شوف تشوف

الرأي

مغتربة

بدأ الليل يرخي سدوله علي، «الباص» تأخر وقد بدأت تمطر. الحياة صعبة وليس من السهل الحصول على كل شيء نريده بعاصمة الأنوار هذه. هذا الشهر لم أستطع توفير مصاريف البيت كاملة ولازالت فاتورة الكهرباء والماء معلقتين، أشعر أنني مهددة بالطرد من طرف صاحبة البيت، تلك التي تجبرني على العمل بالحانة الليلية التي تملكها، تقول إن عيني الشرقتين تسقطان الزرزور من فوق السور، تضيف قولا إن لي طريقة تواصل ساحرة ستريح الزبائن القادمين من أجل نسيان همومهم والترفيه، نسيت أني أكثر الناس هما وغرقا في المشاكل، لتغرقني في مشاكل غيري.
هكذا همست لنفسي الصامتة بداخلي وأنا أنتظر «الباص» الذي لم يأت بعد، لأعود مجددا من أجل استكمال الدورة الاعتيادية في ذهني. وما العيب؟ لا أحد يعرفني هنا، وحتى لو صادفت بالحانة شخصا يعرفني فليس له حق التدخل في حياتي والعمل الذي أجبرت عليه، ثم من فيهم يطرق بابي ويسأل عني بعدما نهشت السنون عمري.. المرأة المطلقة تبقى دوما متبوعة بالسوء والقول الجارح، حتى لو كانت سيدة نزيهة وطريقها سليمة، هكذا هم الناس لا يتعبون من اللغو والقذف في أعراض الناس. لن أكترث لهم، بل سأفكر في مصلحتي الخاصة ومن له شيء عندي سأدفعه له بالضعفين. لازالت أفكاري السوداء والبيضاء تتشاجر في سلم بذهني، حتى وصول «الباص» أخذت مقعدا خلفيا قرب رجل مسن يتصفح جريدة, شدّ انتباهي ذلك الإعلان: «مطلوب سكرتيرة تتقن اللغة العربية بسفارة المملكة المغربية بفرنسا»..
قصر الرمال
كنت في طفولتي ومراحلي الدراسية أسافر وأرجع من جديد إلى النقطة التي بدأت فيها، كان من الصعب جدا علي في ما مضى أن أضع خطا واضحا أحدد به حدود علاقتي بالمستقبل. اليوم يمكنني، رغم الوجع، أن أرحل وأسكن بمدينة خالية من الأضواء والشوارع العريضة. أحب المدن الجبلية، كبرت فيها وهجرتها لأسكن المدن الساحلية، كانت الحياة فيها تشبه تلك القصور الرملية التي تحطمها أولى الموجات، وفي حياتي ما صادفت أقوى من موجاتك أنت، وقبلها موجة رحيل أمي، تلك التي لم تبق على ذلك القصر العالي من شيء إلا وهدمته وساوته بالأرض المعمدة بقدر الرحيل. لن يخطر ببالك أني سأعيش هنا، في هذه المدينة التي ذكرتها يوما لك وقلت لك إنها سحر متبخر لا يدرك كل الناس جواهرها التي لا تلمع إلا بالليل، لها إطلالة من السماء معشوقة بقلبي. كنت أعلم أننا لن نزورها معا إلا أن بداخلي أملا معلقا دوما بك إن لم أقل هي آمال متعلقة بك وحدك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى