نقابيون في صف الكرة
حسن البصري
حين تسأل لاعبا مغربيا عن النقابة فإنه يختزلها في التكتلات والأحلاف التي يعرفها الفريق، بين تيار يمثل لاعبين من صلب النادي وآخر يمثل فئة اللاعبين المستوردين وثالث يناصر لاعبي الأنابيب. لكن في زمن الاحتراف والمنح الدسمة تسقط النقابة وتذوب الخلافات وتلتحم المشاعر من أجل الحوافز التي تلغي الحواجز.
لكن الزعماء النقابيين يسقطون في امتحانات الكرة، وحين يجلسون على كرسي الرئاسة ترمي بهم نتائج الفريق بعيدا عن الملاعب، لأن شغيلة الكرة وجماهير اللعبة الأكثر شعبية لا تؤمن بالخطب الحماسية ولا تتمايل إلا حين تلامس الكرة شباك الخصوم وترفع الكؤوس وتتعالى صيحات التكبير.
رغم أن المحجوب بن الصديق من مواليد مكناس وكان عاشقا لفريق السككيين، إلا أنه أحب الرجاء البيضاوي وجعل النقابة في خدمة فريق يسيطر على قلوب شخصيات في محيط زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل، رغم أن مقرها يوجد في تراب معقل الوداد.
لكن الرجاء البيضاوي كشف عن نواياه النقابية حين فاز بأول لقب لكأس العرش في تاريخه سنة 1974، فقرر مسؤولو الفريق إهداء الكأس لأول زعيم نقابي في تاريخ المغرب، وهو المحجوب بن الصديق الأمين العام السابق للاتحاد المغربي للشغل وهو في زنزانته داخل سجن «اغبيلة»، في إشارة إلى ارتباط النادي بهذه النقابة العريقة، التي كانت تعتبر الفريق الأخضر ذراعها الرياضي، وحين غادر المعتقل أقيم حفل على شرف الزعيم المفرج عنه.
ظل ملعب الرجاء بالوازيس يحتضن نهائيات الكؤوس العمالية المنظمة من طرف التنظيم النقابي، فضلا عن وجود العديد من المسيرين الذين شغلوا مهاما في نقابة بن الصديق آخرهم عبد السلام حنات ومصطفى دهنان. لكن في الضفة الودادية كانت هناك وجوه نقابية من «ليمتي» أبرزها عبد القادر السملالي أحد قيادات نقابة الكهربائيين، ومؤسس بطولة النقابة، إلا أن هذا الأخير لم يخترق مكتب الوداد الذي كان محصنا من طرف زعماء أحزاب.
وإذا كانت نقابة الاتحاد المغربي للشغل محسوبة على الرجاء في فترة من الفترات، فإن زعيم نقابة الاتحاد العام للشغالين عبد الرزاق أفيلال كان متيما هو وأبناؤه بحب الاتحاد البيضاوي، بل إنه ساهم في تشغيل عدد كبير من اللاعبين حين كان يمسك بالسلطة النقابية ويتحكم في كثير من القطاعات الإنتاجية.
وعندما انتخب مزوار زعيما لنقابة الباطرونا، انفتحت شهيته لكرسي رئاسة الرجاء البيضاوي، التي كان يوما مديرها، لكن رجال أعمال نصحوه بمسح الحلم من دماغه، وفي لحظة زهو وجد الرجل نفسه منصهرا في ترديد نشيد «في بلادي ظلموني»، وهي أغنية يمنع ترديدها بربطة عنق.
أما محمد يتيم، الكاتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للشغل سابقا، فكان لاعبا لكرة القدم في فريق سباتة، لكنه اختار الصف الحزبي وعلق حذاءه في مقر حزب العدالة والتنمية، قبل أن يصبح لاعبا أساسيا في تشكيلة الحكومة ويسقط مرات عديدة في مصيدة التسلل.
في آخر ولاية الجنرال حسني بن سليمان على رأس جامعة كرة القدم، قرر مجموعة من رؤساء الفرق بزعامة محمد الكرتيلي إنشاء تنظيم نقابي، أطلق عليه بعض الماكرين اسم «النقابة الحرة للمسيرين»، لكن الجامعة «نقبت» النقابة في جحر عينيها وحولتها إلى كيان أعمى، ومنذ ذلك الحين لم يعد لرؤساء الفرق تنظيم نقابي يؤويهم من خوف.
ليس الانتماء للنقابة شرط عين لممارسة الحق في الإضراب، فكثير من مستخدمي الملاعب حملوا الشارات ونظموا وقفات احتجاجية وليس في جيوبهم المثقوبة سوى تيار هواء، وكثير من لاعبي الأمس صنعوا أفراح الجماهير وناموا على وسادة الخصاص.
انسحب النقابيون والوزراء من ملاعب الكرة، واستولى على الفرق مسيرون أشبه بزعماء عينوا في مكاتبهم رؤساء دواوين ومستشارين وحرسا خاصا ووضعوا في الدرج مقصا للتدشينات.
في بلادنا ليس من حقك كمنخرط أعزل أن تتطلع إلى منصب زعامة، فهو مثل مقاعد الأتوبيس مخصص لكبار السن.