يونس جنوحي
أرفع جائزة في العالم تبقى هي جائزة نوبل بكل فروعها شط الأدب إلى محيط العلوم. لكن هل نالها كل من استحقوها فعلا؟ أم أنها صارت مُسيسة.
المغاربة ونوبل لا يلتقيان. رغم التأشيرات ووصولنا إلى أرفع مراكز الأبحاث وأكثرها تعقيدا، بل ووقوف مغربي لوحده لكي ينتج للعالم البطاريات التي كانت وراء ثورة الاتصالات الحديثة، إلا أننا لم نضرب موعدا مع نوبل بعدُ.
قد نفهم لماذا لا نصل إلى نوبل لـ «الآداب»، لأننا لا نزال في أول الطريق وأيضا لأن أفلامنا تُشبهنا بسيناريوهاتها المكتوبة على عجل، لكن ألا يصل أي مغربي إلى منصة التتويج وحده في مجال البحث العلمي رغم أن المغاربة بصموا فعلا وبقوة، فهذا أمر يجب أن نتوقف عنده.
«ماكينة» حصد الألقاب صنعتها دول كثيرة في باحتها الخلفية وتعمل على ترسيخ ثقافة هيمنتها على البحث العلمي والأدب لعقود، رغم أن بعض الحاصلين على «النوبل» كانوا موضوع نقاش في ظل وجود من يستحقها أكثر منهم في أماكن أخرى من العالم.
أما نوبل لـ «السلام» فتستحق صفتها فعلا، لأنها مُنحت في مرات كثيرة لشخصيات، في سبيل عقد «السلام» معهم حتى لا تطول حماقاتهم دول أخرى.
فرنسا فرحة هذه الأيام لأن «آني إيرنو» أحرزت نوبل للآداب هذا الأسبوع. بحر من التعاليق والآراء، منها من يعتبر أن منح جائزة نوبل في صنف الآداب لرواية باللغة الفرنسية ضرب من الجنون يشبه تماما الاستثمار في البترول في ظل زحف السيارات الكهربائية. لكن آخرين ذهبوا إلى تقييم أعمالها الأدبية، على اعتبار أنها الآن في عقدها الثامن، وخلصوا إلى أن هناك من يستحقها أكثر منها هذا العام.
عادت الجائزة إذن إلى الوراء. إلى نفس السنة التي حصل فيها المغني وكاتب الكلمات الشهير «بوب ديلان»، الذي يعتبره الكثيرون حول العالم ثقافة لوحده، على نوبل للآداب. وقتها أحس كُتاب أرستقراطيون بالإهانة لأن اسما فنيا من عالم المنصات والأضواء قد سرق منهم الجائزة التي
طالما حصل إليها رجال بربطة عنق ونساء بفساتين طويلة.
ما معنى إذن أن تحصل كاتبة فرنسية على نوبل للآداب؟ عندما حصل عليها الكاتب المصري نجيب محفوظ في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عاب الكثيرون على الجائزة أنها مُنحت لعربي، رغم أن اللغة العربية مصنفة جيدا وتتحدث بها دول كثيرة تمثل نسبة محترمة جدا من سكان الكوكب. بينما اللغة الفرنسية لا يتحدثها اليوم إلا الفرنسيون وما تبقى من أطلال المستعمرات وأبناء الذين يدرسون في التعليم الخاص ويعيشون جوا خاصا بهم يعتقدون وسطه أن أشهر أفلام هوليوود يتحدثون فيها فعلا الفرنسية.
دائما، عندما يحصل كاتب ما على نوبل للآداب، تنهال عروض الترجمة إلى اللغات كلها، بما فيها لغات الأقليات. بينما كان هناك كُتاب استحقوا فعلا نوبل لأن أعمالهم تُرجمت إلى عشرات اللغات حول العالم قبل أن تُتوج.
نوبل جائزة مرموقة، والحصول عليها يشبه استخلاص وصل من العالم بالبراعة. لكن عندما ابتلت شهادتها بسوائل السياسة، أصبح حصول بعض الأسماء عليها مُزعجا ويصدر رائحة كلما لوح بها صاحبها في وجه الجمهور.
هناك من استحقوا نوبل في كل التصنيفات، وماتوا دون أن يصعدوا منصة التتويج. في الآداب، يختلف الأمر قليلا عن العلوم. هناك حيف كبير في تقييم «الذوق» والأسلوب. أحيانا، يجب على الكاتب أن يموت لكي يعترف له المُقبلون ولو بعد قرون، بأنه كان فعلا متفوقا على أبناء جنسه، وألا أحد فهمه منهم. وهذا ما يقع دائما مع الأدباء الكبار الذين وصلوا إلى العالمية، دون أن يلتفت إليهم أحد من أعضاء اللجنة.