.. ودخل عبد الرحيم بوعبيد إلى البرلمان
هل يمكن للبرلمان، بما هو عليه كهيئة تشريعية، أن يتسع مقره لمكاتب وزراء، يحسبون على السلطة التنفيذية؟ لا مراء في أن المكان له رمزيته. وإذا اقتضت ظروف لوجستية طارئة أن تستضيف بناية البرلمان أعضاء من الحكومة، فلا حرج في ذلك.
عرف عن وزراء أنهم خاصموا بعضهم بسبب المكاتب. وكان حظ وزراء الدولة أنهم آخر من «ينعمون» بمقرات العمل، لأن مهامهم لا تشمل قطاعات محددة، لها بناياتها وموظفوها وقوانينها التنظيمية. والشاطر فيهم من يحظى بمكتب وكاتبة، أما السيارات فلها الأبواب التي تنفذ منها، كم من مرة تدخل وزراء لفائدة زملاء لهم من أجل حيازة أوضاع مريحة، لأن أعداد الوزراء تزيد بينما القطاعات لا تراوح مكانها.
في أوقات المبارزات يمكن للوزراء أن يحتلوا المقاعد الأمامية لقاعة الجلسات، دون أن يحولوها إلى مكاتب عمل مرحلية، كما يمكن للنواب أن يصبحوا وزراء، بعد أن يفقدوا الصفة الولائية. وما حدث بين ولايتين أن وزراء دولة اقتطعوا لأنفسهم مكاتب وأجنحة داخل قبة البرلمان الذي أصبح شاغرا، إلا من بعض الموظفين غير المحسوبين على الفرق النيابية.
أبعد من تأويل العملية سياسيا، أنها جاءت نتاج خصاص وانعدام مكاتب لائقة بمجموعة من وزراء الدولة الجدد، خصوصا أنه لم يكن واردا أن يمكثوا طويلا في مناصبهم التي حُددت مسؤولياتها سلفا في قضية واحدة، لا علاقة لها بتدبير أي قطاع حكومي، باستثناء ما يتعلق بالسهر على نزاهة الانتخابات.
أول شيء يبدأ به الوزراء الجدد أو القدامى الذين يخضعون لمناقلات، هو تفقد المكاتب. ولعل من بعض فروع تصورها أن الاجتماعات تنطلق مع الكتاب العامين الذين كان يُنظر إليهم كحراس استمرارية الإدارة، وغالبا ما يكون الموضوع «الخاص جدا» يهم إعادة تأثيث المكاتب واستبدال القديم منها بالجديد.
غير أن المهندس الفرنسي أندريه باكار نائب عن الكتاب العامين في تزيين قاعات وأجنحة بناية البرلمان التي في إمكانها أن تستوعب أكبر عدد ممكن من مكاتب الوزراء الوافدين، ويقال إن صاحب الاقتراح تنبه إلى أن نقل مكاتب وزراء الدولة إلى البرلمان، لن يكلف موازنة الدولة تأجير بنايات جديدة. وما من شك في أن الاقتراح أغضب «الطامعين» الذين يتربصون مثل هذه الفرص، حيث يصبح كراء لفترة وجيزة أقرب إلى كلفة شرائها أو بنائها.
أفتح قوسين لطرح السؤال: ماذا لو أن بنايات المقرات الحكومية كان يصدق عليها ما انطبق على غيرها من الأراضي التي تكون من نصيب خدام الدولة؟ ففي هذه الحالة ستربح موازنة الدولة الشيء الكثير.. لولا أن الحكمة القديمة تصنف المال السائب على الأهواء، حين لا يدفع أحد من الجيب الذي يوجع.
بعملية حسابية بسيطة، أُسقطت تكاليف زائدة من أجندة موازنة وزراء الدولة، لم يكن أقلها أن الماء والكهرباء كان يدفع من حساب البرلمان، إلى جانب الصيانة. وشرب الجميع شاي وقهوة البرلمان من دون خصم الثمن، لأن ذلك جزء من تقاليد الضيافة.
من المصادفات التي لم تخطر على بال، أن الزعيم الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد، الذي أطيح به عنوة في انتخابات العام 1977، أو هكذا على الأقل ردد رفاقه ومناصروه، كي لا يدخل إلى البرلمان مع صحبه الذين قل عددهم عما دون العشرين فردا. وضع السجاد الأحمر أمام مكتبه في البرلمان، باعتباره وزير دولة. على منواله خصصت مكاتب مماثلة لكل من زعيم الاستقلال امحمد بوستة، ورئيس تجمع الأحرار أحمد عصمان، ورئيس الاتحاد الدستوري المعطي بوعبيد، والأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي محمد أرسلان الجديدي، بينما شغل زعيم الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان مكاتب سابقة لوزارة التعاون الخارجي، في عمارة في شارع محمد الخامس بالرباط.
عندما تشكلت الحكومة التي قادها محمد كريم العمراني، سرت أقاويل عن كونها قد تكون مقدمة لحكومة وحدة وطنية، بالنظر إلى الظروف التي كانت تجتازها قضية الصحراء، واحتدام الجدل حول نزاهة الانتخابات التي تردد ما يشفي الغليل في تحريم تزوير الإرادة، ثم جاءت النتائج مخالفة لكل التوقعات.
وقتها جرى تشكيل لجنة وطنية لنزاهة الانتخابات، يشارك فيها على الصعيد الوطني زعماء الأحزاب السياسية بمختلف الاتجاهات والمشارف، إلى جانب قضاة، فيما يتولى ممثلو هذه الأحزاب على الصعيد المحلي متابعة الآليات إقليميا. ثم انهار كل شيء ودفع مشروع حكومة الوحدة الوطنية مضاعفات تلك النتائج. وسيبقى القيادي في الاتحاد الاشتراكي عبد الواحد الراضي وحده وزيرا للتعاون، قبل أن يتم اختياره رئيسا للاتحاد العربي – الإفريقي، بعد إبرام اتفاق الوحدة بين المغرب وليبيا.
كانت حكومة الوحدة الوطنية طرحت نفسها بحدة، لسببين يتعلقان بتأثير تطورات ملف الصحراء، ومحاولات الخروج من عنق الزجاجة إزاء التجارب الانتخابية التي شابتها مؤاخذات عدة. غير أن ذلك لم يمنع من التئام اجتماعات مع الزعامات السياسية كلما طرأ جديد على قضية الصحراء. وعندما ذهب المغرب إلى قمة أديس أبابا في نوفمبر 1984، وهو يحمل قرار الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، كان الوفد الرسمي يضم مندوبين عن الأحزاب السياسية، بما فيها فصائل المعارضة.. حيث شارك الزعيم محمد بن سعيد آيت يدر إلى جانب إسماعيل العلوي ومحمد العربي المساري، وآخرين من مختلف الأحزاب والمركزيات النقابية كذلك.