الطيب حمضي
في إطار استشراف ما نحن مقبلون عليه مغربيا، بالنظر إلى المعطيات العلمية الجديدة والمتجددة وبالنظر إلى تطور الحالة الوبائية ببلادنا وعالميا، وكذا سلوكيات المواطنين والمقاولات ومختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، يمكن اختصار الوضعية اليوم في كوننا مقبلين على منطقة زوابع.
عدم احترام الاحتياطات
بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي تحت ضغط طول فترة الحجر من جهة ومستلزمات الدورة الاقتصادية، أكبر ملاحظة أنه عند بعض الناس، للأسف، ومختلف الأنشطة الاجتماعية والتجارية والاقتصادية، ليس هناك أي احترام لضرورة حمل الكمامات والتباعد وباقي الإجراءات الحاجزية، مما يؤدي إلى تزايد الحالات المكتشفة والبؤر الجديدة.
لا يجب توقع انخفاض عدد الحالات المكتشفة يوميا. ستستمر الأعداد في التراوح في المئات من الأعداد يوميا بين الـ 200 و500 حالة يوميا، وأكثر من هكذا كلما كانت هناك بؤر كبيرة جديدة ودلك بسبب رفع الحجر وخروج الناس واستئناف الأنشطة، وبسبب عدم الاحترام التام للإجراءات الحاجزية، وبسبب توسيع عدد الكشوفات اليومية.
هناك اعتقاد خاطئ جعل العديد من الناس يعتقدون أن الوباء انتهى أو أنه لا يوجد أصلا، أو أن الوباء ليس خطيرا أو أن قوة انتشاره ضعفت والوباء وشيك على نهايته.
تسارع انتشار الوباء
عالميا تطلب الوصول إلى مليون مصاب بكورونا ثلاثة أشهر كاملة. نحن اليوم أمام حوالي 12 مليون مصاب وحوالي 600 ألف قتيل.
حاليا تسجل مليون إصابة جديدة في أقل من أسبوع، وبالضبط في خمسة أيام ونصف. انتشار الوباء تسارع كثيرا ولم يتباطأ أبدا. تباطأ في الدول التي اتخذت إجراءات قوية وبفضل هذه فقط.
خطورة المرض ما زالت كما كانت عليه في البداية، صحيح لم تزدد هذه الخطورة ولكنها أبدا لم تنقص. فالحجر الصحي وعزل كبار السن والمرضى المزمنين وتطور فهم المرض وتحسن العلاجات المقدمة للمرضى، كلها عناصر ساهمت في خفض الوفيات، لكن خطورة المرض ما زالت على ما كانت عليه.
هناك عشرة عوامل نرى أنها ستعقد الأمور أمامنا خلال الأيام والأسابيع المقبلة حتى قبل عودة الموجة الثانية، منها عوامل علمية مرتبطة بالفيروس نفسه وأخرى مرتبطة بنا كونيا ومغربيا.
1- قوة أكثر من 3 إلى 6 مرات. هناك دراسة نشرت الخميس الماضي في المجلة العلمية CELL تؤكد أن هناك تحولا في الفيروس أدى إلى ازدياد قوة التكاثر في الخلايا الإنسانية، واكتسابه من خلال ذلك قوة أكبر على الانتشار. وأن نسخة الفيروس بالصين مختلفة عن النسخة الحالية D614G التي أصبحت هي المسؤولة عن أغلب الحالات عالميا اليوم، على قاعدة تحليل لأكثر من 30 ألف جينوم لحد الساعة.
الدراسة البريطانية- الأمريكية المشتركة وجدت مخبريا أن الفيروس في نسخته الجديدة له قدرة على التكاثر بخلايا الإنسان ثلاث إلى ست مرات أكثر من نسخة ووهانا. وهناك احتمال كبير جدا هو قيد الدرس أن تكون للنسخة الجديدة من فيروس كوفيد 19 قدرة هائلة على الانتشار بين الناس.
2- دراسة ثانية أجرتها جامعة كاليفورنيا تظهر أن الحمولة الفيروسية لكوفيد 19 تكون عالية في المسالك الهوائية العليا حتى قبل ظهور الأعراض عكس ٍوباء SARS-COV1 لسنة 2003، حيث الحمولة الفيروسية آنذاك كانت تهم المسالك الهوائية السفلى، وهو ما يجعل من الصعب اكتشاف المرض بناء على الأعراض في الوباء الحالي.
3- الدراسات كانت تتحدث عن 16 في المائة معدل حالات كوفيد بدون أعراض Les Asymptomatiques أي الناس الذين يصابون بالفيروس ويشفون منه دون أن تظهر عليهم أي أعراض، وهنا لا نتحدث عن حالات كوفيد 19 ما قبل الأعراض
Les Pré symptomatiques
4- اليوم هناك مؤشرات عن كون Les Asymptomatiques تبلغ نسبتهم بين 20 و40 في المائة من مجموع الإصابات وليس 16 في المائة.
5- في المغرب 98 في المائة من الحالات المكتشفة هي بدون أعراض (فيها أناس مكتشفون في مرحلة ما قبل الأعراض وآخرون لن تظهر عليهم الأعراض أبدا أي les pré symptomatiques ET les Asymptomatiques))
وهذه معطيات تطرح إشكالية كبيرة عالميا وعلى بلادنا كذلك: كيف يمكن اكتشاف الحالات الجديدة مبكرا وتتبع المخالطين إذا كان هذا العدد الهائل من المصابين هم أنفسهم لا تظهر عليهم أي أعراض ولا يعرفون أنهم مصابون أو من المحتمل أن يكونوا مصابين؟؟
6- معدل سن المصابين الذي كان في البداية فوق الستين أصبح اليوم ببلادنا أقل من 33 سنة، وهو اتجاه تعرفه معظم الدول التي وصلها المرض خلال شهري فبراير ومارس. وهذا معناه أن الشباب اليوم أصبحوا الأكثر إصابة. والاعتقاد بأن الشباب لا يشكل عليهم المرض أي خطورة ساهم في هذا الارتفاع. وللأسف، فإن الخطورة قد تهم كذلك العديد من الشباب أنفسهم بسب أمراض يعانون منها، والأهم أن عدم احترامهم للإجراءات الحاجزية يشكل خطرا مجتمعيا لا لبس فيه، إذ إن إصابتهم ستنقل بالضرورة العدوى لأماكن العمل والأسر ونقل الفيروس لكبار السن والمرضى المزمنين، وهو ما يطرح إشكالية المسؤولية الاجتماعية في حماية المجتمع وأفراده من المرض والمسؤولية المجتمعية في محاربة الوباء ومحاصرته.
7- عدم احترام التباعد وحمل الكمامات والماء والصابون وباقي الإجراءات الوقائية الأخرى من طرف بعض المواطنين، يجعلنا أمام احتمالات كبيرة للانتكاس وظهور البؤر وتفشي الوباء، وبالتالي التراجع عن إجراءات التخفيف.
في الولايات الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية مثلا، والتي رفعت وخففت من الإجراءات، تتراجع منذ أسبوعين قراراتها وبدأت بفرض إغلاق المحلات وإجبارية الكمامة والتباعد بسبب ارتفاع الحالات الجديدة لديها حتى داخل الولايات التي يحكمها جمهوريون مساندون لترامب كطيكساس وفلوريدا مثلا. علما أن الكمامة مثلا أصبحت عندهم رمزا سياسيا وإيديولوجيا من مع ترامب المناهض للإجراءات ومن ضده المنادي بها.
8- عدم التزام أصحاب المحلات والأنشطة التجارية بالإجراءات المنصوح بها يفاقم الوضع أكثر. هناك تسابق لتعويض ما ضاع من مداخيل خلال الحجر الصحي، دون أن يدرك هؤلاء أن هذا التهافت خطير على البلاد كلها وقبل ذلك هو تهافت سيؤدي إلى إعادة إغلاق هذه المحلات نفسها من جديد بسبب تكاثر الحالات. عليهم فهم أن يربحوا قليلا ولمدة أطول ومستمرة خير من أن يربحوا أكثر بضعة أيام ثم يخسروا كل شيء، اللهم قليل ومداوم ولا كثير ومقطوع كما يقول المثل المغربي.
9- إشكالية الفحوصات الموسعة وتتبع المخالطين بسرعة: عدد الكشوفات اليومية ببلادنا ولو أنه كبير جدا مقارنة مع السابق (حوالي 20 ألفا عوض المئات سابقا)، لكنه عدد ضعيف مقارنة مع متطلبات المرحلة، وخصوصا بسبب العدد الكبير من الحالات بدون أعراض. وهنا يجب التفكير جديا في اتباع وسيلة الكشف المشترك Pool Testing كاستراتيجية للكشف الموسع. وهي تقنية اعتمدتها ألمانيا منذ البداية واعتمدتها الصين وتتجه العديد من الدول إلى اعتمادها كوسيلة استراتيجية في الكشف الموسع، وهي تقنية لتجميع عدد كبير من الكشوفات في تحليلة واحدة.
10- إشكالية تتبع المخالطين في الحالة الوبائية الحالية المتميزة بتفشي الفيروس قبل ظهور الأعراض أو بدونها تماما عند غالبية المصابين: يجب التفكير في إجبارية تحميل وتشغيل تطبيق “وقايتنا” واشتراطه للولوج لعدد من الفضاءات والأنشطة، للحد من تفشي الوباء وظهور البؤر ومحاصرتها في بدايتها.
أمريكا اللاتينية تجاوزت يوم الجمعة الفارط القارة الأوروبية في عدد الإصابات بكورونا. وأصبحت الهند هي مركز الوباء بآسيا بتسجيلها أعدادا كبيرة من الإصابات جعلتها رابعة عالميا وراء الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا. الوباء يتسارع عالميا. وعدة دول أصبحت تتراجع عن إجراءات التخفيف من القيود وتفرض الإجراءات الحاجزية التي كانت قد خففت منها أو تساهلت أو استخفت بها. هناك إعادة الحجر الصحي في عدد من المناطق بدول مختلفة من العالم: كاليسيا بإسبانيا، ليستر بإنكلترا، ألمانيا، الصين، البرتغال، أستراليا …
في حالة الانتكاس أو حتى الموجة الثانية لن تكون هناك إجراءات الحجر الصحي العام إلا للضرورة القصوى جدا. ما سنشهده أكثر هو فرض إجراءات مشددة للقيود، منع أنشطة اقتصادية وتجارية واجتماعية معينة في مناطق معينة دون الأخرى، ربما حجر صحي محلي، أو حجر صحي على فئات اجتماعية دون الأخرى، عزل مناطق موبوءة عن باقي المناطق على مستوى المدن والجماعات وربما الأحياء نفسها …
الموجة الثانية قد تكون في طريقها إلى العالم وإلينا، وتزايد الحالات معناه أن الخطر سيصل لا محالة للفئات التي يهددها الاختطار أكثر، ومن ثم أقسام الإنعاش الممتلئة والوفيات، ودورة اقتصادية مشلولة… كل إصابة جديدة تفتح بابا على المجهول.
بسوء تصرفنا نجعل الوباء خارجا عن أي سيطرة ولكن لازال إلى اليوم بإمكاننا التحكم أكثر في الوباء: الكمامات، التباعد، الماء والصابون والمطهرات، تهوية المنازل والمنشآت، عدم لمس الوجه قبل تطهير اليدين…
المرض قد يكتسب خطورة أكثر، قد يتحول، قد نرى وجها جديدا للجائحة أكثر بشاعة مما رأينا… كل شيء ممكن، لكن ما هو أكيد: حماية حياتنا وحياة مواطنينا وحماية بلدنا تمر وجوبا بالاحترام الجماعي والكامل والمتواصل للإجراءات الحاجزية. تلكم مسؤوليتنا جميعا.