نداء قبل فوات الأوان
يقول الفيلسوف أفلاطون «من يرفض اليوم القبول بالنصيحة التي لا تكلفه شيئاً سوف يضطر غدا إلى شراء الأسف بأغلى الأسعار». هذا بالفعل ما ينطبق على وضع التعليم ببلادنا الذي أصبح مشلولا بكل ما تحمل الكلمة من معنى مع انهيار المدرسة بفعل الإضرابات المتتالية، فهل سيدرك الأساتذة خطورة والنتائج التدميرية التي ستكون أبعد مما يتصورون لو ظلت المدرسة مشلولة بعد العودة من عطلة نصف الدورة؟
نحن نعلم أن إقناع التنسيقيات بالرجوع عن إضراباتها اللامنتهية، وتحديدًا بعد الجلسة الحوارية بين الحكومة والنقابات نوع من السذاجة أو أحلام اليقظة رغم ما تم التوصل إليه خلال اجتماع الوفد الوزاري بالنقابات، فالجميع يدرك أن تنسيقيات لا يهمها الحل مهما كان إيجابيا ويستجيب للمطالب التي ترفعها، بل ما يهمها هو أن تنسب لها غنائم الحوار بعد غزوات الإضرابات، لكن مع ذلك ليس هناك من خيار بعد العرض الحكومي الجريء سوى أن يعود الأستاذ إلى قسمه أو سنكون أمام حالة شبيهة بالعصيان المدني الذي يفرض على الدولة اتخاذ كل القرارات والتدابير التي تعيد 9 ملايين تلميذ للأقسام.
لذلك لابد للتنسيقيات من إعادة النظر في التعاطي مع خطواتها التصعيدية قبل فوات الأوان، على أمل أن يكون الاعتراف بالتطورات الإيجابية التي طرأت على الموقف الحكومي الذي لبى معظم المطالب، فلا يعقل أن تستمر التنسيقيات في رفض التسوية بكل أشكالها، وفرض قرار المقاطعة والإضراب القريب من موقف العصيان على ملايين التلاميذ فقط لأنها تريد الجلوس أمام وفد وزاري.
إن الاستمرار في الانحدار الجارف نحو شل المدارس ليس في صالح أحد، ولابد للدولة وليس الحكومة من التحرك السريع وبحزم، لإعادة الأمور إلى جادة الصواب وضمان بكل الطرق حقوق تسعة ملايين طفل أصبحوا رهينة في يد جهات لا تريد الحل وتقتات على التوتر مهما كانت كلفته باهظة.
صحيح أن الأستاذ في حاجة إلى تحسين دخله لكي يقاوم صعوبة المعيشة وفي حاجة إلى معالجة ملفاته المتراكمة منذ أكثر من عقد لكي نتمكن من المضي إلى الأمام بتطوير ما لدينا في مجال التعليم العمومي، لكن ذلك لا يمكن أن يتم بمنطق هدم المعبد على رؤوس الأشهاد، ورفض كل مبادرة للحل ودفع البلد نحو التأزيم. ولذلك فالوقت لازال مناسبا لتحكيم التعقل والواقعية قبل أن تدخل الدولة في خيارات قاسية لا أحد يعلم حدودها وأثرها.