تجد صحافة جيراننا متعة النبش في مطرح الأخبار، وتخصص بعض زملائنا في «التميخيل» الإعلامي، وهم ينقبون بين نفايات القصاصات عن خبر يدين لاعبا مغربيا، ويحوله إلى مادة قابلة للاتجار والانفجار.
تتناقل الصحافة الجزائرية، دون «عنعنة»، خبر اتهام اللاعب الدولي المغربي أشرف حكيمي باغتصاب فتاة. وقالت ما لم تقله «ليكيب»، حيث قدمت تفاصيل الشكوى وجزئيات الشهادة الطبية ومسرح الرذيلة، وجاءت بالشهود وكأن المشتكية قريبة كتاب هذه المقالات.
ولأن المتهم مغربي، ويحمل قميص المنتخب الوطني، فقد خرجت القوات الاحتياطية من ثكناتها وقامت بمناورات تستهدف زعزعة تركيز اللاعب وتلطيخ سمعته، فيما صرفت النظر عن خبر جاب العالم طولا وعرضا، حين قتل معتمر جزائري رفيقه في الحرم المكي.
حين كان المنتخب المغربي يصنع أفراح العرب والعجم في قطر، نبشت الصحف الجزائرية في الدفاتر القديمة، وكشفت عن علاقة حكيم زياش بعالم المخدرات وصنفته في خانة الشعراء الصعاليك. لحسن حظ زياش أنه لا يقرأ ولا يتواصل باللغة العربية.
في غمرة احتفال المغاربة بمنتخب عائد من المونديال، اختارت الشروق الجزائرية اختراق الحياة الخاصة لأشرف حكيمي، وقالت إن زوجته الممثلة التونسية هبة عبوك تساند أطروحة الانفصاليين، وأن وشم نجمة على ساعدها دليل انتماء.
بالأمس خصصت الصحف الجزائرية الرياضية مساحة للحارس سامي التلمساني، الذي اختار الانضمام للمنتخب الجزائري، وهو ثمرة زواج مختلط من أب جزائري وأم مغربية، ونشرت صورة لهذا الحارس الذي جرب حظه مع منتخب الشبان المغربي دون أن يقنع المدرب، فقرر البحث عن فرصة ثانية مع الجزائر، فاختار تغيير جنسيته الكروية.
حين تأتي الغارات من أقلام خصومنا فهذا أمر مألوف، لكن أن تمارس صحافتنا الجلد بحثا عن الإثارة، وتضرب بسياطها أجساد لاعبين حولوا أيام المونديال إلى أعياد وطنية، فهذا مرفوض. اسألوا أهالي زكرياء بوخلال الذي شبهوه بالإرهابي فقط لأنه عفا عن لحيته. اسألوا عائلة أمين حاريث الذي وضعته بعض مواقع الإثارة الرخيصة في سجن لوداية دون التأكد من الخبر.
كان الولد يتابع ما يكتب عنه بألم، حتى كاد أن يفقد دواسة العقل وفرامل المنطق، واضطر مرارا إلى كتابة بيان حقيقة يؤكد فيه بأنه حر طليق.
لم يكتف جيراننا بالنبش في أسمال اللاعبين، وحشر خياشيمهم في حياتهم الخاصة، بل ركضوا خلف المدرب السابق وحيد خاليلوزيتش، ليستدرجوه ويسحبوه من تلابيبه نحو اعتراف يدعم مواقفهم.
برغم جميع سوابقه وبرغم جميع معاركه، سيظل وحيد مدربا عابرا للسبيل، انتهت صلاحيته ذات يوم، لكن المنتخب سيظل حيا يحيي في وجداننا حب الوطن. لقد أرادوا أن يتقمص وحيد أدوار الشر، لكنه لم يفعل. فبحثوا في سيرة المدرب الحالي وكتبوا عنوانا يضمر المكيدة: «لماذا يغيب والد الركراكي عن قطر؟». وكأن المونديال جمع عام لجمعية آباء وأولياء اللاعبين.
ظل بعض اللاهثين وراء الإثارة، في حالة استنفار قصوى، بحثا عن خبر اعتزال قابل للاشتعال. يعتقدون أن اعتزال لاعب حالة تمرد، لكنهم لا يعلمون أن الاعتزال سنة الكرة، فحين يعتزل رئيس النادي في بلادي يصبح برلمانيا، وحين يعتزل المدرب يصبح محللا رياضيا، وحين يعتزل الحكم يصبح مندوبا أو مراقبا، وحين يعتزل الصحافي يصبح وكيلا للاعبين.
ماذا ننتظر من بلد أقال مدير التلفزيون لمجرد تقديم خبر فوز المنتخب المغربي؟
كيف نعاتب إعلاما يمارس التعتيم حتى على النشرة الجوية ويرفض تقديم الحالة المناخية للمغرب؟
أستحضر خلاف ليبيا القذافي ومصر السادات، حين كان مقدم نشرات الأخبار في التلفزيون الليبي، يصف القاهرة بـ«المقهورة» بكل مهنية واحترافية.
حسن البصري