شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

من الخيمة «خرجو مايلين»..

يونس جنوحي

وسط هذه الأيام الممطرة، وأجواء الصيام، لا يزال سكان الخيام التي ضربوا أوتادها في الساعات الأولى لصباح التاسع من شتنبر 2023، عقب زلزال سوس والحوز المُدمر، يعيشون رتابة انتظار إعادة إيوائهم.

رمضان الثاني بعد الزلزال، ولا يزال أغلبهم متفائلين بشأن المستقبل. سكان الجبال البسطاء اعتادوا قساوة العيش، لكنهم لم يعتادوا على قضاء الأشهر الطوال داخل الخيام الضيقة، وهم الذين نشأوا في البيوت التقليدية الرحبة.

طالما فتحوا منازلهم للسياح الأجانب والغرباء وعابري السبيل، وبدون مقابل. وتحدثت القنوات العالمية عن كرمهم «الأسطوري» الذي لم يعد في قائمة الإنسانية. لكنهم هذه الأيام يواجهون مصيرهم وحيدين.

يتعلق الأمر بسكان قرى جبلية، في المنطقة الفاصلة بين جهتي سوس والحوز، مراكش وتارودانت تحديدا، إذ لا يزال برنامج إعادة الإسكان لم يشمل بعد عددا من الدواوير. والمشكل أن الدواوير المعنية سجلت بها حالات نجاة مرتفعة من الزلزال، والحمد لله. وهؤلاء الناجون بقوا في الخيام التي حصلوا عليها من دفعة المساعدات الأولى التي وصلت إلى المنطقة، ولا يزالون يسكنونها.

تراجع حماس عدد كبير من الناس الذين اهتموا بموضوع الزلزال. بعضهم صاروا مشهورين في الإعلام فقط لأنهم قادوا الحملات الأولى للتبرع وإيصال المساعدات والتنقيب عن الناجين. آخرون حالت مشاغل الحياة بينهم وبين المنطقة. والأغلبية يظنون أن مشاكل السكان حُلت وأن الزلزال صار ذكرى فقط..

هناك جمعيات، في الميدان، تتوفر على معطيات دقيقة ولوائح محيّنة بخصوص الناجين واحتياجاتهم، وحتى ملفاتهم الطبية. ولا يهدأون شتاء ولا صيفا، بحثا عن مبادرات وشراكات وإرساليات من الجمعيات الأجنبية، لتأمين حاجيات الناجين من أدوية ومستلزمات تخفف عنهم وطأة العيش في الخيام.

في الصيف، تصبح الخيام حمامات «سونا» في الجبل، وفي الشتاء تصبح الحياة مستحيلة تماما، خصوصا في موسم أمطار عاصفة مثل هذه التي نعيشها هذا الأسبوع.

أما التساقطات الثلجية، فهذا موضوع آخر. اعتاد الرداء الأبيض تغطية أسقف المنازل الطينية، ليخرج القرويون البسطاء بمعاولهم لإزاحته قبل أن يُسقط ثقله الأسقف الخشبية فوق رؤوسهم. لكن، الآن، صارت الثلوج تغطي الأرض، وقمم الجبال و«قمم» الخيام البلاستيكية التي يحتمي داخلها النازحون في درجة حرارة تنخفض إلى ما دون خمس درجات بحكم موقع المناطق التي لجأ إليها الناجون وتموقعها في المناطق العارية تماما.

الذين يسكنون الخيام إلى الآن، ليس لديهم خيار آخر. وإلا لكانوا لجأوا مثل آخرين إلى المناطق الحضرية المحيطة بالأماكن المتضررة. هناك عائلات لا تستطيع توفير حتى كلفة التنقل من الجبل إلى أقرب سوق أسبوعي، فما بالك بتوفير سكن لائق لأفرادها الكثر، إلى حين انتهاء برنامج الإيواء.

ورغم حملات التنبيه لنقل معاناة مئات الأسر التي لم تحصل على الدعم المخصص للناجين، إلا أن ملفاتهم المطلبية لا تزال تنتظر الإفراج عنها، في وقت تمر الأشهر وفصول السنة مثل البرق.

وهناك مزحة يتبادلها الناجون، منذ أشهر طويلة، لتخفيف وطأة ومرارة العيش في تلك الأجواء العصيبة. هذه المزحة تبادرت إلى أذهان الظرفاء منهم، بعد أن اعتادوا رؤية بعضهم البعض كل صباح يخرجون من الخيام، مائلين حتى لا تصدم رؤوسهم أسقفها القريبة من الأرض أصلا. وصاروا منذ البداية.. من الخيمة خرجوا «مايلين»..

كان الله في عونهم جميعا، وخفف عليهم ما نزل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى