وزارة التعليم تنتهي من ترتيبات تلقيح موظفيها في انتظار الضوء الأخضر من السلطات.. هل يلجأ أمزازي إلى «زجر» الرافضين للتلقيح؟
تراهن الحكومة على التحكم في انتشار وباء كورونا عبر تلقيح أكبر عدد ممكن من المواطنين العاملين بقطاعات تصنف على أنها في الواجهة، ومنها قطاع التعليم الذي يوظف ثلث أطر القطاع العام في المغرب. الوزارة الوصية انتهت من وضع ترتيبات تعميم التلقيح على موظفيها، في القطاعات الثلاثة للتربية والتكوين: التعليم المدرسي والعالي والتكوين المهني، وذلك في انتظار الضوء الأخضر من السلطات، ومن هذه الترتيبات تخصيص قاعات ضخمة على صعيد الأكاديميات والمديريات مجهزة بمعدات طبية وشبه طبية، استعدادا لانطلاق الحملة.
الوزارة جاهزة في انتظار الضوء الأخضر
راسلت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي مدراء الأكاديميات حول عملية التلقيح ضد كوفيد19. وبدورها راسلت الأكاديميات الجهوية المدراء الإقليميين للوزارة، لمسك لوائح الراغبين في الاستفادة من عملية التلقيح على مستوى المؤسسات التعليمية التابعة لهذه المديريات، من منطلق قرار حكومي يستهدف تلقيح خمسة ملايين مواطن يوجدون في الواجهة الأمامية، وعلى رأسهم موظفو التعليم والصحة والأمن، فضلا عن المواطنين الذين يعانون من هشاشة صحية، ككبار السن والمرضى الذين يقعون تحت تهديد مباشر من طرف الفيروس.
مصادر الجريدة في وزارة التربية الوطنية تتحدث عن كون الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية بدأت أخيرا في الإعداد لعملية التلقيح. كما تم أيضا حصر اللوائح الأولية للموظفين الراغبين في الاستفادة من العملية. المصادر ذاتها أضافت أن «المناعة الجماعية» تتوقف على محاصرة انتشار الفيروس في صفوف نساء ورجال التعليم الذين يشكلون ثلث موظفي الدولة. لذلك تراهن السلطات الجهوية والمحلية المكلفة بمتابعة الوضعية الوبائية على أن يكون موظفو قطاع التعليم على رأس الفئات التي ينبغي الرهان عليها لمحاصرة انتشار الوباء.
مختلف التعليقات التي يدلي بها موظفو وزارة التربية الوطنية في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر وجود «توجس» لدى هؤلاء، قد يتحول إلى «مقاومة». صحيح أن هذا التوجس أضحى عالميا منذ ظهور الأخبار الأولى عن توصل العديد من المختبرات العالمية للقاحات ذات فعالية، غير أن خطوة المغرب اعتماد بعض هذه اللقاحات تحتاج أيضا تعبئة تواصلية فعالة، من قبيل ما رأيناه في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، عندما عبر مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية، سابقون وحاليون، عن عزمهم الاستفادة من التلقيح، وعلى رأس هؤلاء الرئيس المنتخب جو بايدن.
وأمام التحضيرات لإطلاق حملة التلقيح في قطاع التعليم، يعيش موظفو القطاع على غرار عموم المواطنين نوعا من الحيرة، تفرزها مخاوف ناجمة عن انتشار نظريات المؤامرة والترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ترمي تحديدا إلى التشكيك في عملية التطعيم، والقول إن الحكومة تنوي إجبار المواطن على التلقيح. وكتب كثير من موظفي القطاع تعليقات تفيد بعدم اقتناعهم بجدوى اللقاح الحالي، انسجاما مع تشكيكهم الأولي بشأن وجود فيروس كورونا، ليتجدد هذا الشعور ويكرس نظرية المؤامرة، إذ يشك البعض في وجود شريحة أو تحولات جينية قد يسببها اللقاح بإيعاز من «الدول الكبرى».
واستغل البعض هذا الوضع لنشر «وثيقة» غير صحيحة، تتحدث عن مشروع قانون الغرض منه إجبارية التلقيح، إلا أن جهات حكومية كذبته في الحين عبر وسائل إعلام محلية.
هل يتم اللجوء للزجر؟
بدأت تتضح معالم الاستراتيجية التي سيلجأ إليها المغرب لتعميم التلقيح، فخلال اجتماع اللجنة التقنية الوطنية للتلقيح والذي خصص للقضايا ذات الطابع العلمي تحسبا للمرحلة الأولى من حملة التلقيح، حث السيد آيت الطالب على احترام الإجراءات الصحية الوقائية، ولا سيما ارتداء الأقنعة الواقية والتباعد الجسدي والغسل المنتظم لليدين، «إلى حين بلوغ 60 في المائة من نسبة الساكنة الملقحة من أجل تحقيق مناعة جماعية». وأضاف وزير الصحة أنه سيتم توفير اللقاح على المستويين الترابي والوطني، اللذين ستوزع عليهما الجرعات، داعيا، بالمناسبة، إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية حتى بعد حملة التلقيح. كما أبرز أهمية تحيين وتحسين استراتيجية التلقيح حتى تصبح قابلة للتطبيق ميدانيا، مشيرا إلى أن وزارة الصحة اشتغلت، بتنسيق مع وزارة الداخلية في إطار التحضيرات لحملة التلقيح ضد (كوفيد-19)، على الجوانب المتعلقة باللوجستيك والسلامة وإمكانية التتبع. وذكر، في هذا الصدد، بأن مهنيي قطاع الصحة ورجال السلطة وهيئة التدريس والفئات الهشة، سيكونون المستفيدين الأوائل من لقاح «سينوفارم» الصيني الذي شارك المغرب في تجاربه السريرية.
ورغم عدم الحديث صراحة عن مسألة الإجبارية، بدليل حديث صحفي لوزير الصحة أكد فيه على الطابع التطوعي للتلقيح، فإن المتتبع لقرارات الدولة منذ بدء الجائحة يجعل مسألة الإجبارية واردة، حيث تم الانتقال من طواعية ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي إلى فرض غرامات على المواطنين الذين لا يحترمون هذه الاجراءات، وهو ما يعني، حسب متتبعين، أن الوصول لعتبة 60 في المائة من المواطنين الملقحين، قد يجبر الحكومة، ومعها وزارة التربية الوطنية، على اعتماد إجراءات زجرية ضد الموظفين المقاومين للتلقيح، خصوصا وأن الأمر يتعلق بسلامة عشرة ملايين تلميذ وطالب. وهذه الخطوة تجد سندا لها في البيان الصادر عن الديوان الملكي في وقت سابق، والذي تحدث عن أن هدف الحملة هو «تأمين تغطية للسكان بلقاح كوسيلة ملائمة للتحصين ضد الفيروس والتحكم في انتشاره».
حديث وزير الصحة في وقت سابق عن منح وثيقة التلقيح للمستفيدين منه، سيعني أن السلطات المحلية المتتبعة للحالة الوبائية قد تلجأ في حالة استمرار إغلاق المؤسسات التعليمية التي تحولت إلى بؤر، (قد تلجأ) إلى اشتراط حصول الموظفين، إداريين وتربويين على هذه الوثيقة لإعادة فتح المؤسسات، وهو أمر غير مستبعد، رأيناه في وقت سابق عندما أقدمت العديد من المؤسسات العمومية والمحلات التجارية والشركات على رفض دخول كل مواطن لا يرتدي كمامة.
أين تلامذتنا من حدث فتح معبر الكركرات؟
مرت أسابيع على قرار المغرب تحرير معبر الكركرات بقواته المسلحة، في عملية شهد القريب والبعيد بأنها عملية ناجحة سيسجلها تاريخ العسكرية المغربية بمداد من الفخر والاعتزاز. لكن، في مقابل إجماع الرأي العام المغربي على الإشادة بهذه الخطوة والاحتفاء بها والذَود عنها، لم تسجل المؤسسات التعليمية أية خطوة لإفهام وتحسيس عشرة ملايين تلميذ وطالب، أي ربع الساكنة المغربية، بأهمية هذه الخطوة، ليس فقط على مستوى استكمال الوحدة الترابية للمملكة، ولكن أساسا أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للبلد، سياسيا واقتصاديا.
الغريب في هذا السياق أن الأكاديميات المشرفة على التعليم في الجهات الجنوبية للمملكة هي أيضا لم تبادر بأية خطوة لنقل بعض ممثلي التلاميذ والطلبة لمعبر الكركرات، ولم لا تنظيم لقاءات مع بعض أفراد القوات المسلحة الملكية، أو استقبال بعض الضباط الذين أشرفوا على عملية فتح الحدود في بعض المدارس وبعض الجامعات كما هو جار به العمل في مجتمعات متحضرة كثيرة تراهن على المدرسة لضمان الاستدامة لأي نموذج سياسي أو اقتصادي. ولم لا استضافة أسرى سابقين لدى المرتزقة ليتحدثوا أمام التلاميذ والطلبة عن تضحياتهم في الدفاع عن وحدة الوطن.
المؤكد أن قرار تنظيم أنشطة في هذا المستوى على مستوى الأكاديميات والمديريات الإقليمية يحتاج لإذن مركزي على مستوى مكتب الوزير، وأيضا على مستوى الحكومة، بل وعلى مستوى الدولة، لكن عمليا وقانونيا ما الذي يمنع أكاديميات كلميم والداخلة والعيون من تنظيم أيام من أجل الوطن. أيام من أجل القضية الوطنية الأولى. أيام تحسيسية من شأنها أن تضمن حصانة فكرية ونفسية ووجدانية لملايين التلاميذ والطلبة الذين يتابعون يوميا دون رغبتهم، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أباطيل الانفصاليين وتزويرهم لحقائق الحاضر والماضي، ولحقائق الجغرافيا والتاريخ.
كم كان سيكون مفيدا جدا لو شهدت مختلف المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني حملات تحسيسية مرتبطة بهذه الظرفية الوجودية التي يمر منها المغرب. وكم سيكون أكثر إفادة لو تبدع الوزارة الوصية، بالتنسيق مع الجيش المغربي، محتويات إعلامية ليعرف عشرة ملايين طفل وشاب متمدرس وجامعي الحجم الحقيقي لتضحيات قواته المسلحة. وأيضا ليعرفوا بأن خلف الحدود الوهمية، وتحديدا في تندوف، هناك إخوان لهم محرومون من أبسط متطلبات الحياة، وعلى رأسها الحق في التعليم، لكونهم رهائن في أيادي عصابة تتاجر بمآسيهم.
كم كان سيكون مفيدا جدا أن نرى قطاعا ذا أسبقية وطنية هو التعليم ينخرط دون هوادة في ملف ذي أسبقية وطنية هو الوحدة الترابية. فالتربية لا تعني فقط تكوين الأيادي الماهرة في الصناعات والمهن، بل وأيضا القلوب والعقول الوطنية المستعدة دوما لتقول «نعم» لنداء الوطن، مهما تطلب الأمر منها من تضحيات. فمثلما لا أحد فيه بذرة من الوطنية قد يشك في عدالة قضيتنا الأولى، فإنه لا أحد يمكنه أيضا أن ينفي حقيقة أن التعبئة التربوية، تعبئة التلاميذ والطلبة، من أجل قضيتنا الأولى، تعني الاستدامة كما تعني المستقبل.
حقيقة، وفي ظل مختلف السيناريوهات التي ماتزال مطروحة اليوم في الصحراء المغربية، فإن الحاجة أضحت قائمة للمزيد من إدماج عشرة ملايين تلميذ وطالب في صلب المستجدات التي تعرفها اليوم هذه القطعة الغالية من التراب المغربي، وأيضا تلك التي ستعرفها مستقبلا. فتلاميذ وطلبة اليوم هم جنود وضباط الغد، وعلى أكتافهم سيقع عبء وطني وجودي، به سنكون أو لا نكون، يتمثل في الدفاع عن وحدة ترابية ممتدة تاريخيا من طنجة إلى الكويرة.
الأكاديميات تباشر تنزيل القانون الإطار
وضع ميثاق للتلميذ هو الأول من نوعه في تاريخ التعليم المغربي
تواصل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عقد مجالسها الإدارية برئاسة سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني. آخر هذه المجالس التي ترأسها أمزازي كانت في جهة سوس، وينتظر أن تواصل باقي المجالس انعقادها هذا الأسبوع.
أهم ما يميز جداول أعمال المجالس الإدارية للأكاديميات هذه السنة هو المصادقة على مشاريع المخطط الجهوي لتنزيل القانون الإطار، ومشاريع برنامج العمل الجهوي متعدد السنوات 2021/2023، فضلا عن مشاريع برنامج العمل وميزانية الأكاديمية برسم سنة 2021، وأخيرا، مشاريع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، المتضمن لميثاق التلميذ(ة).
هذه الأخيرة جاءت بناء على مذكرة بالاسم نفسه صدرت في يونيو الماضي، هي عبارة عن مشروع اقترحته الوزارة، لتنفيذ إحدى توصيات القانون الإطار، المادة 26 منه، والتي نصت على أنه يتوجب على السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين وضع ميثاق يسمى «ميثاق المتعلم»، يحدد حقوق المتعلم وواجباته.
هذا الميثاق، الذي تتوفر الجريدة على نسخة منه، نص على حقوق التلميذ، فقد تركزت على الحقوق الأساسية المتضمنة في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 وفي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها من جهة، وعلى الحقوق المرتبطة بالمجال التربوي والتنمية الشخصية والمعارف والإعداد للاندماج في المجتمع.
أما واجبات المتعلم فقد تم حصرها في احترام الثوابت الوطنية والنظام العام والتنظيمات التربوية والإيقاعات المدرسية وسير الدراسة والتحلي بالسلوك المدني ونبذ العنف بكل أشكاله وتجلياته واحترام الآخرين أطرا وتلاميذ والحفاظ على الممتلكات والسلامة الصحية والتزام الزي المدرسي وعدم القيام بأنشطة سياسية أو إيديولوجية والحفاظ على الكرامة ونبذ العنصرية والميز والتحلي بالتسامح والالتزام بالمقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مجال السلامة وعدم استعمال وسائل إلكترونية أو هواتف داخل المؤسسة لأي غرض كان، والمشاركة في الأنشطة التربوية والرياضية والثقافية والفنية التي تنظمها المؤسسة.
مشاريع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي التي صادقت عليها المجالس الإدارية للأكاديميات، حملت أيضا مستجدات تهم الأطر الإدارية والتربوية، إذ نجد أن الفصل الرابع منه يتناول حقوق وواجبات الأستاذ(ة)، حيث من حق الأستاذ، حسب هذا الفصل، التوفر على وسائل العمل ومستلزماته والأمن والحماية من العنف بكل أشكاله ومصادره والتكوين المستمر والتحفيز والتكريم والاطلاع على المذكرات والمستجدات. أما الواجبات فهي المهنية المعتادة والأخلاقية وضبط العمل وإتقانه في احترام للتوجيهات التربوية والقوانين الجاري بها العمل، والحرص على السلامة أثناء الحراسة التربوية خصوصا. وقد ألزم هذا النظام الداخلي الأستاذ بإعداد وتقديم الدروس عن بعد.
بعد تعثر لشهور.. مساع حكومية للمصادقة على قانون ينظم «التعليم عن بعد»
إصرار فرق برلمانية على «تسييس» مناقشة القانون وضع قطاع التعليم في مأزق
يبذل سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني، مساعي حثيثة لإقناع الفرق البرلمانية الممثلة في لجنة التعليم بالمصادقة على مشروع مرسوم ينظم التعليم والتكوين عن بعد، خصوصا وأن العديد من العمليات التربوية والتكوينية تتم عن بعد، وعلى رأسها إلزامية انخراط الأساتذة والإداريين في تأمين التعليم والتكوين عن بعد، وأيضا مشروعية التقويمات والامتحانات التي تنظم أيضا عن بعد.
امتحانات في ظل فراغ قانوني
لا يمر أسبوع دون أن تقدم السلطات المكلفة بتتبع الوضعية الوبائية، ومن خلالها المديريات الإقليمية، على إغلاق العديد من المؤسسات التعليمية بسبب تسجيل إصابات في صفوف الموظفين، إداريين وتربويين أو تلاميذ أيضا. فبالرغم من اختيار أغلب الأسر المغربية لصيغة التعليم الحضوري، تضطر الوزارة الوصية، لأسباب وقائية، إلى إغلاق المؤسسات للتحكم في انتشار الوباء. وقد ترسخ هذا التوجه بالمذكرة المزدوجة التي وقعها وزيرا الصحة والتربية الوطنية، والتي تنص على إغلاق كل المؤسسات التعليمية التي لا تحترم التدابير الوقائية. وهي المذكرة التي تم الشروع في تنفيذ بنودها، وتم على إثرها إغلاق بعض المؤسسات في الأسبوع الماضي.
هذا الوضع وإن كان يبدو عاديا من وجهة نظر السلطات المحلية والصحية فإنه يبدو غريبا تربويا، لكون إجبار أساتذة وتلاميذ المؤسسات المغلقة على اعتماد التعليم عن بعد لا يستند إلى أي أرضية قانونية، لكون المشروع الذي تقدمت به الوزارة الوصية بهذا الشأن مايزال يعرف تعثرات كثيرة على البرلمان للتصديق عليه، وبالتالي دخوله حيز التنفيذ.
فبالرغم من مصادقة مجالس الأكاديميات على مشروع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، والذي يتحدث صراحة في فصله الثالث عن واجب الأساتذة في تأمين التعليم عن بعد، فإن هذا المشروع ليست له الحجة القانونية الكافية لإلزام الأساتذة بذلك، وخاصة إلزام التلاميذ وأسرهم بقبول نتائج الامتحانات التي تنظم عن بعد، خصوصا وأن المذكرات المنظمة للامتحانات الخاصة بالمراقبة المستمرة تتحدث صراحة، بل وتشدد على صيغة الامتحانات المحروسة، وهو الأمر الذي يتعذر تأمينه في حالة التعليم عن بعد، أولا بسبب الهشاشة الاجتماعية التي جعلت ملايين التلاميذ لا يمكنهم تأمين أجهزة إلكترونية تتضمن كاميرات تمكن الأساتذة من مراقبتهم وحراستهم وهم يجتازون الامتحانات عن بعد، وثانيا بسبب غياب تكافؤ الفرص في حالة تم اعتماد التفويج، سواء اضطر الأساتذة لتغيير مواضيع الامتحانات للأفواج أو وضعوا الامتحانات نفسها .
تحديات قانونية وتقنية لضمان تكافؤ الفرص
لم يمنع الطابع الإلزامي للقانون الإطار بعض الفرق البرلمانية، وخاصة فريق العدالة والتنمية، من تسييس المناقشة حول مشروع القانون المنظم للتعليم والتكوين عن بعد، حيث تشبث هذا الفريق بكون القانون الإطار يعرف التعليم عن بعد بأنه «مكمل للتعليم الحضوري»، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن مستجدات الوضعية الوبائية فرضت أن تعتمد عشرات المؤسسات التعليمية، العمومية والخاصة، على صيغة التعليم عن بعد كصيغة وحيدة.
مصادر الجريدة تتحدث عن أن مشروع القانون الذي سينظم التعليم والتكوين عن بعد سيلزم المؤسسات التعليمية، بما في ذلك الخاصة، بتوفير شروط التعليم عن بعد، مع ما يتطلبه ذلك من إمكانات لوجيستيكية ضخمة، وهو ما يعني ضرورة استثمار أموال كثيرة في توفير البنية التقنية لاعتماد صيغة التعليم عن بعد، وهذا أمر يثير حساسية لوبي التعليم الخصوصي، الذي دأب منذ بداية الجائحة على تنصيب نفسه المظلوم الأول من اعتماد التعليم الرقمي.
فمنذ توقف الدراسة في مارس من السنة الدراسية الماضية، انتبهت وزارة التربية الوطنية إلى الفراغ القانوني الموجود في مجال التكوين والتعليم عن بعد، الأمر الذي أدى إلى استنفار الإدارة المركزية المختصة بمجال التشريع القانوني لصياغة نص يواكب مستجدات اعتماد التعليم والتكوين عن بعد، خصوصا وأن القانون الإطار يعطيه صفة المكمل للتعليم الحضوري، بينما واقع الحال الآن يفرض التعامل معه كبديل أحيانا، بدليل أن المذكرة المنظمة للدخول الدراسي الحالي تتحدث عن اعتماد هذا النوع من التعليم كصيغة أولى، على أن يكون الحضوري اختياريا.
هذا المسعى الحيوي والمستعجل حرص الحزب الأغلبي، تؤكد مصادر موثوقة، على عرقلته مند البداية، تحت ذريعة «الحاجة لنقاش مجتمعي»، علما وأن الوزارة الوصية انتهت من وضع مشروع المرسوم في شهر أبريل الماضي. المصادر ذاتها تؤكد أن الحكومة لم تجد أية مشكلة في تمرير مرسوم العمل الإداري عن بعد، لكن في ما يخص التعليم عن بعد فإن برلمانيي حزب رئيس الحكومة وجدوا في هذا المشروع مبررا لعرقلة الدينامية التي يعرفها القطاع، محتجين بجملة يتيمة ترد في القانون الإطار تعتبره مكملا للتعليم الحضوري. هذه العرقلة نتج عنها أن عشرات الآلاف من التلاميذ الموجودين في مناطق مغلقة بسبب بؤر الإصابات وكذا آلاف المدرسين بدون وضع قانوني واضح يحدد المسؤوليات وطرق اعتماد هذا التعليم والمؤسسات المعنية به وأشكال التقويم وغيرها من القضايا التي يطرحها هذا التعليم.
ويتعلق الأمر بمرسوم، حسب وزير القطاع في تصريح صحفي سابق، يستهدف تثمين تجربة التعليم عن بُعد وأيضا استثمارها وتطويرها وتجويدها، مبرزا أنه «ستتم مأسسة هذا التعليم بالدخول الحكومي المقبل باعتماد مرسوم ينظم التعليم عن بُعد». هذا المرسوم لم تنص عليه مواد القانون الإطار، غير أن ظروف الجائحة فرضته، خصوصا في ظل تنامي احتجاجات في صفوف الأساتذة بسبب مشروع للأنظمة الداخلية تلزمهم بتهيئة مواد رقمية واعتمادها في التدريس عن بعد.