هل الحرب العالمية الثالثة باتت وشيكة فعلا؟ ومن هم ضحاياها؟
لم يفاجئنا نفي الديوان الملكي الأردني صحة ما ورد في وثيقة للكونغرس الأمريكي جرى تسريبها إلى بعض الصحف البريطانية، ونقلت عن لسانه قوله أن بلاده انضمت إلى «التحالف الاسلامي» الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية لأنه «تحالف غير ملزم»، علاوة على كونه «محدود الفعالية» والنتائج، وأن هذا الانضمام جاء من «قبيل المجاملة»، فمن الطبيعي أن يصدر هذا النفي (صدر منتصف الليل) للحفاظ على العلاقات السعودية الأردنية، خاصة أن البلدين حليفين يقفان في خندق واحد أيديولوجيا، وأن هناك وعودا من الرياض بتقديم مساعدات مالية وعسكرية للأردن، ولكن هذا النفي على أهميته، وجديته، لا يخفي أن الكلام الذي نسب إلى العاهل الأردني صحيح من حيث المضمون، وبغض النظر عما إذا قيل على لسانه أو لم يقل.
فهذا التحالف المكون من 34 دولة إسلامية (لم تنضم إليه دول عديدة، بينها الجزائر وإيران والعراق ولبنان) غير ملزم فعلا، ومحدود الفعالية، ولا تأخذه الدول الأعضاء فيه بالجدية الكافية، بدليل أن العاهلين البحريني والأردني غابا عن الجلسة الافتتاحية الأهم من مناورات «رعد الشمال» التي رعاها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما غاب عنها أيضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، وكانت مشاركة القوات التركية في المناورات أقل من رمزية، مضافا إلى ذلك أن تحالفات عسكرية وسياسية على هذه الدرجة من الضخامة والخطورة، تحاكي أحلافا أخرى مثل «الناتو»، تصدر بعد مشاورات مكثفة على مستوى الخبراء والسياسيين، ولقاءات على مستوى القمة، يقوم خلالها الزعماء بتوقيع معاهدة، وميثاق يتضمن نصوصا ملزمة تحدد الواجبات والردود على الأخطار وطبيعتها، وهذا لم يحدث مطلقا على صعيد «التحالف الاسلامي» الذي سمعت عنه معظم الدول الأعضاء عبر مؤتمر صحافي رتب على عجل لمجموعة محلية من الصحافيين فجرا وأذيع في قناة تلفزيوينة سعودية.
السلطات الأردنية بررت غياب الملك عبد الله الثاني بأنه عائد إلى ارتباطه بمواعيد مسبقة مع ضيف الأردن جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، والتي تزامنت مع موعد الجلسة الافتتاحية المذكورة، ولكنه لم يغب عن اليوم الثاني من احتفالية المرحلة النهائية من المناورات التي تعتبر الأضخم في تاريخ المنطقة، ولكن لم نعرف حتى كتابة هذه السطور أسباب غياب الرئيس التركي، أو رئيس وزرائه، ونستغرب هذا الغياب من قيادة دولة من المفترض أن تكون مرتبطة بتحالف «سني» استراتيجي مع المضيف السعودية.
المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى تعيش حاليا حالة من «الهلع» من مخاطر استراتيجية تهدد أمنها وكيانها، وتعبر عنه بعدة طرق: الأولى: الانخراط في مناورات وتدريبات عسكرية لدرجة «الهوس» فقد نظمت، وشاركت، في خمس منها في الأشهر الأخيرة، أبرزها «رعد الشمال»، و«اتحاد «18 البحرية»، وتدريبات «علم الصحراء» ومناورات «صقر الجزيرة» وأخيرا «أمن الخليج العربي 1»، وهي مناورات بحرية وبرية وجوية.
الثانية: إنفاق عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات في شراء صفقات أسلحة، فمثل هذه المناورات تؤدي إلى استنزاف مخزون السلاح والذخيرة، وتكلف مليارات الدولارات، وذكرت مجلة «أخبار الدفاع الأمريكية» Defence news في عددها الأخير أن دول الخليج الست أنفقت 33 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي على شراء أسلحة، مثل صواريخ مضادة للدروع، وأكدت أن الكويت تنتظر موافقة واشنطن على شرائها 40 طائرة من نوع «إف 18»، بينما تنتظر دولة قطر موافقة أمريكية أخرى بشراء 72 طائرة من طراز «إف 15»، وتعتبر قطر أكبر مشتر للمعدات العسكرية الأمريكية عام 2014، حيث أنفقت 10 مليارات دولار على طائرات أباتشي وصواريخ «باتريوت». الثالثة: تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية، ففي أقل من عام أسست المملكة العربية السعودية وتزعمت تحالفا إسلاميا، وآخر من عشر دول عربية تحت عنوان «عاصفة الحزم»، علاوة على انضمانها إلى التحالف الأمريكي الستيني لمحاربة «الارهاب»، ولا ننسى تحالف قوات «درع الخليج».
القاسم المشترك لمعظم هذه التحالفات، أنها «رخوة»، وغير محددة الأهداف الاستراتيجية، وطابعها «طائفي سني»، وهدفها الأساسي هو محاربة إيران «الشيعية» وحلفائها وميليشياتها، وإن كانت بعض أدبياتها تقول إنها تتشكل لمحاربة إرهاب «الدولة الاسلامية» أو «داعش»، وهذه الأرضية الطائفية تجعلها «غير ملزمة» لدول عديدة، فدول مثل أندويسيا أو ماليزيا، أو حتى باكستان، لا ترى في إيران خطرا استراتيجيا، فالشيعة يشكلون ربع عدد باكستان على سبيل المثال، وتركيبة الجيش الباكستاني تعكس النسبة نفسها، كما أن هناك حوالي 20 مليون علوي في تركيا، وأكثر من ثلث سكان الكويت من الشيعة أيضا.
من الواضح أن المملكة العربية السعودية تريد تشكيل حلف «ناتو» إسلامي، تتولى زعامته، وأن تقوم بدور إقليمي، وربما دولي فاعل، ولكنها تقيم هذه التحالفات بسرعة ودون إعداد سليم، وتحديد استراتيجية «جامعة» ومقنعة للحكومات، ومن ثم الشعوب الاسلامية، معتمدة على قدراتها المالية التي بدأت تنكمش بشكل متسارع بانكماش أسعار النفط.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سيزور مصر في الأيام القليلة المقبلة، لتشكيل «محور قوي» معها في مواجهة إيران، ونفوذها في العراق وسورية ولبنان واليمن، ولكنه يصطدم بعقبة تحالفه مع تركيا، العدو اللدود للنظام المصري، والداعم الرئيسي لحركة «الإخوان المسلمين» التي تريد إطاحته، فكيف سيواجه هذه المعضلة؟ وهل تقبل مصر أن تنخرط في «ناتو» إسلامي «طائفي» تتزعمه السعودية وتحتل فيه (أي مصر) مقاعد خلفية؟
صحيح أن السعودية تعتبر في الوقت الراهن قوة عسكرية إقليمية ضخمة، فميزانيتها الدفاعية الحالية تصل إلى 81 مليار دولار، وهي ثالث أضخم ميزانية عسكرية في العالم بعد أمريكا وروسيا، حسب تقارير المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، ولكن لا يعني ذلك أنها الأقوى في المنطقة، والقادرة على حسم الحروب العسكرية لمصلحتها؟ ولعل تجربتها الحالية في اليمن تؤكد هذا الافتراض.
وضع السعودية ودول الخليج قبل خمس سنوات عندما لامست أسعار النفط 140 دولارا للبرميل، وتجاوزت قيمة صناديقها السيادية أكثر من 3 تريليون دولار تقريبا، غير وضعها اليوم، حيث انخفصت أسعار النفط إلى تحت عتبة الأربعين دولارا، ويفيد التذكير بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يقد العرب بالعوائد النفطية والصناديق السيادية المالية المتضخمة بمئات المليارات من الدولارات، إنما بمشروع نهضوي عربي عسكري وسياسي واضح المعالم، عنوانه الأبرز استقلالية القرار العربي، ومحاربة الاستعمار الغربي، وتحرير فلسطين، فأين هذا المشروع النهوضي السعودي الخليجي المقابل أو المماثل؟ ثم أين فلسطين من هذا المشروع؟
نسأل هذا السؤال ونحن ندرك مدى حساسية المملكة وقيادتها تجاهه، مثلما ندرك أن النطق بكلمة فلسطين بات من «المحرمات» و«الخطوط الحمر» هذه الأيام، فلم أسمع هذه الكلمة مطلقا، وحتى هذه اللحظة، على لسان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، والرجل القوي في السعودية، ولا من ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وذكرونا من فضلكم إذا كنا نسينا، أو أخطأنا، ولكم الشكر سلفا.