![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2025/02/NwMveIuoAZsTknLhWJ0gpOPiGaC8D2jq3SoJXbBE.webp)
النعمان اليعلاوي
تعيش المؤسسات الاستشفائية التابعة لعمالة مكناس أزمة خانقة بسبب النقص الحاد في أطباء التخدير والإنعاش، ما أثر بشكل مباشر على الخدمات الطبية المقدمة، خاصة في مستشفى محمد الخامس والمستشفى الإقليمي بميدلت. هذا الوضع، الذي وصف بـ«المهول»، بات يهدد بتوقف العمليات الجراحية العاجلة ويؤثر على التدخلات الطبية الضرورية، ما يضع المرضى في مواجهة مخاطر صحية جسيمة.
ووفقًا لمصادر صحية، فإن هذا الخصاص تفاقم بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة، سيما بعد إحالة عدد من الأطباء على التقاعد دون تعويضهم، ما أدى إلى اعتماد طبيب واحد فقط في هذا التخصص على مستوى معظم المؤسسات الاستشفائية بالعاصمة الإسماعيلية، التي تضم قرابة مليون نسمة. وتكمن خطورة هذا الوضع في أن العمليات الجراحية والتدخلات الاستعجالية تتطلب وجود فريق متكامل من أطباء التخدير والإنعاش لضمان سلامة المرضى.
وتشير الأرقام إلى أن عدد أطباء التخدير والإنعاش في القطاع العام بمكناس تراجع بشكل مخيف من 196 طبيبًا خلال فترة ما قبل جائحة كوفيد-19 إلى ما بين 28 و32 طبيبًا فقط حاليًا، ما يعكس أزمة حقيقية قد تؤدي إلى انهيار القدرة الاستشفائية في هذا المجال الحيوي، في وقت أشارت مصادر «الأخبار» إلى أن مستشفى الحسن الثاني يتوفر على طبيب إنعاش واحد فقط، فيما يتوفر أحد المستشفيات الخاصة على ثمانية أطباء للإنعاش.
أمام هذا الوضع المتأزم، لجأت الجهات المسؤولة إلى حلول وصفها المتابعون بـ«الترقيعية»، من خلال تكليف إحدى الجمعيات بالتعاقد مع أطباء للتخدير والإنعاش لتعويض النقص، بناءً على شراكة مع مجلس العمالة. غير أن هذا الحل المؤقت لا يتماشى مع معايير الجودة التي تتطلع إليها وزارة الصحة، ولا يضمن استقرار المنظومة الصحية على المدى الطويل.
في هذا السياق، تساءلت جهات طبية ونقابية عن جدية الحديث عن إصلاح المنظومة الصحية في ظل استمرار النزيف الحاد في الكفاءات الطبية، وعدم قدرة القطاع العام على الاحتفاظ بأطباء متخصصين في التخدير والإنعاش، الذين يفضلون التوجه نحو القطاع الخاص أو «الهولدينغات» الصحية الوطنية والدولية التي توفر ظروف عمل أفضل.
وانعكست أزمة النقص الحاد في أطباء التخدير والإنعاش بشكل مباشر على المستشفيات، حيث توقف المركب الجراحي لمستشفى مولاي إسماعيل منذ حوالي أربعة أشهر بعد مغادرة طبيب التخدير والإنعاش الوحيد، ما أدى إلى تعطيل عدة عمليات جراحية، منها جراحة العيون، وخاصة عمليات إزالة المياه البيضاء، إضافة إلى جراحة الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الوجه والفكين.
ولم يكن مستشفى محمد الخامس في مكناس في منأى عن الأزمة، حيث توقف مركبه الجراحي المركزي لأكثر من 20 يومًا بسبب وجود طبيب تخدير واحد يخدم جميع مستشفيات المدينة. ورغم تحرك جراحي المستشفى ومراسلتهم للإدارة، إلا أن الحلول الفعلية لم تُطرح بعد، ما ينذر بمزيد من التدهور في الخدمات الصحية.
وأصبح من الضروري أن تتدخل وزارة الصحة بشكل فوري لوضع استراتيجية مستدامة تضمن توفير أطباء التخدير والإنعاش في المستشفيات العمومية، سواء من خلال تحفيز الأطباء على العمل في القطاع العام، أو عبر توظيف أعداد كافية من الخريجين الجدد أو تحسين ظروف العمل لجذب الكفاءات.