سدد غاري لينيكر، لاعب كرة القدم الإنجليزي التاريخي، هدفا في ملعب حكومة حزب المحافظين وضد سياساتها المناوئة للهجرة.
خرج من الفوضى التي نشبت بعد عزله عن تقديم برنامج «مباراة اليوم» على «بي. بي. سي» حاملا كأس الفوز، بعد أن امتنع المعلقون المشاركون في البرنامج ومقدمو البرامج الرياضية الأخرى عن تقديم برامجهم.
وما كان برنامجا شهيرا، يوجز أحداث اليوم الكروية، ويحظى بمتابعة عالية، أصبح دليلا على تعثر إدارة المدير العام للمؤسسة تيم ديفي، الذي يواجه اتهامات بالرضوخ لضغوط الحكومة.
لينيكر، هداف بطولة كأس العالم في المكسيك عام 1986، ليس مجرد لاعب كرة قدم متميز، سجل لمنتخب بلاده 48 هدفا في 80 مباراة. إنه لاعب مهذب اللغة. حصيف، خارج الملعب بمقدار ما كان داخله. وبالإضافة إلى سمات شخصية أخرى، فإنه محبوب من زملائه، ما دفعهم جميعا إلى الامتناع عن تقديم برامجهم أو مشاركاتهم أو تعليقاتهم.
انتقد لينيكر، في تغريدة على «تويتر»، سياسة حكومة ريتشي سوناك الخاصة بالهجرة.. وشبه لغة البيان الذي أصدرته للحد من موجة لاجئي القوارب الذين يعبرون القنال الإنجليزي بين فرنسا وبريطانيا، بأنها لغة مماثلة «للغة النازيين في ألمانيا الثلاثينيات».. فقامت دنيا الحكومة ولم تقعد.
وحيث إن السمة المعلنة لسياسات «بي. بي. سي» تزعم «الحياد السياسي»، وتمنع موظفيها من الانحياز إلى طرف أو التورط في جدل سياسي، فقد أصبح عزل لينيكر «خيارا لا بد منه».
ما لم يكن في الحسبان، من جانب تيم ديفي، هو حجم التضامن الذي حصل لينيكر عليه بعد ذلك.. حقل التغطيات الرياضية في محطات «بي. بي. سي» كله أوشك على الانهيار.
ريتشارد شارب، رئيس مجلس إدارة «بي. بي. سي»، خضع قبل أسابيع لمساءلات برلمانية، وسط شبهات بأنه حصل على وظيفته مقابل مساعدة قدمها لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون لأجل الحصول على قرض، خلال وجوده في «10 داوننغ ستريت».
وعلى الرغم من أنه رفض الاستقالة عقب هذه المساءلات، فإنه قد لا ينجو من التلميحات بأن «حيادية» المؤسسة التي تصلح لمعاقبة لينيكر، لا تصلح لمعاقبته هو.
المسألة ليست مسألة «حياد» مزعوم.. ولا هي مسألة سوء إدارة لواحدة من أشهر المؤسسات الإعلامية في العالم.. كما أنها لا تتعلق بموقف أو آخر تتخذه شخصيات اجتماعية بارزة، مثل لينيكر.. إنها مسألة تخبط عام يدفع بريطانيا إلى وضع غير مسبوق من الانقسامات السياسية.. وهو وضع استثنائي يفرض على الجميع اتخاذ موقف أو موقف مضاد، حتى ليكاد الصمت أو «الحياد» مستحيلا من الناحية الواقعية.
تغرق بريطانيا منذ عام 2016 في قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي.. السجالات بشأنها لم تنته حتى الآن.. والتعقيدات التي نجمت عنها لم تتوقف.. والخسائر الاقتصادية تزداد جلاء عاما بعد آخر.. ولكن الشيء الرئيسي فيها هو أنها قسّمت البريطانيين، وتحولت إلى نزاع دائم في ما بينهم.. امتد هذا النزاع ليهدد وحدة بريطانيا، مع تمسك الغالبية في اسكتلندا بالانفصال عن المملكة.. والأساس الذي يستند إليه الاسكتلنديون هو أنهم صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، بينما صوتت إنجلترا لصالح الخروج.
أزمة مماثلة ما زالت تجري في إيرلندا الشمالية، حول ما إذا كان يمكن بقاء الحدود مفتوحة بين الإيرلنديتين، دون أن تتأثر روابط الشمال ببريطانيا.
زادت الانقسامات حدة عندما كشفت هذه القضية عن نفسها كقضية قامت على وعود جوفاء ومبالغات وأكاذيب.
في سياق الفوضى، أصبح المهاجرون «كبش فداء» ملائما للشعبوية التي صنعت «بريكست». من ناحية، لابتداع سجال آخر.. ومن ناحية أخرى، للتغطية على الضغوط الاقتصادية التي تعانيها بريطانيا أكثر مما عانته دول الاتحاد الأوروبي.
أحد أبرز مفارقات الشعبوية هو أن رئيس الوزراء، سوناك، ووزيرة داخليته، سويلا بريفرمان، من أصول هندية مهاجرة. من هذه الناحية، تبدو محاربة اللجوء بوسائل تعسفية نفاقا زائدا على الحاجة، أو على الأقل نكرانا لجميل الاستيعاب الذي وفر لهما الفرصة.
بريطانيا ليست عاجزة عن احتواء أزمة المهاجرين.. وهي ليست بحاجة إلى اتباع سياسات متطرفة ضدهم، من قبيل الترحيل القسري إلى دول ليس مشهودا لها باحترام حقوق الإنسان.. واقتصادها بحاجة إلى أيد عاملة جديدة.. وثمة قطاعات مهمة، مثل الزراعة والخدمات، تعاني نقص الأيدي العاملة، ما يترك أثرا سلبيا على فرص النمو.
ودون معدلات نمو تزيد على 2 بالمائة، على الأقل، سنويا، فلن تخرج بريطانيا من محنة التضخم وارتفاع تكاليف الديون.
لينيكر سدد هدفا في ملعب الحكومة وليس في ملعب «بي.بي.سي».. هذه المؤسسة تسدد الأهداف على نفسها، منذ أن أصبحت أداة ترويج للبريكست.
علي الصراف