شوف تشوف

الرأي

نظرية داروين (4 ـ 4)

بقلم: خالص جلبي

حاليا يقفز العلم في اتجاهين، الأول وضع خريطة جينية للكائنات، أما العالم إدوارد أوسبورن ويلسون من جامعة هارفارد، فهو في طريقه إلى إنتاج إنسكلوبيديا إلكترونية لكل الكائنات، مثل النمل الذي يعتبره حقله المفضل، فالرجل قضى عمره في دراسة النمل ووصل إلى 14 ألف نوع، منها 428 اكتشفها هو بالذات.
مشكلة الكنيسة والثيولوجيا والدوغمائية أنها فرامل لإعاقة العلم، ولن تتحرر علاقة الدين ـ العلم، حتى يتحول الدين إلى علم، عندها يصبح عالميا مثل حبة الأسبرين وأشعة رونتجن وعصيات السل والكود الوراثي والكوارك في الذرة والفيمتو ثانية.
كان المظنون في الرحلة التطورية عند الإنسان أنها باتجاه واحد، فالإنسان يزداد طولا ودماغه يكبر حجما فيزداد ذكاء وجمالا ويعمر أكثر، ولكن كشف العلماء عن تطور مقلوب، انكمش فيه الإنسان في جزيرة (فلوريس) الأندونيسية إلى قزم في حدود متر، وتضاءل دماغه إلى حجم دماغ شمبانزي، بما لا يزيد على 380 سنتيمترا مكعبا، ونزل وزنه إلى 19 ـ 26 كيلوغراما. مع أن أجداده من الإنسان المنتصب (الهومو إريكتوس Homo Erectus) الذين علوا ثبج البحر الأخضر بحرا، ووصلوا إلى الجزيرة كانوا عمالقة فبلغ طول أحدهم 180 سنتيمترا، وحجم دماغهم ما يقترب من أدمغتنا الحالية بحدود 1260 سنتيمترا مكعبا، ولكن بعزلتهم الموحشة في الجزيرة، وشح الغذاء قاموا بتكيف بئيس أخرج من أصلابهم ما يشبه القردة. صحيح أنهم مشوا منتصبين، واخترعوا الأدوات، وأكلوا حيوان (الستيجودون Stegodon) وسواه، وهو فيل بحجم صغير من تلك الأحقاب بطول 120 سنتيمترا، ولكن مع انكماش الدماغ مسخوا ونكسوا وانقرضوا قبل 13 ألف سنة، بعد أن عمروا الجزيرة حوالي 840 ألف منذ مجيء أجدادهم من نوع الإنسان المنتصب. وكان الكشف عن هذا النوع من الجنس البشري (الأقزام) في شتنبر عام 2003، بجزيرة (فلوريس Flores) الأندونيسية، كشفه فريق علمي من 17 باحثا في كهف (ليانج بوا Liang Bua) بعمق 40 مترا، عثروا على بقايا كاملة لجمجمة محفوظة بشكل جيد وبعض الأضلاع وأكف وأقدام وشظايا من عظام الحوض، ومع المزيد من البحث وصلوا إلى الكشف عن حوالي سبعة هياكل عظمية يعود أقدمها إلى 93 ألف سنة، وأحدثها إلى 13 ألف سنة. وجزيرة فلوريس تقع في أرخبيل الملايو شرق جاوا بجانب جزر تيمور الشرقية وإلى الشمال من أستراليا، ومن أعلن الكشف كانا عالمان من جامعة نيوانجلند بأستراليا، هما (بيتر براون Peter Brown) و(مايك موروود Mike Morwood) ونشر البحث في مجلة «الطبيعة Nature» العلمية في خريف 2004، وأشار إليه (يورغ بليشJoerg Blech) في مجلة «المرآة الألمانية Der Spiegel 2004/ 45»، ببحث موسع بعنوان انكماش الدماغ في عالم جوليفر. وعلم الأنثروبولوجيا كشف عن العديد من الأشكال الإنسانية التي عمرت الأرض زادت على عشرة، منها الذي كشفه الأنثروبولوجي الأمريكي (دونالد جوهانسون) وأخذ اسم لوسي، وهي قصة مثيرة عن هيكل عظمي يعود إلى امرأة كانت تمشي منتصبة قبل 3.4 ملايين سنة، ثم دفع زميله (تيم وايت) الرقم إلى 4.6 ملايين سنة بكشفه عن إنسان (أرديبيثيكوس راميدوس). ثم قفز آخر رقم إلى ستة ملايين من السنين، بكشف العالم الفرنسي (برونيت) مع فريق تشادي عن إنسان الألفية (الميلينيوم). وما يعرف بالإنسان العاقل الذي ننتسب إليه، اشتق من فرع أكبر منه هو الإنسانيات (الهومو نيد)، ومن هذا الفرع الكبير نبت فرعان على الأقل كان أولهما الإنسان العاقل، والآخر الهومو إريكتوس، ومن فرع الإنسان العاقل جاء نوع (النياندرتال Homo Neanderthalensi) الذي كشف في وادي نهر النياندر بالقرب من مدينة دوسلدورف الألمانية. وهو نوع إنساني عمر الأرض قبل 150 ألف سنة، وانتشر في أوروبا بشكل موسع، ثم انقرض قبل 35 ألف سنة. وأما جنسنا العاقل (الهومو سابينز) فأصبح له حوالي مائة ألف سنة ويزيد، واجتمع بإنسان نياندرتال على ما يبدو، ولا يستبعد أن يكون نوعنا (العاقل) هو المتسبب في انقراض إنسان نياندرتال قتلا، ويبقى احتمالا لا أكثر. وحسب قناة (الديسكفري)، فإن إنسان نياندرتال لو تكاثر بمعدل أكثر من 2 في المائة لعمر الأرض، ولكنه لم يعن بذريته فهلك وضاع، ولو عاش لشهدت البسيطة وجود نوعين من البشر. وهو افتراض خيالي حتى الآن، لأن الهومو سابينز نفسه بعضه لبعض عدو بأشد من الوحوش، فكيف بوجود نوع ثان؟ ويحتار العلماء في انقلاب الرحلة التطورية لتنتج البشر الأقزام، ولكنها ظاهرة بيولوجية مرصودة في الطبيعة، ففي جزيرة قبرص يوجد فرس نهر ضئيل الحجم، وفي جزر القناة، حذاء كاليفورنيا، يوجد ماموت قزم، وفي جزيرة كاي أمام سواحل فلوريدا توجد غزلان مثل التي على اليابسة بنصف الحجم، بسبب النظام الغذائي. وهناك فلسفة عند ابن خلدون كتبها في مقدمته، أن ما يقضي على الناس في المجاعة ليس قلة الطعام، بل اعتياد الأمعاء الطويل على الرطوبات ووفرة الطعام، فإذا حصل انقطاع حاد لم يكن هناك اعتياد، فيهلك الناس من العادة أكثر من ندرة الطعام. وقصة البشر الأقزام في جزيرة فلوريس تقول إن الجنس البشري ليس موحدا، وإن مصيره ليس أكيدا، وقد يأت بشر آخرون وما ذلك على الله بعزيز، «وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى