شوف تشوف

الرئيسيةتقاريررياضة

نهاية مؤرخ كروي

لم تعد مدرجات الملاعب مجرد مكان لجلوس المشجعين وفضاء للتصفيق. ففي زمن «الألتراس» أصبح «الفيراج» ميدانا يجتمع فيه مشجعون ليسوا كباقي المشجعين. لم يعد المكان باحة استراحة أسبوعية للمناصرين، بل قطعة من ملعب لها سيادة وقيادة ونظام مرور وفوضى أحيانا ومخفرا للمخبرين.

حين يبتلع رؤساء الفرق المغربية ألسنتهم وتجف أقلام البلاغات، تنتفض المدرجات وتعلن حضورها في المشهد الرياضي والسياسي والاجتماعي.

حين دخل اللاعب والمدرب السابق للجيش الملكي عزوز بلفايدة قبو النسيان، رفعت مجموعة «الكورفا تشي»، الفصيل المشجع لنادي الجيش الملكي لكرة القدم، لوحة «كوليغرافية» فنية حملت اسم الراحل في أربعينية الفقيد عرفانا بما قدمه للعساكر.

ولأن الفقيد لم يكن مجرد لاعب مارس هواية تسجيل الأهداف، ومدرب عاش في ظل فاريا، بل كان كاتبا مؤرخا، حين «علق» اللاعبون أحذيتهم، لذا كتب الأنصار لافتة ركزت على الجانب التوثيقي للرجل بعبارة: «حفظ التاريخ من النسيان».

مات بلفايدة وهو يردد سؤاله الاعتيادي: ما الفائدة من أن تكون قادرا على كتابة أي شيء في عالم الكرة، ولست قادرا على تغيير أي شيء في عالمها المسكون بالتقلبات؟

مات عزوز دون أن يشعر به أحد، وضعوه في تابوت ثم سلموه لحفار القبور وقالوا له ابحث له عن قبر، وثلة من فقهاء المقابر وماء عطر.

ما أقسى الموت يوم المباريات على الرياضيين، ما أصعب الرحيل في يوم تكون فيه الملاعب قبلة للجماهير.

لكن بلفايدة المدرب/ الكاتب، مات مرات عديدة قبل أن يموت بقرار طبيب شرعي وترخيص محافظ المقبرة. مات حين سقط اسمه من لائحة المنتخب الوطني المغربي قبل التوجه إلى مونديال 1970 بالمكسيك، لكنه أصر على السفر ولو كمسؤول عن الأمتعة، فكان له ما أراد.

مات عزوز حين ظل يعيش في ظل مدربي الجيش والمنتخب، فلازمته صفة «مساعد» مع كليزو وباريناغا وفاريا، كلهم ماتوا وفي قلبهم غصة ألم، استأذن عزوز القدر فالتحق بهم بعد أن أكمل سيرة «رجل في الظل»، واستحق أن يحجز له قبر الجندي المجهول.

مات عزوز حين استوقفه حارس خاص أمام بوابة الملعب وأخضعه لاستنطاق دقيق، قبل أن يسمح له بولوج المدرجات، علما أنه مسجل أول إصابة في تاريخ الجيش الملكي.

في كتابه «الجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية.. تاريخ معلمة كروية» يعلن الرجل نفسه شاهدا على عصر العساكر، يتحدث عن زمن كان فيه «البرمسيون» المنحة المفضلة للاعبين أغلبهم مجندون في الجيش المغربي بجميع فصائله.

كان الفريق يتمتع بعناية فائقة من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، بل وكان يحرص على متابعة الحصص التدريبية، بل إن تعيين المدربين لا يتم إلا بتزكية الملك وهو ما يدل على شغفه بحب الكرة والجيش الملكي تحديدا.

صحيح أن الجيل الحالي لمناصري العساكر يدين اليوم بالولاء لسليم وحريمات وفاتي، ويعرض عن ذكر خيري والفاضلي ودحان وحميد ونجوم زمن كان فيه الفريق العسكري يبسط سيطرته على الكرة المغربية، لكن لا حاضر بدون ماض.

ليس عزوز البطل الوحيد الذي توقف لديه عداد الكتابة وحال المرض دون تنشيط الذاكرة، فقد جفت أقلام كثير من أساطير الكرة المغربية، حين داهمهم التنكر والجحود، وتحولوا في نهاية المطاف إلى زبناء للصيدليات ومراكز التشخيص الطبي، دفنوا في صمت وتلقت أراملهم الثكلى وعودا في ليلة التأبين، وحين تخلصن من ثوب الحداد وحاولن الاتصال بأصحاب الوعود تصدت لهن علبة صوتية تقول: «مخاطبكم مشغول المرجو ترك رسالتكم».

حسن البصري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى