يونس جنوحي
آن للطلبة المغاربة بألمانيا أن يتنفسوا الصعداء. الانفراج في العلاقات الألمانية المغربية، ومبادرة القيادة الجديدة في برلين لإعادة العلاقات مع المغرب، كانا مطمئنين لمئات العائلات المغربية التي يود أبناؤها متابعة دراستهم العليا في الجامعات والمعاهد الألمانية، وأيضا لطلبة معهد «غوته» الذين يلجؤون إلى المعهد للحصول على شهادة اللغة، التي تخول لهم الحصول على التأشيرة ولم الشمل العائلي.
بسبب تدهور العلاقات بين البلدين خلال العام الماضي، والقرار الألماني الذي علق تأشيرات الدراسة للشباب المغاربة، تأثرت حياة مئات الشبان المغاربة، الذين كانوا يطمحون إلى الحصول على الشهادات العليا في الهندسة الرقمية والتخصصات الدقيقة، التي يأتي طلبة من مختلف أنحاء العالم لمتابعتها في ألمانيا.
ورغم أن القرار الألماني كان مجحفا في عهد القيادة السابقة، إلا أن التراجع عنه سوف يكون بمثابة تصحيح للمسار، واستعادة الراغبين في متابعة دراستهم العليا بألمانيا لبعض الأمل.
الطلبة المغاربة يوجدون في كل مكان في العالم، في الصين وفي تركيا وفي فرنسا. مئات الأسر تضطر سنويا إلى الحصول على قروض بنكية، لتوفير الشروط المالية للمعاهد الأجنبية، وأيضا شروط السفارات التي تفرض توفر الطالب على حساب بنكي بأكثر من خمسة أصفار، لمنحه فرصة متابعة الدراسة في الخارج.
بعض هؤلاء الطلبة يعانون من العنصرية، خصوصا في فرنسا، حيث يوجد أساتذة على شاكلة «إيريك زمور»، يحتقرون المغاربة ويعتقدون أن مكانهم الطبيعي يوجد في أنفاق الميترو والمهن من الدرجة الخامسة، وليس في مدرجات الجامعات ومناقشة الأفكار.
التوجه العام في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، أفرز أفواجا من الطلبة المغاربة في الجامعات الأجنبية، الذين يركزون على التخصصات التقنية وعلى رأسها الهندسة، في مقابل انقراض توجه الطلبة المغاربة في الخارج إلى دراسة العلوم الإنسانية، والتخصص في علم الاجتماع والفلسفة والأدب.
النخب السياسية التي قادت التغيير في الدول العربية والإسلامية، خلال النصف الأخير من القرن الماضي، أغلبها درس العلوم السياسية والتاريخ والأدب والقانون بالجامعات الأوروبية، وعاد إلى بلدانهم بكفاءات في اقتراح الدساتير والإصلاحات القانونية والسياسية. وأبرز هؤلاء، الزعيم الوطني محمد بن الحسن الوزاني الذي كان أول مغربي يحصل على أعلى درجة علمية جامعية في العلوم السياسية، في ثلاثينيات القرن الماضي.
كما أن امحمد الدويري، الذي أصبح لاحقا أحد أبرز قيادات حزب الاستقلال، كان أحد المهندسين الأوائل الذين تخرجوا من فرنسا بدرجة التفوق سنة 1950، وعاد فورا إلى المغرب للاشتغال في مجال تخصصه، حيث أصبح وزيرا للتجهيز بعد الاستقلال، ورفض عرض شركة فرنسية مرموقة للاشتغال مهندسا معها.
شأنه شأن الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي تفوق بدوره في فرنسا ولم يقبل العمل بالمستشفيات الفرنسية، رغم العروض التي تلقاها، وعاد إلى المغرب ليفتح عيادته بالدار البيضاء، خلال الفترة نفسها. بالإضافة إلى الدكتور المغربي بنزاكين، الذي أصبح أول وزير للصحة في المغرب بعد الاستقلال، والذي كان هو الآخر من المتفوقين في دفعة الأطباء، خلال منتصف الأربعينيات. ورغم الحاجة في فرنسا إلى الأطر الطبية والكفاءات العلمية، بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن هؤلاء المذكورين أعلاه عادوا كلهم إلى المغرب.
اليوم، يصعب أن تجد طالبا مغربيا يريد العودة إلى أرض الوطن، بعد إنهاء مساره العلمي في الخارج. والذريعة غياب الضمانات، رغم أن بعض الكفاءات في كندا على وجه الخصوص قررت العودة إلى المغرب، لفتح مشاريعها الخاصة، واتخذت القرار رغم أنهى أنجبت أبناءها في كندا، وبعض هؤلاء ينشرون اليوم تفاصيل حياتهم الجديدة بالمغرب، في «السوشل ميديا»، ويحاولون توضيح إيجابيات وسلبيات الدراسة والاستقرار في الخارج، والفرق بينها وبين إقامة مشاريع خاصة في المغرب.
بل إن هناك طلبة مغاربة لا ينخرطون فعليا في الدراسة العليا بالخارج، ويتخذونها ذريعة فقط لكي يبقى وجودهم فوق التراب الأوروبي قانونيا، إلى أن يتدبروا أمور «الأوراق».
عاد المتفوقون في التخصصات العلمية بأوروبا إلى المغرب، أيام الاستعمار، رغم أن البلاد لم تكن تتوفر حتى على مستوصف في منطقة نائية. واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يفضل شباب اليوم توزيع البيتزا فوق دراجة نارية في باريس، على العودة إلى المغرب. صدق من قال فعلا إن بعض المحسوبين على هجرة الأدمغة لم يكونوا يتوفرون عليها، منذ البداية.