إنه لمن باب المفارقات الصادمة، حقا، أن تجتمع في 16 ماي ذكرى تاريخية عزيزة على قلوب المغاربة ترتبط بتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، مع يوم أسود في تاريخ المغرب وهو المرتبط بالذكرى الأليمة لأحداث التفجيرات الدامية بالدار البيضاء. ورغم أنها مفارقة غريبة، لكنها ذات دلالة تعكس الصراع الأبدي بين الشر والخير، بين الفوضى والقانون، بين الفوضى والاستقرار، بين البربرية والردع المشروع.
والحقيقة أنه منذ 16 ماي 2003 إلى يوم كتابة هاته السطور، ما فتئت المؤسسة الأمنية من أصغر ضباطها إلى مديرها العام تبلو البلاء الحسن لحماية بلدنا من عبث عشاق الدم، فقد ظل الشعب المغربي يقف بكل مكوناته وأطيافه السياسية ومنظماته المدنية، إلى جانب حماة الوطن في معركتهم المصيرية لاجتثاث آفة الإرهاب الذي لا دين له ولا وطن. والواضح أن الأجهزة الأمنية المغربية نجحت في مكافحة الإرهاب خلال العقدين الأخيرين من خلال إدارة استراتيجية حكيمة أدارت المعركة ضد الخلايا النائمة والذئاب المنفردة بحنكة وفراسة واستطاعت أن تتبع نهج الضربات الوقائية والاستباقية، التي استطاعت القضاء على الإرهاب بشكل ممنهج.
إن كل الانتصارات الحاسمة والعظيمة التي حققتها الأجهزة الأمنية على عناصر الإرهاب، سيما مع مرحلة قيادة عبد اللطيف الحموشي للمديرية العامة للأمن الوطني تعد انتصارا لإرادة الخير والأمن والقانون التي عرف بها المغرب منذ القدم وجسدها أبناؤه البررة على مر التاريخ. وبدون شك سيكون النصر الحاسم دوما حليف الوطن وقواته الأمنية على كل من يحاول العبث بأمن واستقرار بلدنا أو الإضرار بممتلكات وأرواح الشعب.
إن هؤلاء الإرهابيين الذين امتهنوا صناعة الموت وإشاعة الخراب، ما كان لهم أن يدخلوا جحورهم صاغرين كالفئران لو لم يجدوا في المؤسسة الأمنية والقضائية التعامل بأشد الأساليب قوة وصرامة وحزما وحسما، ومادام أن الشعب المغربي يحتضن مؤسساته الأمنية ويرفض الثقافة المدمرة للمجتمعات، فلن يجد الإرهاب من ملاذ له سوى الاستئصال من بيئته الفكرية واجتثاث مقدراته المالية والإعلامية.
والأكيد أن الأجهزة الأمنية تدرك جيداً أن قدرها أن تكون مستهدفة على الدوام من أعداء القانون والاستقرار والأمان، وتعي كذلك أن سمعتها الجيدة في محاربة الإرهاب التي تجاوزت حدود الوطن تزعج الكثيرين في الداخل والخارج، وأن كفاءتها وخبرتها المهنية لا تسعدان قوى الشر المتربصة بها وبالوطن كله، لكن الذين يتوهمون أنه من السهل عزل رجل الأمن عن المواطن، لابد أن يدركوا أن رهانهم خاطئ، لقد أثبت رجال الأمن مرارا وتكرارا أن هدفهم الوحيد والأوحد هو أمان المواطن في وجه الإرهاب الذي لا مستقبل له في المغرب طالما أن الدولة قوية بشعبها ومؤسساتها، لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة للانتصار على الإرهاب وكل مظاهر الاستهداف الظاهر منها والمستتر.