واقع مقلق

في ظل التقارير الحارقة التي دقت ناقوس الخطر أكثر من مرة حول الواقع المقلق جدا للصحة العقلية والنفسية بالمغرب، مازالت المشاريع التي تم إطلاقها لمعالجة المشكل دون انتظارات المواطنين، حيث أظهر تقرير سابق للمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي أن 48.9 بالمئة من المغاربة من سن 15 عاما فما فوق، يعانون أو سبق لهم أن عانوا من اضطراب نفسي أو عقلي في فترة من فترات حياتهم.
وما زالت المنظومة الصحية تعاني العديد من الأعطاب، لكن، بالنسبة لقطاع الصحة العقلية والنفسية، الأمر يحتاج مجهودات جبارة لتدارك الخصاص المهول في كل شيء، لأن الخطر الذي يشكله المريض عقليا يتجاوز نفسه والأسرة ويمتد إلى المحيط الاجتماعي، حيث سبق تسجيل جرائم بشعة في حق الأصول والفروع بسبب الخلل العقلي، فضلا عن حوادث خطيرة بالشارع العام وتعرض المارة للهجوم من قبل مصابين بأمراض عقلية يصاحبها العنف الذي يكون أحيانا بشكل مفرط.
علينا الوعي بأن هناك تحولات مجتمعية متسارعة لا تنتظر أحدا، ولا يمكن إيقاف الزمن لمعالجتها في ظل استمرارها في الرفع من نسبة الإصابات بحالات الاكتئاب، والقلق والاضطرابات النفسية والخوف المرضي، بالإضافة إلى أمراض انفصام الشخصية، والاضطراب ثنائي القطب والوسواس القهري والاكتئاب الذي يعتبر من أكثر الأمراض النفسية شيوعا وفيه أنواع كثيرة.
هناك العديد من أسباب الأمراض النفسية التي تتحول، في حال غياب العلاج والتراكمات، إلى أمراض عقلية والجنون أو الإقدام على الانتحار أو ارتكاب جرائم بشعة، وهو الشيء الذي يسلتزم دراسة البيئة التي نعيش فيها وفق كافة المستجدات، والتنسيق لتجويد الحياة وتنزيل سياسات عمومية تمكنها معالجة الأسباب التي تساهم في انتشار الأمراض النفسية، مادامت العديد من الأمراض مرتبطة بالهشاشة النفسية عند التربية والوسط العائلي والحالة الاقتصادية والاجتماعية ومؤشرات العيش الكريم والتنمية.
الكل يتفق على أن المغرب يعاني قلة مؤسسات الصحة النفسية العمومية وصعوبة الولوج إليها، وضعف التأطير الطبي في ظل الاكتظاظ المهول وطول المواعد، كما أن القطاع الخاص يبقى بدوره محدود الطاقة الاستيعابية، ويتطلب الولوج إليه تكاليف باهظة لا تتوفر حتى للطبقة المتوسطة فبالأحرى التي تعيش الهشاشة، علما أن الطبقات الميسورة تختار العلاج النفسي خارج البلاد بالنظر إلى إمكانياتها المالية.
إن من أبرز اختلالات قطاع الصحة النفسية والعقلية غياب الموارد البشرية بالمقارنة مع السكان، وعدم توفر الأدوية الكافية على مستوى الهياكل الصحية، وضعف التعويض عن بعض الأدوية والخدمات الطبية من طرف التأمين الصحي، ناهيك عن غياب التوعية والتحسيس بالمرض النفسي باعتباره من الطابوهات وخلطه بالمرض العقلي، ومحاولة العديد من المرضى التوجه للعلاج التقليدي الخاطئ الذي يضاعف من الأزمة، وتخوف المرضى من التوجه للطبيب النفسي وكأن الأمر يتعلق بجريمة أخلاقية.
نحن في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، للترافع جميعا كل من مسؤوليته لتجويد العرض العمومي وفق الجودة المطلوبة في مجال الصحة النفسية والعقلية، وتمكين جميع المواطنين من الولوج إلى العلاج، فضلا عن تفعيل الدور الوقائي من خلال معالجة الأسباب المؤدية للمرض، وأبرزها التشغيل الذي يضمن الكرامة وتجويد الحياة بصفة عامة، لأن منبع الأمراض النفسية هو الضغط النفسي والفراغ الروحي وعوامل الجهل والفقر وغموض المستقبل والبيئة الفاسدة.