في الوقت الذي لا يتورع الزوار من مختلف الجنسيات عن إبداء انبهارهم وإعجابهم بدقة التنظيم وجمالية الملاعب، وأجواء المباريات وأروقة الفنادق والشوارع في قطر، يخرج من يسمون أنفسهم مدافعين عن «الأقليات» لكي يشككوا في مدى احترام قطر لحقوق الإنسان، بل وصلوا حد استجواب حراس الأمن ومحاولة إحراجهم وسؤالهم عن موقفهم من المثلية الجنسية.
والحقيقة أن الأقليات التي يجب فعلا أن يلتفت إليها العالم، ويندد بما يطولها من ممارسات ضد الإنسانية، لا ينتبه إليها أحد.
إذ إن الممارسات التي تطول أقليات التبت على يد شيوعيي الصين، مثلا، بالكاد توقظ ضمائر بعض المنظمات الإنسانية، رغم أن هناك تقارير لمنظمات محترمة تُحذر مما يقع في التبت.
ففي أكتوبر الماضي نشرت سيدة صينية اسمها «ليو» مقطعا تسجيليا تحدثت فيه عن دعوتها إلى «القضاء على التبتيين» في منطقة لاسا التي لا تزال إلى اليوم موضوع نزاع.
ورغم أن البعض دعوا إلى اعتبار تصريحات هذه السيدة عنصرية، إلا أن الجهات الرسمية اعتبرتها «غير مناسبة» فقط ورفضت وصفها بالعنصرية أو الإقصائية، رغم أنها تدعو صراحة إلى القضاء على أقلية على اعتبار خلفيتها الدينية والعرقية، وهذه لوحدها جريمة تعاقب عليها القوانين الدولية.
وعلى الرغم من الرمزية الإنسانية لشخص «الدالاي لاما» وشهرته الواسعة حول العالم باعتباره رمزا دينيا يأتي إليه المُعجبون بمبادئ التبت من كل أصقاع الأرض، إلا أن الصين تعتبر أن الإقليم الذي يوجد فيه آخر أتباع التبت منطقة صينية محررة، رغم أن تقارير حقوقية تقول إن الصين قمعت أولى المظاهرات السلمية للتبت سنة 1959، والتي خرج فيها التبتيون للمطالبة ببقائهم خارج دائرة المد الشيوعي المعادي للتدين والحركات الدينية.
وآخر التقارير التي تناولت التضييق على التبت يعود إلى فترة الإغلاق خلال موجة انتشار فيروس كورونا، في منطقة «لاسا». إذ تحدثت هذه التقارير عن تعرض مرضى كورونا والأصحاء أيضا لسوء المعاملة في مراكز تجمع الحالات المصابة والحالات المعزولة، ونقص كبير في الأدوية والطعام، إلى حد أن بعض مواطني التبت وجهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى الحزب الحاكم في الصين واتهموه بمحاولة تصفية أتباع التبت وتجويعهم، واستغلال حالة الطوارئ الصحية حول العالم للإجهاز على المصابين منهم بالفيروس.
وفعلا فقد سبق للحكومة الصينية أن اعتقلت سبعة مشرفين على مركز للعلاج، ووجهت إليهم تهمة الإساءة إلى المرضى بفيروس كورونا، والدليل على سوء المعاملة كان مقطع فيديو سُجل سرا يفضح كيف أنهم بـ«التبت» أجبروا المرضى والأصحاء على حد سواء على الإقامة في غرفة واحدة ولم يقدموا لهم سوى وجبة واحدة في اليوم.
وهناك تقارير حقوقية تتحدث عن تعرض بعض إناث التبت لعمليات جراحية دون موافقتهن، وتقارير دولية أخرى تحدثت عن حرمان مجموعات داخل التبت من الحصول على جواز السفر ومنعهم من السفر خارج التبت. بل هناك تقارير أخرى كشفت أن التبتيين مُنعوا من النوم في فنادق داخل الصين بسبب عِرقهم.
هناك توصيات قدمها مدافعون عن التبت، جمعت في بعض الدراسات العلمية والحقوقية، مثل الدراسة التي قام بها «تينزين تسيفيل»، وهو طالب دراسات عليا ومهتم بتاريخ التبت، ودعا من خلالها إلى ضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام لملف التبت في الأمم المتحدة، خصوصا وأن هناك تقارير كثيرة تتحدث عن تحذيرات مما يقع داخل التبت، ويهدد حياة أتباع «الدالاي لاما» الذين اشتهروا حول العالم بأثوابهم البرتقالية ورؤوسهم الحليقة وتأملاتهم وزهدهم في الحياة.
هاته هي الأقليات الحقيقية التي يجب أن يهتم بها العالم، إذ إن الغرب يبكي على كلب مات من شدة البرد، أو سمكة نفقت بسبب تعطل مضخة الأوكسجين في الأكواريوم، ولا يتحرك أبدا عندما يتعلق الأمر بإبادة البشر فقط لأنهم لا يُشبهون الآخرين.
يونس جنوحي