هكذا صار القايد ماكلين سجينا عندي والمْخزن أرسل ابن عمي لمحاربتي
يونس جنوحي
«رأى ماكلين أنني كنت مترددا. ولأنه لم يكن قادرا على قراءة تعابير وجهي، سألني:
-في ماذا تفكر؟
أجبته:
-أنا ممتن للسلطان على عفوه عني.
لكن أفكاري كانت مشوشة، لأن ماكلين كان يصطحب معه نفس عدد الرجال الذين كانوا معي أيضا، وبالتالي كان من المستحيل أن أحتجزه بالقوة. فقد يُقتل بعض رجالي وقد يهرب مني. قلتُ له:
-هل بإمكانك القدوم إلى خيمتي حتى تستريح بينما يستعد رجالي للمسير؟
سألني ماكلين:
-إلى أين أنت ذاهب؟
أجبتُه:
-يجب أن أذهب إلى حيثُ جيش الگباص لكي أخبره بالنبأ.
-لدي رسالة له، أيضا، أرسلتها مع أحد رجالي.
أجبته:
-..وسوف أكتب أيضا ردا للسلطان، لكن أولا يجب أن أستشير أخي. إنه مريض لذلك لم يستطع المجيء للقائك.
سألني ماكلين:
-أين هو؟
لم يكن ماكلين يريد أن يغادرني إلا بعد أن يتأكد جيدا من نواياي.
أجبتُ:
-إنه بعيد قليلا فقط من هنا، يقيم في مزرعة، سأرسل إليه مبعوثا لكي يخبره أنني قادم.
تركتُ ماكلين الإنجليزي في خيمتي وناديت على جبلي معروف بسرعته في المشي على الأقدام وموثوق من ولائه، وقلتُ له:
-اذهب بسرعة إلى حيث تخيم المْحلّة التابعة لي، وأخبرهم أن يستعدوا لمسيرة طويلة. اجعلهم مستعدين للانطلاق حالما أنضم إليهم.
مضى يجري مثل ثعلب، وعُدت إلى ماكلين الذي بادرني بسؤال:
-هلاّ ركبنا أنا وأنت الأحصنة؟
-كما تُريد.
-نعم. من الجيد أن نركب أحصنتنا، حتى أستطيع نقل ردك للگباص.
أجبتُه:
-هيا، لنركب إذن.
ثم ركبنا.
في تلك اللحظة ظننت أنه خائن، وأنه كان يعرف الخطة ونوايا السلطان. وقلت في نفسي:
-ها هي الأمور الأكثر غرابة تقع أمام عيني. من كان يظن ذلك؟ وها هو الصياد سقط في الفخ الذي نصبه لفريسته!
لكنني شعرتُ بعدم رضى وأنا أركب الخيل معه بتلك الطريقة كما لو أنه ضيفي. كنت أرغب في تكبيل يديه معا وربطهما مع سرج حصاني، وأن أجعله يركض للحاق بي. لكن رجاله كانوا لا يزالون معه ولم نكن وصلنا بعد إلى منطقة نفوذي.
كنا نركب الأحصنة في صمت لأنني كنت أفكر في ما هو آت، وكنتُ أسلك به طرقا ملتوية ودائرية لكي أمنح الوقت الكافي للمْحلة حتى يستعدوا. وفي الأخير قال لي:
-أين هي مزرعة أخيك؟
-نحن نقترب منها.
-متى يجب أن نصل؟
-قريبا..
أجبتُه وحفزت حصاني للإسراع، لأنني رأيت الحقل الذي كانت قواتي تخيم خلفه تماما.
صاح ماكلين في الوقت الذي كنا فيه ندخل وسط المخيم وهو يرى قواتي مستعدة لبدء المسير:
-ما هذا؟ ماذا فعلت؟
جُمعت الخيام وكان كل رجل يحمل معه بندقيته. قلت له:
-ها هو جوابك.
وقرأت عليه رسالة مولاي عبد العزيز. كان ماكلين يستمع ولا يتحدث. ثم قال محتجا:
-لقد تم الإيقاع بي أيضا. لا أعرف أي شيء عن هذا المخطط.
كان يتحدث بنبرة صادقة وهو يؤكد لي أنه صدّق كلام مولاي عبد العزيز. وقال لي:
-على كل حال، ما تقوم به الآن مبرر. أنا سجينك وسأذهب معك إلى حيث تُريد.
غادرنا ذلك المكان وذهبنا في اتجاه أعلى جبل أحماس، وعاملت ماكلين على أنه ضيف.
كان السلطان غاضبا لأن الخطة انكشفت.
ولأن وعد المسلم لأخيه لا يُخان بسهولة، كتب السلطان إلى قائد المنطقة التي كنت أخيم فيها، وقال له:
-خذ كل الجيوش التي تريد، وخذ كل الأموال التي توجد في الخزينة والمنطقة كلها تحت تصرفك، لكن اعتقل الريسوني حيا أو ميتا.
القائد، مولاي الصدّيق الريسوني، كان من أبناء عمومتي، لكنه كان دائما حليفا للمْخزن، ولم يسبق لي أبدا رؤيته. هناك عدد كبير من الشرفاء الريسونيين، وكلهم كانوا مؤثرين ويتمتعون بالسلطة. كتب مولاي الصديق للسلطان قائلا:
-سأحتاج ألف حصان وأربعة آلاف رجل لكي ألقي القبض على مولاي أحمد في هذه الجبال.
فأجابه السلطان:
-سأرسل ضعف هذا العدد.
جاءت «مْحلتان» من فاس، إحداهما كانت تحت إمرة ابن عمي، والأخرى كانت تحت إمرة عم مولاي عبد العزيز. وقتها كنتُ في زاوية سيدي يوسف التليدي، ومعي كان فقط خمسة عشر رجلا وماكلين. كيف يستطيع هذا العدد القليل جدا من الرجال قتال جيش؟