
يسرا طارق
تريدها الجزائر بؤرة توتر إقليمي، تريدها مجالًا آمنا للميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، تمارس فيه أنشطتها في التهريب، وتجارة المخدرات وتهديد استقرار الدول، تريدها عائقا في وجه التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي البناء، تريدها حجرة في حذاء المغرب تعيق سيره وتبطئه، وعوض أن يشحد كل قواه من أجل التنمية، سيهدر جزءا منها في رمال صحرائه. هكذا هندست الجزائر أهدافها الجيوستراتيجية، من افتعال مشكل الصحراء المغربية، لكن، دون أن تأخذ بعين الاعتبار مكر التاريخ. فعوض أن يكون المشكل، كما خططت لذلك، مشكلا مغربيا خالصا، أشعلت ناره هي وليبيا القذافي، وابتعدتا ظاهريا عنه، من خلال إنشاء ميليشيا البوليزاريو المسلحة ودفعها للقيام بهجمات متتالية على التراب المغربي، ها هو التاريخ يمضي بأحداثه، وتقلباته ومغازيه، ليصير المشكل جزائريا خالصا، وعوض أن تدمي الحجرة رجل المغرب، صارت صخرة فوق ظهر الجزائر، أكبر وأثقل من صخرة سيزيف. ماذا ستفعل الجزائر في التطورات الراهنة بميلشياتها المسلحة؟! إلى متى ستستمر في تقديم التمثيلية المملة والمفضوحة للدولة الصحراوية الوهمية برئيسها الدمية، الذي يتسول في المحافل الدولية، صورة أو تحية عابرة، لتسجل كانتصار دبلوماسي؟! وقد تساقطت أوراق التوت واحدة واحدة، عن هذه الدولة الوهمية، وظهرت للعيان الخسارات المتتالية للعسكر الجزائري، في الإصرار على الانخراط الكلي في مشروع فاشل، لم يضيّع على الجزائر فرص التنمية، وإنما رهن، أيضا، سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية ومصالحها، وعوض أن تخدم البوليزاريو أهداف الجزائر، صارت هي من تخدم طغمة من المغامرين والانتهازيين، يشربون الشاي، ويضعون رجلا فوق رجل، ويتركون الجزائر تمول، وتجيش، وتحارب، وتتخاصم، وتقامر بكل مقدراتها، من أجل أن يسير بن بطوش البئيس فوق بساط أحمر لدقائق، تؤدي الجزائر ثمن كل خطوة يخطوها غاليا..
أرادت الجزائر التوتر وعدم الاستقرار، وافتعلت، دوما، ما يؤجج بينها وبين المغرب، الفرقة والصراع، لم تقرأ التاريخ جيدا، ولم تعرف أن الدول الأمم، المتجذرة في التاريخ، لها في جيناتها قدرات رهيبة على الصمود، وعلى الخروج فائزة من كل الأزمات. ترك المغرب للجزائر افريقيا بمنظمتها ثلاثة عقود، فعلت فيها ما شاءت، وحين عاد المغرب، وفي أربع سنوات، أنهى ما راكمته الجزائر، حتى شاهد العالم كله الوفد الجزائري، وعلى رأسه وزير الخارجية، يزغرد، ويبكي ويرتمي بعضه في أحضان بعض، لحصول ديبلوماسية جزائرية على منصب نيابة، فقط. كان ذلك المشهد الغريب، وما سبقه من مشاهد لحقائب المال، وهي تدخل أروقة المنظمة في أيدي جيش من الدبلوماسيين، أوضح دليل على المأزق التاريخي، الذي وضعت الجزائر نفسها فيه.
أرادت الجزائر، وأراد المغرب، دوما، وعوض أن تكون الصحراء المغربية مشكلة للجميع، أن تصير فرصة في أيدي دول الجوار، فرصة للاستقرار، والتنمية والانفتاح المنتج على العالم، لا يقدم المغرب لشركائه الأفارقة، وخصوصا دول الساحل، شعارات بائدة، ولا أزمات متكررة، ولا جماعات إرهابية ولا تدخلا في الشؤون الداخلية، وإنما يضع أمامهم فرصا فعلية، للازدهار الاقتصادي، من خلال إنشاء بنيات تحتية عملاقة (موانئ، مطارات، طرق سريعة…)، ووضعها رهن كل دول الساحل، من أجل أن تخرج من الدوامة الرهيبة للاقتتال، وقريبا سيتغلب منطق الخير على منطق الشر.