مناضل قبر «في أي بي»
حسن البصري
ظل عمرو فهمي، الكاتب العام السابق للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، يطالب بفتح تحقيق في فساد كرة القدم الإفريقية ومالها السائب، وظل يسخر في كتاباته من بند في ميزانية «الكاف» يسمى «تنظيم جنازة» قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى وهو في عز شبابه وفورة حماسه، فيغيب عن جنازته لاعبو مصر ومسؤولو الكرة تجنبا لعمرو حيا وميتا.
في تغريداته الأخيرة وهو على فراش المرض، ظل عمرو يتمرد على تعليمات الجهاز الطبي وهو يتعقب أخطاء أحمد أحمد، رئيس «الكاف»، ويعلن رفضه لنظام الحماية الذي مارسته «الفيفا» على الاتحاد الإفريقي.
في ساعاته الأخيرة استفاق عمرو من غيبوبته العابرة، وأعلن أسفه لشغب سوبر الأهلي والزمالك، وألقى باللائمة على مرتضى منصور وعلى أحمد أحمد وعلى رئيس لجنة التحكيم في «الكاف»، وقال إن الفساد ينخر جسد الكرة الإفريقية، في وقت كان السرطان يدمر خلايا المخ.
مات الشاب الذي كان شوكة في حلق كثير من مسؤولي كرة القدم الإفريقية، وهو يمني النفس بترشيح نضالي ضد الوجوه الصدئة للكاف، مات المناضل الذي طلب جهرا من عيسى حياتو مغادرة المسؤولية كي لا يموت جالسا على كرسي، رحل الفتى الذي قال لراوراوة الجزائري، «لا نريد عهدة عاشرة»، وذكره بخاتمة الرئيس بوتفليقة الذي تمسك بكرسي الرئاسة إلى أن تعطلت حواسه إلا حاسة السلطة.
كشف عمرو فهمي عن صفقات خيالية وحفلات باذخة، قال إن «عبارات» النيل شاهدة عليها، وظل يشكل مصدر قلق في مقر «الكاف» إلى أن أقيل من منصبه، وتحول إلى زبون للعيادات الطبية في مصر وأوربا، ولأنه خريج مدرسة «الإلتراس» الأهلاوية، فقد كان يعتبر الأب الروحي لتنظيم يملك القدرة على جعل السيسي يعيش ليلة ليلاء.
كان من مؤسسي حركة «الإلتراس»، الذراع المناصر للأهلي المصري، لذا وجد نفسه في مواجهة الزملكاويين ورئيسهم المشاكس مرتضى منصور، علما أن عمرو ولد في حي الزمالك وعاش على عقيدة الأهلي.
لم يدخل عمرو من تحت الباب كما دخل كثير من حكام الكرة في بلدي، فقد كان جده مراد فهمي مدربا للمنتخب المصري، وقضى والده مصطفى ثمانية وعشرين عاما كاتبا عاما للكاف، لم يردد لازمة: «كان أبي»، بل درس إدارة الأعمال وحصل على ماجستير الإدارة الرياضية من «الفيفا».
كانت آخر مواقف عمرو فهمي، الكشف عن شعار حملته الانتخابية، بعدما قرر خوض الانتخابات على مقعد رئاسة «الكاف» عام 2021، حيث أطلق شعار «من أجل أفريقيا.. لصالح كرة القدم.. ضد الفساد».
مات «ويكليكس» الكرة الإفريقية، قبل أن تتحقق أمانيه، لفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يرى أحمد أحمد في سجن طرة، التحق بالرفيق الأعلى وخازن هاتفه يفيض بالتسريبات التي تكفي واحدة منها لهز عرش الكرة في قارة تقتات من الفساد.
لكن لا بد من الوقوف لقراءة صكوك الاتهام، والتساؤل حول توقيتها، فحين تقدم عمرو بشكوى تخص الفساد داخل الاتحاد الإفريقي منذ عامين، قال له رئيس «الفيفا»: «شكرا عزيزي على غيرتك وإصرارك على فضح المفسدين، لكننا قد نحاكمك بسبب التستر على هذه الجرائم كل هذه الفترة». ولأن عمرو تقدم بهذه الشكوى بعد فصله من الاتحاد الإفريقي، فإنه ما كان ليكشف المستور لو ظل في منصبه دون أن يستبدله الملغاشي بكاتب عام مغربي، لظل وفيا لصمته وردد لازمته «أسرار الكاف أمانة». أو كما قال اللاعب الدولي المصري أحمد حسام ميدو «الفساد يطال الجميع.. مشافوهمش وهما بيسرقوا شافوهم وهما بيتقاسموا».
ظل الراحل يطالب بالمساواة وعين نفسه نصيرا للبسطاء، وحين مات دفن في قبر «في أي بي»، بمقابر عائلة فهمي في القاهرة..
عذرا، أذكروا أمواتكم بالخير.