شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

نيكيتا خروتشوف: لوح بحذائه في الأمم المتحدة كما يفعل الفلاحون الروس

ألقى الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتوشف سنة 1956 خطابا في البرلمان الروسي «الدوما»، وندد فيه بجرائم الرئيس ستالين ضد الشعب، وبعد أن أنهى كلامه جاءته رسالة من أحد الحاضرين كتب فيها: «لماذا لم تقل هذا الكلام أمام ستالين، والمعروف أنك من كبار رجاله؟». وابتسم خروتشوف وقرأ الرسالة على الحاضرين، ثم طلب من صاحب الرسالة أن يعرف نفسه، ولما طال الصمت ضج بالضحك وقال: «ليكن في معلوماتك يا صاح أننا في الهواء سواء، فموقعك اليوم بالنسبة إلي – الذي دعاك إلى السكوت – مثل موقعي بالأمس بالنسبة إلى ستالين». ومن الطرائف المثيرة أن خروتشوف تحت قبة الأمم المتحدة، أثناء انعقاد الدورة الخامسة عشرة عام 1960، وبحضور رؤساء الدول وملوكها، كان يهتز غضبا مما ورد في خطاب مندوب الفلبين ضد الاتحاد السوفياتي، ثم خطاب رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان ضد السوفيات أيضا. فما كان من زعيم الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، إلا أن انحنى من مقعده إلى الأرض ليرفع حذاءه ضاربا به طاولته، وسط دهشة الجميع، وخجل وزير خارجيته، أندريه جروميكو. وحدث أن كان خروتشوف في أحد احتفالات الكرملين واقفا مع الزعيم اليوغسلافي تيتو، ثم هرول فجأة ليسحب بيده مسؤولا سوفياتيا كبيرا من كمه، لتنفجر القاعة بالضحك والنكات.

 

فلاح تزعم الحزب الشيوعي السوفياتي

كان نيكيتا خروتشوف، الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي السوفياتي، أحد أشهر الساسة العالميين، قبل أن يطيح به رفاقه عام 1964. وبالإضافة إلى دوره السياسي، فقد كان لخروتشوف بُعد إنساني صاخب بمعنى الكلمة تجسد في عدد كبير من القفشات، والمداعبات الجارحة، والتعليقات الساخرة المؤلمة في بعض الأحيان، وهي بمجملها عكست جوهره كفلاح سمحت ظروف الدولة الشيوعية بأن يترقى حتى وصل إلى قمة الدولة العظمى الثانية في العالم، لكنه ظل على بدائيته وتلقائيته: ألفاظه جارحة ضد العدو الرأسمالي والرفاق الشيوعيين على حد سواء، وتذكّر بطرائف الأعراب في جزيرة العرب.

نيكيتا خروتشوف لم يكن إيديولوجيا يرتاح للمكاتب الفارهة، فقد اكتسب صيته من نجاحه في أعمال وطنية كبيرة، فهو الذي أشرف على بناء ميترو موسكو الشهير، وأثناء الحرب العالمية الثانية أشرف على نقل المصانع من غرب روسيا إلى شرقها، تفاديا لتدميرها أو نهبها على أيدي الغزاة النازيين، وفي الحرب كان المسؤول السياسي في معركة ستالينغراد التي تعد إحدى المعارك التي غيرت مسار الحرب.

غلبت بدوية خروتشوف التقاليد الدبلوماسية والمراسيم الملكية العريقة أينما حل، والناس يسمعون عن غضبته الشهيرة وهو يقف على منصة الأمم المتحدة حتى وصل به الأمر أن يخلع حذاءه ويضرب به المنصة، احتجاجا على ممارسات الإمبريالية. لكن في سجل بداوته حكايات عديدة، واحدة سجلها بحسرة وزير خارجيته ديمتري شيبيلوف، بعد لقاء مع رئيس فنلندا، حيث ظل خروتشوف طوال الاجتماع يهرش صدره وتحت إبطيه، وكأن ملابسه مملوءة بالقمل والبراغيث!

 

يلقي النكت بمناسبة وبدونها دوما

أثار خروتشوف إعجاب رموز الأرستقراطية الإنجليزية في حفل استقبال نظمته الملكة إليزابيث الثانية على شرفه، وجعلهم يضحكون بهستيريا وهم يدقون على المائدة بالملاعق والسكاكين إعجابا بكلامه، عندما وقف ينتقد المستعمرين الإمبرياليين في عقر دارهم، والذين يصورون الروس وحوشا وحيوانات.. ولإثبات كذب هذه الدعايات، استدار فجأة أمام المدعوين وانحنى مبرزا لهم مؤخرته، بعد رفع ذيل معطفه وهو يقول: انظروا.. هل يوجد معي ذيل؟

ووصلت بداوته منتهاها، وهو يسأل مدير المراسيم البريطاني مشيرا إلى الأمير فيليب، زوج الملكة:

– قل لي: ماذا يعمل هذا الرجل؟

وجحظت عينا المدير وهو يجيبه مفزوعا: سيدي، هذا.. هذا زوج الملكة!

فرد عليه باستهتار: لا.. لا.. أنا أقصد: ماذا يعمل في النهار؟

أما الزعيم الصيني ماو تسي تونغ خصمه اللدود فلم يسلم أيضا من لسان خروتشوف، على خلفية دعوة الأول إلى الثورة المستمرة، واتهام الصين للروس بمهادنة الإمبريالية، دون مراعاة حقائق ميزان القوى العالمي، ومع حقيقة أن الصين لم تكن تملك إلا الإدانات اللفظية تجاه الاعتداءات الأمريكية، سخر خروتشوف في رسالة بعثها إلى ماو من سياسة التطرف الماوي قائلا: «إن حالك مثل حال زوج يضبط زوجته كل يوم في الفراش مع رجل غريب، وهو كل يوم يهددها بالطلاق، لكنه لا يفعل».

وحتى تعليقاته على الأحداث العالمية كانت بالقدر نفسه من السخرية، فالحزبان الجمهوري والديمقراطي اللذان يتداولان الحكم في واشنطن وصفهما بأنهما «حذاءان لنفس القدم»، وعندما رأى الجماهير المصرية أثناء حفل تدشين تحويل مجرى النيل تهتف وتصفق بجنون لكلمة الرئيس العراقي عبد السلام عارف، على عكس ما حدث معه، أصابه الغيظ وأعلن استغرابه لكل هذا التأييد للرجل المِعزة.

وفي ذروة أزمة سور برلين (1960) وصف الجنرال لوسيوس كلاي، ممثل الرئيس الأمريكي كينيدي، بأنه يصلح لأن يكون جنرالا، كما أصلح أنا لأكون صانع أحذية، ومرة وصف نيكسون، نائب الرئيس إيزنهاور، بأنه محدود الذكاء لا يوحي بالاحترام، كأنه حانوتي حقير محتال لا يتورع عن بيع سمك الرنجة الفاسدة أو السكر المشبع بالكيروسين.

وفي يوم شارك وزير إعلام كينيدي الصحافي الشهير بيير سالينغر في رحلة صيد الحمام في ميدان خاص، لكنه لم يصب إلا واحدة في ست محاولات، فعلق على فشله: «لا بأس.. لدي جنرالات لا يستطيعون أن يصيبوا شيئا أيضا». وبعد أن راح يحدث ضيفه الأمريكي طويلا عن الزراعة، توقف ليقول: «لا أعرف لماذا أضيع وقتي معك.. إنك لا تعرف شيئا عن الزراعة.. لكن لا بأس فحتى ستالين كان لا يعرف شيئا عن الزراعة».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى