شوف تشوف

الرأيالرئيسية

“ورطة” دار الورثة

يونس جنوحي

كيف يمكن حل ملف مِلكية جماعة مغربية لعقارات في الخارج؟
وطبعا، يمكن أن تكون أي جماعة أو بلدية، مالكة لعقار خارج المغرب إذا أقدم مواطن من ذلك البلد على وهب ممتلكاته لجماعة تُرابية. وهذا ما حدث بالضبط مع الثري الإسباني، المنحدر من عائلة أرستقراطية إسبانية، الدوق دو طوفار، وهذا ليس اسمه الحقيقي وإنما لقبه الذي عُرف به في المغرب والدّال على المنطقة الإسبانية التي ينتمي إليها ويُعتبر أحد نُبلائها. هذا الأخير وهب كافة ممتلكاته، قبل وفاته سنة 1953، لجماعة مدينة طنجة.
هذه اللمسة الإنسانية التي أبان عنها “دو طوفار”، بتحويل قصره الضخم إلى مستشفى بعد حصول المغرب على الاستقلال، تكللت بوهبه كل ممتلكاته إلى جماعة المدينة، بما فيها قصره الذي يوجد الآن في بلدية مدينة “فيتوريا” الإسبانية.
هذا القصر، الذي تصل قيمته حاليا إلى ملايين اليورو، صار مُهملا ويعرف تصدعات داخلية وفرضت سلطات المدينة غرامات على مُلاكه بسبب إهمال شكله الخارجي وعدم مُلاءمته لإجراءات الحماية من انهيار العقارات. مالكة القصر طبعا هي جماعة مدينة طنجة، وهي الوحيدة المطالبة بتسوية وضعيته القانونية مع البلدية الإسبانية التي لا تقوم في النهاية إلا بتطبيق القانون في حدود الصلاحيات المخولة لها، وهي رعاية الشأن المحلي والسهر على مطابقة كل العقارات والبنايات للمعايير المعمول بها.
في المقابل، هناك مبان إسبانية مُهملة في مدينة طنجة، وملكيات مهجورة تركها أصحابها منذ سنين طويلة ولم يسأل عنها أحد من ورثة هؤلاء المُلاك. بل هناك بنايات لا يُعرف ما إن كان أصحابها غرقوا في البحر أم ماتوا في الحروب، لكن لا أحد طالب بتسديد غرامات لصالح الدولة.
وهناك مدن مغربية توجد بها منازل، خصوصا في الأحياء التي سكنها الأجانب، تنهار ببطء وتعاني من الإهمال لعقود طويلة، دون أن تتدخل السلطات لتسوية وضعيتها، أو تسويتها مع الأرض حتى لا تسقط فوق رؤوس المارة والجيران.
القصر الإسباني الذي تملكه سلطات مدينة طنجة، دخل رسميا في “اللائحة الحمراء” للمباني المهددة بالانهيار، ويبدو أن اسم القصر سوف يلبث هناك مطولا ما دام لم تظهر بعدُ أي أخبار عن إقدام مسؤولي المدينة على تسوية الوضعية القانونية لهذا القصر، حتى يظل في ملكية الجماعة حسب وصية صاحبه.
هذا القصر يعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس عشر، أي أنه حرفيا صار لا يُقدر أبدا بأي ثمن، ولو أنه حُول إلى متحف ورُمم لكان مصدر جذب للسياح الإسبان والأجانب، ولعاد على مُلاكه بالعملة الصعبة.
لماذا لا يتم تحويل هذا القصر إلى متحف لعرض وثائق ومقتنيات الشخصيات الإسبانية التي عاشت بين المغاربة وتجاوزت منذ سنوات طويلة جدا عُقدة العنصرية وذوبت الخلافات العِرقية والثقافية؟
وبدل نشر وتعميم إحصاءات الجثث التي تلفظها السواحل الإسبانية للمهاجرين “غير الشرعيين” وأخبار الميز العنصري الذي يتعرض له يوميا المغاربة ومواطنو جنوب الصحراء الإفريقية في حافلات إسبانيا وحدائقها العامة وحتى في مراكز اللجوء، لا بأس في نشر أخبار من النوع الذي لا يرغب أعضاء اليمين الإسباني أن يعرفه الإسبانيون.
لو رُمم قصر الثري “دو طوفار” في إسبانيا، وزُينت جدرانه بمئات الصور التي تؤرخ لاستقرار الإسبان في شمال المغرب وصداقاتهم مع العائلات المغربية، لكان المعرض أكبر حملة لمواجهة أكثر المتطرفين السياسيين شراسة.
أما إذا حدث وانهار قصر “ألابا اسبيكيل”، وهذا اسمه، فإننا سوف نكون قد أضعنا أهم ضربة ترجيح في مرمى الإسبان بعد أن نجح المنتخب الوطني في صد كل ضرباتهم خلال مباراة كأس العالم. وتعرفون طبعا أن أهداف اللحظات الأخيرة تكون دائما مُؤلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى