شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

نعيمة والدراج

حسن البصري

شاءت الصدف الماكرة أن ترحل عنا المطربة نعيمة سميح في اليوم العالمي للمرأة، حول الفقد عبارات التهاني إلى كلمات عزاء، واستبدلت باقات الورود بابتهالات.

ولأنه لا تدري نفس بأي أرض تموت، فقد ماتت نعيمة بعيدا عن درب السلطان مسقط الرأس والقلب، ودفنت في مقبرة بابن سليمان حيث المرقد الأبدي لزوجها مصطفى بلقايد.

نعيمة ليست مجرد صوت غنائي نسوي، اعتزل الشذو حين حاصره المرض، ليست صائدة “كاشيهات” بعد تقاعدها الفني، ليست من طينة فنانات “لكلاشات” ومعارك وسائط التواصل الاجتماعي. في خلوتها كانت تهوى جمع الحسنات في الوقت الذي تسابقت كثير من الفنانات على جمع “اللايكات”، ونفخ ملامح الوجوه والأرصدة والارتماء في حضن وصلات إشهارية تراهن على قوامهن أكثر من فنهن. بينما لازمت نعيمة الفراش وكان آخر إشهار شاركت فيه يتعلق بالترويج لفراش طبي.

في المنصورية جمعني لقاء عابر بنعيمة، عرضت عليها عبورا في برنامح “غلطة العمر”، فانتزعت منها ابتسامة مصحوبة باعتذار لطيف.

ارتبطت نعيمة ببطل في رياضة الدراجات الهوائية، فركبا سويا “بيكالا” الحياة وانطلاقا سويا في رحلة العمر.

نسج مصطفى بلقايد ونعيمة سميح علاقة حب في درب السلطان، خلال بداية السبعينات، خطف الدراج قلبها وتحول إلى راع رسمي لها، وكان من ثمرة هذا الارتباط “شمس” بعث الدفء في البيت.

كان بلقايد واحدا من نجوم الدراجة المغربية إلى جانب الكورش ولشهب والنجاري، زادت نعيمة إعجابا به حين تمكن من خطف الأضواء في طوافات المغرب. وحين اعتزل اللعبة تحول إلى وكيل أعمال ساهم في تنظيم مجموعة من التظاهرات الرياضية، فضلا عن تنظيم حفلات كبرى لزوجته نعيمة في كثير من الدول العربية والأوربية.

تبين أن وراء كل عظيم امرأة ووراء كل عظيمة بطل في سباق الدراجات يدير مشوار زوجته بمنطق الطواف. لكل محطة تدبيرها وتكتيكها ولكل رتبة لون قميص وطوق ورود.

قاد بلقايد نعيمة إلى العالمية، وجعل منها فنانة تونس الأولى مناصفة مع علية، وفي الجزائر غنت وردة “ياك أجرحي” بكثير من الزهو والافتخار، وفي خيمة جماهيرية القذافي نافست ذكرى التونسية وأصالة السورية، بفضل قدرتها على الجمع بين الإحساس العالي المرهف وعذوبة صوتها وملامحها المغربية الأصيلة.

حين اعتزل مصطفى الدراجة اختار الاستقرار رفقة رفيقة دربه في مدينة ابن سليمان، التي سقط في حبها من أول سباق على الطريق، هناك كان سباقا للمبادرات الإنسانية دون أن يتخلى عن دراجة أصبحت جزءا من أثاث البيت.

تحول بلقايد إلى متعهد تظاهرات رياضية وفنية واجتماعية، كان وراء تنظيم مباريات ودية في أوروبا للوداد ومعسكرات للرجاء، بل كان له الفضل في إقناع المدرب جيست فونتين بتدريب المنتخب المغربي في نهاية السبعينات، كما عرف بتنظيم تظاهرات في “الكاتش” الاستعراضي، ومهرجانات للأغنية الملتزمة في المغرب وخارجه.

حين جثم المرض على جسد نعمية وأظهرت الكشوفات وجود فقر في الدم رافقها في رحلة علاج طويلة في أوروبا، وبعد التعافي غنت “ياك أجرحي” فأصبحت الأغنية تعني جروح وندوب الجميع.

بعد صراع طويل مع المرض، مات الزوج وظلت الدراجة يتيمة في ركن من البيت شاهدة صامتة على العصر، دخلت في ظلمة الألم حزنا على الفقيد فرددت “غاب عليا لهلال”، و”أمري لله” و”وعدي” بكل ما تحمله هذه القطع الغنائية من تقليب للمواجع وبكاء على الذي مضى، وعجز عن مواجهة الفقد.

كانت أغلب أغانيها تخاطب الوجدان وتستفز أحيانا المشاعر المرهفة وتتحول إلى آهات أشبه بقنابل مسيلة للدموع، وحين أعلنت الاعتزال من مكة قررت مواجهة المرض ولسان حالها يقول: “الصبر أنايا مولاتو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى