![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2022/08/Untitled-67.jpg)
يونس جنوحي
وظيفة الإخبار لا تختلف في شيء عن المشي فوق حقل للألغام.
اللغم يخلف الأشلاء، وألغام الأخبار الزائفة تُخلف الضباب.
هذا ما وقع في آخر دقائق ليلة أول أمس الاثنين، عندما أحس ملايين المواطنين بالهزة الأرضية. بعض المنابر الأجنبية سارعت إلى نقل الخبر، اعتمادا على ما توفر من معلومات وقتها، لكنها نشرت مع الخبر صورا لزلزال الحوز وتارودانت الذي هزّنا جميعا، يوم 8 شتنبر 2023.
هذه الصور تسببت في هلع أقارب الأسر القاطنة في منطقة القصر الكبير والنواحي. ولولا نعمة الهاتف، لقضى هؤلاء الناس ليلة كاملة من القلق والترقب بشأن مصير أحبائهم.
والحمد لله أن الاطمئنان عاد إلى النفوس، بعد تأكد عدم وقوع أضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات. لكن ما وقع يجعلنا فعلا نتساءل عن جدوى الإعلام العمومي الذي تصرف عليه ملايين الدراهم سنويا، ويؤدي المواطنون مصاريفه من جيوبهم.
طوال الساعة الأولى التي تلت الزلزال، اتضح أن الناس انشغلوا بهواتفهم لفهم ما وقع. ووحدها بعض المواقع الإخبارية، على رؤوس الأصابع، سارعت في منتصف الليل إلى التأكد من المعهد الوطني للجيوفيزياء. في حين أن الإعلام العمومي، الذي يستحيل أن يقطع برمجة المسلسلات المسجلة في تلك الساعة، كان المعني الأول بتسخير الإمكانيات ونقل صور مباشرة من المنطقة التي ضرب فيها الزلزال.
في مثل هذه الحوادث، يحتاج الرأي العام إلى مصدر موثوق لمعرفة ما وقع. وصور الشوارع في القصر الكبير والطرق التي تربط قرى المنطقة بباقي الإقليم، كانت كافية لتبديد قلق ملايين المغاربة في تلك اللحظات. لكن بدل هذا كله، يختار التلفزيون ألا يتحرك..
في زمن مضى، علم الناس بوقوع زلزال أكادير، قبل 65 سنة، من راديو BBC. وحدث أيضا أن علم الناس في زمن الحماية بحلول شهر شوال من راديو لندن والقاهرة، وليس من الرباط. ويبدو أن العادة القديمة صارت «بلية»، وأن «داء العطب قديم».
في موقع فاجعة الطفل ريان، وهي منطقة قريبة من بؤرة الزلزال بالمناسبة، حلت المواقع الإخبارية ومراسلو الصحف التي تتحمل تكاليف الإخبار، بالإضافة إلى الفضوليين والعشوائيين وناقلي الأخبار الزائفة الباحثين عن أرباح إشهار تشقق الأظافر وعلاج البواسير، ولم تأت التلفزة المغربية إلا في مرحلة لاحقة عندما أصبح الحدث وطنيا.
غياب التغطية الرسمية يفتح الباب أمام الإشاعة، وعدم وجود القطب العمومي في الصف الأول، والذي يتوفر على معدات بملايير السنتيمات، يطرح فعلا سؤالا عن مكامن الخلل.
انكبت دراسات جامعية عديدة، وبعضها رصين فعلا، وأنجزت دراسات بناء على إحصاء مُحين واستقراء في مختلف الأوساط الاجتماعية، وخلصت إلى معطيات مقلقة بشأن ثقة المغاربة في التلفزيون. فقد اتضح أن أغلب المغاربة اتجهوا صوب قنوات البث الحي في «فايسبوك»، لمتابعة أخبار محاولات انتشال الطفل ريان من البئر في فبراير 2022. واليوم وبعد ثلاث سنوات كاملة، ما زالت الحال هي الحال.
بعض القرى، القريبة من بؤرة زلزال القصر الكبير والشاون والنواحي، لم يسبق أبدا أن ظهر اسمها في الخريطة. ولا بد أن سكانها يحسون الآن بنوع من الانتعاش، كأي منطقة أخرى من مناطق المغرب التي لا يصلها الضوء، وهم يرون أن المغاربة الآخرين مهتمون فعلا بمصير إخوانهم. حتى أن بعض القرى البعيدة عن الطريق السيار وعن الطريق الوطنية لم يُطبع اسمها في مقال، بدون مبالغة، منذ الحرب الإسبانية، قبل قرن بالضبط!
الحمد لله أن السحابة مرت بسلام واتضحت الصورة، بعدما ساد القلق بشأن سلامة المواطنين وأقاربهم. واتضح فعلا أن من أطلقوا على التلفزيون قطبا عموميا، فقد كانوا متبصرين وخططوا ربما لإلحاقه بالقطبين المتجمدين للكرة الأرضية.. هذه الكرة التي لا تتوقف عن التحرك، لتترك للقطب العمومي أحقية أن يحمل هذا الاسم وحده!