؤهلة لأولمبياد «باريس 2024»، فضلا عن تنظيم النسخة الأخيرة لكأس أمم إفريقيا للسيدات ومن قبله النسخة الثانية من دوري أبطال إفريقيا للسيدات، ما ساهم في وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، الثقة في المغرب وقدرته على إنجاح «المونديال» المشترك مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس العالم 2030.
إنجاز إعجازي لـ «الأسود» عربيا وإفريقيا
حقق المنتخب الوطني الأول، إنجازا تاريخيا في «مونديال» قطر 2022، وقدم صورة حضارية تجاوزت حدود اللعبة، إلى ظاهرة اجتماعية، ساهمت في ترسيخ الهوية المغربية بكل مكوناتها.
وأجمع الكل على أن المنتخب الوطني لكرة القدم خلق المفاجأة، عقب تأهله إلى ربع النهاية، على حساب أعتى المنتخبات الأوروبية، في إنجاز مثير أسال الكثير من المداد، من أجل فهم أسباب الفوز والتغيير الجذري الحاصل في أداء ومردود «الأسود»، خاصة بعد تولي وليد الركراكي مهام الإشراف على تداريب المنتخب خلفا للبوسني وحيد خاليليوزيتش، الذي عجز عن قيادة المجموعة الوطنية إلى تجاوز ربع نهائي كأس إفريقيا «الكاميرون 2022».
وقد بدأ المنتخب الوطني في «المونديال» بثقة وحذر، عندما تعادل سلبيا مع كرواتيا وصيفة نسخة 2018 من البطولة العالمية، قبل أن يحقق سلسلة من الانتصارات المذهلة على بلجيكا وكندا ثم إسبانيا والبرتغال، مبرزا قدرة الكرة العربية والإفريقية على إعادة خلط أوراق التراتبية العالمية للساحرة المستديرة وبمدرب محلي اسمه وليد الركراكي، الذي نجح في ترسيخ فكرة الفوز والروح القتالية في نفوس «الأسود».
وأثار إنجاز «الأسود» في «المونديال»، إعجاب الصحافة الأوروبية والعالمية، التي رصدت أثار الإنجاز العربي والإفريقي، كما تحدثت عن الهزيمة التي مني بها المنتخب المغربي ضد فرنسا في نصف النهائي، موضحة أن العناصر الوطنية وضعت «الديكة» تحت ضغط شديد، وقاتلوا ببسالة، رغم إكراه الغيابات الاضطرارية والتغييرات الإجبارية بداعي الإصابة قبل انطلاق الشوط الأول، ناهيك عن القرارات التحكيمية التي أثرت في السير العام للمواجهة.
وبلغ صدى الإنجاز المغربي، كل الدول العربية والإفريقية على حد سواء، بل تجاوز الأمر لبلوغ أغلب دول العالم، أبدوا إعجابهم بما حققه المنتخب المغربي واحتفلوا في مشهد غير مسبوق بإنجازات «الأسود» خلال العرس الكروي العالمي.
مسار متميز لـ «اللبؤات» والأولمبي و»الأشبال» و»أسود» القاعة
تألقت المنتخبات الوطنية في فئات الأولمبي، الشباب ومنتخب السيدات إلى جانب منتخب «الفوتسال»، بأدائهم الرائع في مختلف التظاهرات الكروية القارية العالمية، حيث أمن المنتخب الوطني لأقل من 23 عاما، مشاركته للمرة الثامنة في الألعاب الأولمبية، عقب فوزه لأول مرة في تاريخه، بكأس الأمم الإفريقية، التي نظمت الصيف الماضي بالمغرب، على حساب نظيره المصري حامل اللقب، في إنجاز هام ينضاف إلى النجاحات الأخيرة لكرة القدم الوطنية، التي تواصل تألقها على المستوى القاري والعربي والإفريقي.
من جهته، نال المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية الإعجاب خلال كأس العالم للسيدات 2023، التي نظمت في أستراليا ونيوزيلندا، بتأهله إلى دور ثمن النهائي، وحظيت «اللبؤات» باحترام الجميع، كونه أول منتخب عربي يشارك في «مونديال» للسيدات، وحقق تأهلا تاريخيا للدور الثاني، وخرج من المنافسة أمام المنتخب الفرنسي، وشكلت «الريمونتادا» التي حققها المنتخب النسوي في المجموعة الثامنة، التي ضمت منتخبات قوية من قبيل منتخب ألمانيا ونجحت في عبور دور المجموعات بنجاح.
في حين شرف المنتخب الوطني لأقل من 17 عاما، كرة القدم المغربية، بعد تأهله المستحق إلى الدور ربع النهائي لبطولة كأس العالم، التي أقيمت أخيرا في إندونيسيا، وحقق منتخب الشبان إنجازا تاريخيا في مشاركته الثانية في «المونديال» وبعد وصوله ربع النهائي في إندونيسيا، على حساب منتخبات قوية، وكان بإمكان «الأشبال» الذهاب إلى أبعد نقطة في البطولة العالمية لولا الحظ العاثر، ويعد الإنجاز التاريخي في كأس العالم، تتمة للإنجاز المبهر، خلال كأس إفريقيا الأخيرة، التي أقيمت في ماي الماضي بالجزائر، بالصعود إلى النهائي.
بينما يواصل منتخب «القاعة» تحقيق أرقامه الإعجازية، بعد فوزه القياسي بلقب كأس العرب لكرة القدم داخل القاعة الثالثة على التوالي، بالسعودية، فضلا عن بلوغه نهائيات كأس إفريقيا المقبلة، من دون خوض التصفيات الإفريقية بقرار من «الكاف»، بحثا عن بطاقة العبور إلى «المونديال» المقبل، ناهيك عن حفاظه على مكانته بين المنتخبات الثمانية الأولى في التصنيف العالمي لـ «الفيفا».
المغرب قاطرة كرة القدم الإفريقية
سحبت كرة القدم الوطنية، بساط التألق في حفل توزيع الجوائز الخاص بالموسم 2023، الذي نظمته «الكاف»، في مدينة مراكش، بحضور نجوم كرة القدم الأفريقية، وفاز المنتخب الوطني الأول لكرة القدم، بجائزة أفضل منتخب إفريقي للعام الجاري 2023، خلال حفل الجوائز السنوي للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم «كاف» الذي أقيم في مراكش، تسلمها فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، هذا الأخير الذي قال: «يستحق المنتخب الأفضل، كونه سافر بكل القارة الإفريقية في سماء «المونديال» الأخيرة، ونتائجه ثمار مشروع ملكي ودعم جماهيري».
ونال ياسين بونو حارس مرمى المنتخب الوطني، جائزة القفاز الذهبي الإفريقي، على حساب الكاميروني «أونانا» والمصري الشناوي، وناب عنه وليد الركراكي الناخب الوطني، بسبب انشغاله مع ناديه اتحاد جدة السعودي.
وحصل الركراكي بدوره على جائزة أفضل مدرب للعام في إفريقيا، على حساب السنغالي «أليو سيسي» صاحب لقب كأس الأمم الإفريقية الماضية والجزائري عبد الحق بن شيخة مدرب سيمبا التنزاني والمدرب السابق لاتحاد العاصمة الجزائري، وسجل الحفل، تتويج فاطمة تكناوت مهاجمة فريق الجيش الملكي، بجائزة أفضل لاعبة في إفريقيا على مستوى الأندية، ونالت مواطنتها نسرين الشاد مدافعة المنتخب الوطني النسوي ونادي ليل الفرنسي، جائزة أفضل لاعبة إفريقية واعدة.
ومن جهته، اعتبر الاتحاد الإفريقي «الكاف»، ما وصلت إليه كرة القدم المغربية خلال السنوات الأخيرة، إنجازات غير مسبوقة في زمنٍ قياسي، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أنها تحدث لأول مرة في تاريخ إفريقيا والعرب، وليس فقط في تاريخ المغرب، وأنها جاءت بعد فترة لم يكن فيها المغرب في الواجهة، إلا أن الخطة التي أُعدت منذ سنوات حققت أهدافها.