يونس جنوحي
ضربتان على الرأس لا تؤلمان فقط، بل تُحدثان زلزالا مدويا. كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، جعلتا شركة “آبل”، المصنع العملاق للهواتف الذكية والحواسيب والألواح تفكر في نقل وحداتها من الصين صوب الهند والفيتنام، علما أن هذه الأخيرة تحتضن فعلا مصانع الشركة الأمريكية وتُنتج سنويا رقاقات هواتف وحواسيب وبقية منتجات “التفاحة المقضومة“.
لقد تضررت شركة “آبل” الأمريكية من الإجراءات التي سنتها الحكومة الصينية منذ ماي الماضي، والتي تقضي بإغلاق بعض المدن الصينية بسبب الموجة الأخيرة من فيروس كورونا. وأعلنت في تقرير داخلي أنها سوف تنقل مصانعها من الصين إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وبعض التقارير المتخصصة، حسب ما نقلته صحيفة “الإيكونوميك تايمز”، أشارت إلى أن “آبل” سوف تنقل مصانعها نحو الهند، بسبب الموقف الصيني الأخير الداعم غير المباشر لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
الخلاصة أن السياسة الصينية، مؤخرا، سوف تكون سببا في رحيل شركة “آبل” المنصع العملاق لهواتف “آيفون”. وبدل أن نرى “صُنع في الصين” على ظهر أقوى وأحداث الهواتف الذكية في العالم، وأغلاها أيضا، سوف تصبح هذه المنتجات الذكية موقعة بـ”صُنع في الهند”.
والمثير أن الأمر لا يتعلق هنا بتكهنات أو “قراءة في الفناجين” الاقتصادية، وإنما بتقارير حقيقية مبنية على مؤشرات علمية وتقارير اجتماعات للإدارة العامة للشركة الأم الكائن مقرها في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
الشركة الأمريكية، ومنذ ازدياد الطلب على منتجاتها سنة 2007، تركب أجزاء الهواتف والحواسيب والألواح الذكية في الصين، ثم عمدت أيضا إلى نقل وحدات صناعية مهمة إلى الصين لرفع الإنتاج وتسهيل شحن هذه المنتجات عبر العالم. لكن مع التداعيات الأخيرة للتوتر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة منذ عهد الرئيس ترامب، فإن أمورا كثيرة تغيرت في “مراسيم” العلاقات بين البلدين.
وحتى عندما هدد البيت الأبيض سنة 2018 بقطع العلاقات تماما مع الصين وفرض عقوبات تجارية عليها، فإن “آبل” كانت خارج كل تلك الحسابات. وكان مناقضا لتلك التطورات أن تكون أقوى شركة في العالم أمريكية، لكن وحداتها الصناعية توجد في الصين. إلى أن جاءت موجة “كورونا” وتضررت الشركة مؤخرا، خصوصا في ماي الماضي، من قرار الحكومة الصينية إغلاق بعض المراكز بسبب تفشي وباء كورونا في الوقت نفسه الذي تخلت فيه معظم دول العالم عن الإجراءات الاحترازية، خصوصا في أوربا التي أصبحت فيها “كورونا” وباء من الماضي.
نحن نتحدث هنا عن خسائر تجاوزت قيمتها 8 ملايير دولار أمريكي في الربع الأول فقط من السنة. وهو ما يعني أن “آبل” تفكر الآن في التصرف سريعا، حسب ما نشرته “الإيكونوميك تايمز” لتدارك هذه الخسائر قبل أن تبلغ مرحلة لا تمكن معها السيطرة عليها.
قرار نقل الوحدات الصناعية من الصين جنوبا نحو الهند سوف يحمل الكثير من المفاجآت، خصوصا إن تم تفعيله خلال السنتين المقبلتين. لأن شركة “آبل”، التي تصنع الآن 90 بالمائة من كل منتجاتها في الصين، لا بد أن تحدث تغييرات على سياسة التسويق والتصنيع أيضا إن نقلت وحداتها إلى الهند، خصوصا وأن الحكومة الهندية مؤخرا أعلنت عن برامج مهمة في دعم الصناعات الدقيقة وأبحاث الفضاء، بالإضافة إلى بناء مدينة ذكية في الجنوب، وهو ما سوف يسهل بالتأكيد الولوج إلى خطوط الشحن البحري لتصدير منتجات “آبل”، وخلق شراكة مع أشهر ماركة أمريكية في العالم.
العالم الآن تحكمه الهواتف الذكية. الشركات التي تصنع الهواتف تتحكم في الحكومات، بل وتصنع السياسات، وتفرض بسهولة قرارات على السياسيين. ويتضح الآن أن الحكومة الأمريكية لم تعد موجودة في البيت الأبيض، وإنما في مقر المجلس التنفيذي لشركة صناعة الهواتف الذكية. وعندما تقرر هذه “الحكومة” أن تنسحب من الصين، فإن الأمر يفوق بكثير تداعيات قرار البيت الأبيض إلقاء قنبلة فوق هيروشيما.