شوف تشوف

الرئيسيةخاص

هكذا تحتضر الصحة العمومية في مدن الشمال

الأخبار ترصد مؤشرات فشل وزارة الصحة في معالجة مشاكل القطاع بالشمال

تطوان: حسن الخضراوي

عقدت آمال كبيرة على خالد آيت الطالب، وزير الصحة بعد التعديل الحكومي، من أجل معالجة مشاكل قطاع الصحة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، سيما بعد الزيارات التي قام بها للمضيق – الفنيدق وشفشاون وطنجة والحسيمة، من أجل الاطلاع بشكل ميداني على الإكراهات التي تواجه تجويد الخدمات الصحية، والاستماع إلى المسؤولين عن المؤسسات الاستشفائية العمومية، حول الخصاص المهول في الموارد البشرية والعمل على برمجة إعادة التوزيع وفق معايير جديدة، أهمها المساحة التي يغطيها كل مستشفى والكثافة السكانية.

ظهر من خلال مؤشرات واضحة فشل وزارة الصحة في تجاوز أخطاء الماضي بالشمال، والتخبط في تدابير ترقيعية تتعلق بالتعاقد مع أطباء في القطاع الخاص للتخفيف من الاكتظاظ وطول المواعد الطبية، فضلا عن تسجيل خصاص مهول في الأدوية بالمراكز الصحية، والضغط الكبير الذي تعيشه مصلحة الإنعاش بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان، إلى جانب غياب العديد من الاختصاصات بشفشاون ووزان وإقليم المضيق – الفنيدق، وتحول مستعجلات المؤسسات الاستشفائية العمومية إلى محطات توجيه نحو تطوان.
ومازال الرأي العام المحلي والوطني ينتظر، بفارغ الصبر، نتائج التحقيقات التي باشرتها اللجان المختصة قبل شهور، في ملف صفقة تجهيز المؤسسات الاستشفائية بالشمال من قبل مجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، حيث ظهر أن بعض المعدات لا تتطابق ومعايير الجودة المطلوبة، كما قام بعض المسؤولين بالمستشفيات برفض التوقيع على محاضر الاستلام، وإحالة الأمر على مصالح وزارة الصحة التي بادرت سابقا إلى إرسال لجان تفتيش قصد كشف حيثيات وظروف الاختلالات وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الخصاص المسجل على مستوى الموارد البشرية والأدوية وطول المواعد الطبية، والاكتظاظ بأقسام حساسة مثل المستعجلات والانعاش والتخدير… تسبب في صراعات يومية بين المواطنين والأطر الطبية، حول جودة الخدمات الصحية، وعدم جدوى الاستفادة من بطاقة التغطية الصحية «راميد»، في ظل الاضطرار إلى التوجه نحو القطاع الخاص لإجراء بعض تحاليل الدم والراديو والسكانير..
في ظل هذا الوضع ما زال الغموض يلف استقالة المدير الجهوي لوزارة الصحة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، قبل أيام قليلة، سيما مع عدم كشف المسؤولين عن الأسباب الحقيقية، بحيث أكدت مصادر على أن الأمر يتعلق باختلالات القطاع الحساس واتساع دائرة الاحتقان واستعداد وزارة الصحة لإرسال لجان للتفتيش مجددا في تفاصيل الصفقات والمعدات، وتفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، في حين تقول مصادر ثانية إن الأمر يتعلق بالتراجع عن وعد قُدم للمسؤول الجهوي بتسلم منصب كاتب عام بوزارة الصحة.
خصاص مهول
من خلال اطلاع «الأخبار» على لائحة المواعد الطبية بالمستشفيات العمومية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، يتضح الخصاص المهول في الموارد البشرية بأقسام حساسة مثل القلب والشرايين والأنف والحنجرة والقصور الكلوي والتخدير والإنعاش وطب الأطفال، وكذا الاختصاصات المرتبطة بالأمراض النفسية والعصبية والاضطرار إلى تكليف طبيب واحد بأقسام المستعجلات رغم الاكتظاظ والاحتقان اليومي.
ووصلت المواعد الطبية للاستشارات الطبية ببعض المستشفيات العمومية بالشمال، شهر دجنبر من السنة الجارية 2020 في اختصاصات حساسة مثل القلب والشرايين والأنف والحنجرة..، فضلا عن غياب العديد من الاختصاصات الحساسة بمستشفيات وزان وشفشاون والمضيق – الفنيدق، والاكتفاء بالتوجيه نحو تطوان التي يعيش المستشفى الإقليمي بها ضغطا غير مسبوق، واستنفار مستمر لضمان استمرار عمل مصلحة التخدير والإنعاش وتفادي السقوط في مطب امتلاء الأسِرّة بالكامل، واستحالة استقبال حالات حرجة من داخل أو خارج المنطقة.
وقال مصدر طبي إن الخصاص المهول في الموارد البشرية بالمستشفيات العمومية بالشمال، سببه هروب الأطباء الاختصاصيين في اتجاه القطاع الخاص الذي يغريهم بأجور عالية والاستفادة من نسبة عالية من الأرباح الخاصة بإجراء العمليات الجراحية المعقدة، فضلا عن عدم تعويض الممرضين الذين يحالون على التقاعد، والاكتفاء بتدابير ترقيعية تتعلق بتكليف متدربين بمهام حساسة في التمريض يمنع قيامهم بها، طبقا للمعايير الصحية العالمية، إذ لا تتم (المهام) إلا بحضور الطبيب أو الممرض المحترف.
وأضاف المصدر نفسه أن الأطباء الاختصاصيين عددهم قليل جدا على المستوى الجهوي والوطني، ولا يمكن في ظل الظروف الحالية أن يقوموا بمهامهم وفق الجودة المطلوبة، وضمان حق المريض الدستوري في العلاج والتطبيب طبقا للمعايير الصحية المعمول بها عالميا، ووفق آخر التقنيات التي تم التوصل إليها في إطار البحث العلمي، وذلك لغياب الإرادة السياسية في الرفع من ميزانية القطاع وفتح المجال أمام التوظيف، وتوفير كافة الأجواء المناسبة التي تضمن العطاء الجيد للأطر الطبية والتمريضية والإدارية وكل ما يرتبط بسير المؤسسات الاستشفائية العمومية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن تكليف وزارة الصحة أطباء اختصاصيين وغيرهم من الأطر الطبية والتمريضية، بمهام إدارية ترتبط بما هو تقني إداري، ساهم في تعميق مشكل الموارد البشرية، حيث كان الأولى أن يتم الاعتماد على المتصرفين من درجات مختلفة حسب نوع المسؤولية والكفاءات المطلوبة، من أجل احترام الاختصاص والرفع من جودة التسيير، واستفادة أقسام المستشفيات بالشمال من مئات الأطر الطبية المتفرغة للتسيير الإداري.
أزمة الأدوية
من خلال الجولة التي قام بها طاقم الجريدة بالعديد من المستشفيات العمومية والمراكز الصحية بالشمال، تمت معاينة استمرار الاكتظاظ ببعض الأقسام وتواصل سخط وتذمر المرضى من تدني جودة الخدمات الصحية وغياب الأدوية، وعدم وفاء المسؤولين بالوعود التي تؤكد قرب انفراج الأزمة، وعودة الأمور إلى سابق عهدها بخصوص توزيع الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي، وكذا الأدوية التي تدخل في صنف المضادات الحيوية.
وقال (س، ع) الذي يقطن بحي كنديسى بعمالة المضيق – الفنيدق، إنه كان يستفيد من أدوية خاصة بالسكري والضغط الدموي بشكل عادي، لكن خلال الشهور الأخيرة تتم مواجهته بالمركز الصحي في كل مرة بغياب الأدوية الضرورية، حيث يقوم الموظف بمهاتفة المسؤولين لإرسال الأدوية المطلوبة، لكن لا تصل إلا كميات وأنواع قليلة جدا، سرعان ما تنتهي في يومين، ويعود الاحتقان مجددا وصعوبة إقناع المرضى بغياب الدواء بصيدلية المركز الصحي، الذي يغطي أحياء بها كثافة سكانية عالية.
وأضاف المتحدث نفسه أن سكان الأحياء العشوائية والهامشية، يعيشون الفقر والتهميش والبطالة، ولا يمكنهم تغطية مصاريف شراء الأدوية المتعلقة بالأمراض المزمنة من الصيدليات، لذلك يلتمسون من المسؤولين العمل على تجاوز أزمة الأدوية ومراعاة المعاناة الاجتماعية للأسر.
ولم تنفع التدابير الترقيعية التي قامت بها وزارة الصحة، في التخفيف من أزمة قلة الأدوية بالمستشفيات العمومية والمراكز الصحية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، حيث توصلت المندوبيات الإقليمية بكميات قليلة لم تنفع في سد الخصاص المهول، أمام ارتفاع نسبة المصابين بأمراض مزمنة، وكذا غياب الصيدليات بالمناطق القروية النائية، كما هو الشأن بالنسبة لمناطق بشفشاون ووزان على سبيل المثال لا الحصر.
ويطالب العديد من سكان القرى النائية والمصابين بأمراض مزمنة بالشمال، خالد آيت الطالب وزير الصحة، بالإسراع بمعالجة مشكل النقص في الأدوية، والأخذ بعين الاعتبار حالات الفقر المنتشرة بمناطق بالشمال، فضلا عن غياب الصيدليات بالقرى، وارتباك العمل بالمراكز الصحية في ظل الاحتقان اليومي بين أطر وزارة الصحة والمرتفقين.
معضلة التوجيه
من المشاكل التي تثير الاحتقان والصراع بين الأطر الطبية بالمستشفيات الإقليمية والمحلية، معضلة التوجيه اليومي للمرضى والجرحى والحوامل من شفشاون ووزان والمضيق – الفنيدق وكافة المناطق القروية النائية إلى تطوان التي لم يعد المستشفى الإقليمي بها قادرا على تحمل الضغط الكبير على الأقسام الحساسة، سيما قسم الإنعاش والتخدير الذي يغطي مساحة شاسعة يصعب تخيلها.
ورغم الاجتماعات المتتالية التي تم انعقادها في الموضوع بحضور المندوبين الإقليميين وممثلي النقابات الصحية، إلا أن مشاكل التوجيه مازالت مستمرة، وتستمر معها اختلالات النقل الصحي وغياب المعايير الدقيقة للصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، فضلا عن معاناة عائلات المرضى من ارتفاع التكاليف، وإرهاق ميزانية الفقراء الضعيفة بتحملهم مصاريف إضافية للسفر وتدبر المبيت والمأكل والمشرب، حتى تماثل المريض الذي يرافقونه للشفاء.
وحسب أحد الأطباء العاملين بالقطاع العام، فإن توجيه المريض أو الجريح أو المرأة الحامل من منطقة نائية إلى تطوان، فيه مخاطر كبيرة على الصحة والمضاعفات التي يمكن أن تحدث خلال نقل المريض، سيما في ظل غياب السائق المتخصص لقيادة سيارة الإسعاف، وضرورة توفرها على مجموعة من المعايير المطلوبة، علما أن نقل المريض لمسافة طويلة قصد العلاج لا يجب أن يكون إلا في حالات استثنائية ومحدودة.
وأضاف المتحدث نفسه أن عدم فتح مصلحة الإنعاش بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بشفشاون، يتسبب في ضغط يصعب تخيله بمصلحة التخدير والإنعاش بالمستشفى سانية الرمل بتطوان، خاصة وأن المصحات الخاصة تتجنب إقامة مصلحة التخدير والإنعاش، بالنظر لكلفتها الباهظة وتفادي الدخول مع المريض في صراعات وخلافات حول الأداء، لغياب القدرة على تحديد المدة التي تتطلبها كل حالة بالقسم الحساس.
وأشار المتحدث أيضا إلى أن كلفة التوجيه من مناطق بعيدة في اتجاه المستشفيات بالمدن، غالبا ما يؤدي ثمنها المريض وعائلته والأطر الطبية المرافقة، بالنظر لطول المسافات وخطر حوادث السير، كما وقع بفاجعة ميسور التي أودت بحياة سيدة حامل وإصابة زوجها وأختها والممرضة المرافقة بجروح خطيرة، نتيجة اصطدام سيارة الإسعاف التي كانت تقل الجميع من أوطاط الحاج في اتجاه فاس بشاحنة كبيرة.

معاناة مرضى السرطان
في ظل غياب معلومات مؤكدة، واختيار مصالح وزارة الصحة الصمت عن الموضوع، أكدت مصادر طبية بتطوان، أن مركز علاج القرب الذي يوجد بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل، وتم تشييده لتقريب العلاج الكيميائي من المرضى المصابين بالسرطان بالشمال، لن يتم افتتاحه على المدى المتوسط، وأن هناك اتجاها لإلغاء فتحه لغياب الموارد البشرية من الأصل، وتحضير الوزارة لاستراتيجية أخرى في ملف تقريب خدمات العلاج من مرضى السرطان، وإعفائهم من التنقل إلى المدن الكبرى كالرباط العاصمة.
وحسب مصادر فإن بناية مركز العلاج الكيميائي بالمستشفى الإقليمي بتطوان، تم استكمال الأشغال بها وتجهيزها منذ سنوات، حيث توالت الوعود من قبل المسؤولين والوزراء الذين زاروا المؤسسة الاستشفائية بفتحها لاستفادة مرضى السرطان من خدمات وعلاج القرب، دون أن يتم تنفيذ الوعود في ظروف غامضة، ووسط صمت المسؤولين المحليين.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن النقابات الصحية بإقليم تطوان، عادت خلال الأيام القليلة الماضية، للتنبيه إلى معاناة مرضى السرطان بمدن تطوان ومرتيل والمضيق والفنيدق وشفشاون وجميع الجماعات الترابية المجاورة، مع التنقل إلى جهات أخرى من أجل العلاج وتحمل مصاريف السفر، إلا أن مصالح وزارة الصحة، مازالت إلى حد الآن لم تحدد أي تاريخ للشروع في عمل مقر علاج السرطان بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل، وسط تضارب أنباء عن استحالة فتحه في ظل غياب الموارد البشرية وتخبط الوزارة في التدابير الترقيعية.
وأشارت المصادر إلى أن توفير علاج القرب بالنسبة لمرضى السرطان بتطوان والنواحي، بإمكانه التخفيف من معاناة المرضى من الفئات الفقيرة الذين يتوفرون على بطاقة التغطية الصحية «راميد»، فضلا عن الإعفاء من التوجيه إلى مدن أخرى طلبا للعلاج، سيما الفئات التي تحتاج إلى الخضوع لحصص الكيمياء المتعبة والمرهقة نفسيا وبدنيا، حيث تتضاعف المعاناة مع طول مسافة السفر والالتزام بالاستمرارية واحترام نظام العلاجات التي يصفها ويشرف عليها الأطباء المختصين.
ويعتمد العديد من مرضى السرطان بمدن الشمال، على الدعم الذي تقدمه بعض الجمعيات التي تنشط في المجال، من أجل تغطية التكاليف الباهظة للعلاج وجلسات الدعم النفسي، فضلا عن الاعتماد على إعانات المحسنين، وهو الشيء الذي جعل السكان يقدمون بشكل مكثف على توقيع عريضة دستورية ستقدم لحكومة سعد الدين العثماني، من أجل المطالبة بمجانية العلاج من مرض السرطان، ودعم المبادرة التي خرجت إلى الوجود بعد توالي شكايات المواطنين واستغاثة المرضى من الطبقات الفقيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى