شوف تشوف

الرئيسية

هل ستستمر «ثقافة كورونا»؟

علي بوشنتوف
ألقى وباء فيروس «كوفيد 19» بظلاله على الساحة العالمية برمَّتِها، فتأرجحت هزَّاتُهُ الارتدادية لتضرب العديد من الدول، فلم يُفرِّق بين الضعيف والقوي أو السّيّد والخادم، بل كان عادلا أشد العدل في بثِّ الرُّعب في الجميع، حتى سارعت الدول للتصدي له والقضاء عليه بكل ما تملك من قوة، وأصبحت لُغة الأرقام تتصدر نشرات الأخبار، كما أضحت حديث القاصي والداني: كم بلغ العدد اليوم؟ هل تضاعف؟ كم حالات الشفاء؟…
وعرف الاقتصاد العالمي هزات قوية على سُلَّمِ «كورونا»، خلَّفت خسائر مادية وبشرية، لا شك أنها ستلقي بظلالها على فترة «ما بعد كورونا» لتضميد الجراح التي تركها هذا الوباء على اقتصاد الدول في بورصاتها وشركاتها…، أو محاولة بعث الحياة من جديد فيه. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الوباء المستتر الفتّاك سيُعيد ترتيب الموازين الاقتصادية، وتعديل العلاقات السياسية، وتغيير الثقافات الإنسانية. ولعل مفهوم الثقافة في زمن كورونا وما بعده، هو الذي أردت الإشارة إليه وإثارته للقارئ، فتعددت صور هذه الثقافة وعَمَّت الكبير والصغير، ولا ريب أن العديد ألفها واعتاد عليها، حتى أصبحت نظاما يوميا لا ينبغي الإغفال عنه، بل من الواجب تطبيقه والأخذ به وإيصاله للآخرين حتى تتسع رُقعته ودائرته، ولا ننكر أن من الحسنات الثقافية لكورونا أنه ألزمنا بالعمل بمقتضيات تنظيمية بعضها جديد، وبعضها بعثناه من جديد ونرجو أن يستمر.
ويمكن إجمال ثقافة كورونا في الآتي:
ثقافة التضامن: وهي ثقافة إنسانية أخلاقية راقية ظهرت في توجيه الرؤية إلى فئة المهمشين والمقهورين والمُشردين والفقراء والمحتاجين.
ثقافة الوعي بالآخر: وتجلت في الوعي بوجود «آخر» حقيقي يحتاج لمن يلتفت إليه، بعيدا عن ثقافة «الأنا».
ثقافة النظافة اليومية: وضع المخلفات والنفايات في مكانها المُخصص لها، وليس في أي مكان، والحرص على غسل اليدين بشكل مستمر، وعدم البصق في الطرقات العامة، وكذا أرصفتها وأزقة وأحياء المدينة.
ثقافة الدفء الأسري: شاعت وذاع صيتها في زمن «كورونا»، فَعَمَّ الود والتعاون والحب بين أفراد الأسرة، ودار بينهم الحديث والنقاش، الذي ربما كان شبه غائب عند البعض.
ثقافة رد الاعتبار للآخر: من خلال وسائل النقل، خصوصا الحافلات والقطارات، بالاستمرار على تطبيق هذا النظام بالحد من الاكتظاظ والاكتفاء بالعدد المحدود للركاب.
ثقافة الاهتمام بقطاع الصحة: من خلال تجهيز المستشفيات بكل ما تتطلبه من مُعِدَّات وأطقم طبية، تَحَسُّبا لمثل هذه الطوارئ التي تقتحم فجأة دون إذن مُسبق.
الاستمرارية في مُراقبة أسعار المنتوجات الغذائية في المحلات التجارية الصغيرة والكبرى، والضرب بيد من حديد كل من سوَّلت له نفسه استغلال الآخرين.
وفي الأخير نُقدم شكرنا لكل من يُسهِم بالقليل أو الكثير، ولو بالكلمة والنصيحة، في مُحاربة تفشي هذا الوباء الذي ضرب البلاد والعباد والقضاء عليه، فتحية خاصة لكل الأمهات وربَّات البيوت لعملهنَّ الشاق واليومي في المنازل خلال هذه الفترة. كما نوجه شكرنا للأطر الصحية المُرابطة في المستشفيات لعلاج ومراقبة الوافدين من المرضى، بالإضافة إلى عمال النظافة ورجال السلطة والأطر التربوية والإدارية، وكذا جميع شرائح المجتمع كل من موقعه.
نرجو من الله تعالى أن يرفع عنا هذا البلاء، وتستمر «ثقافة كورونا» ولا تغيب شمسُها، وقد قيل: «رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى