شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

معارك هامشية 

في معركة كسر العظام بين عدد من النقابات والحكومة، في ملف قانون الإضراب والمصادقة عليه، هناك معارك هامشية يجب الانتباه إليها، وتتعلق بمحاولة كل جهة إثبات ذاتها باللجوء إلى المؤشرات العددية، من حيث تفاخر الحكومة بالأغلبية في التصويت والمصادقة من جهة، والنقابات بالقدرة على شل المؤسسات العمومية والخاصة من خلال الإضراب العام من جهة ثانية، في حين نجد أن قانون الإضراب أعمق من ذلك ويتضمن مواد تُشجع على الاستثمار والرفع من نسبة التشغيل وتحديث العلاقة بين اليد العاملة والمُشغل بما يواكب روح العصر والتطور الاقتصادي الذي تشهده المملكة وتطمح لتسريعه وفق استراتيجية مغرب 2030.

إن قدرة النقابات على شل المرفق العام، وتفاخرها بذلك لن يخلق فرص شغل إضافية ولن يساهم في تشجيع رأس المال الجبان بطبعه على دخول مغامرة الاستثمار في بيئة عمالية غير مستقرة، باعتبار الإضرابات العامة في الدول العظمى نفسها التي تسوق لاحترام الديمقراطية بطريقة مثالية والنضال العمالي، تأتي بعد سلاسل طويلة من الحوارات والاجتماعات والنقاش الإعلامي الدسم والخروج للرأي العام لتبرير الإضراب الذي يجب أن يسمى عندنا أبغض الحلال في النضال، مع الدقة في الملاحظات وطلب التعديلات وليس الرفض الشامل والمزايدات والشعارات الفارغة والعين على الانتخابات التشريعية لسنة 2026 وترقيع القواعد الانتخابية.

على عكس ما تسوقه بعض النقابات من كون الحكومة تريد كسب نقاط سياسية في ملف قانون الإضراب، إلا أن البراغماتية الانتخابوية كانت تقتضي تأجيله إلى ما بعد الانتخابات التشريعية مادامت الحملة الانتخابية السابقة لأوانها قد انطلقت في الخفاء والعلن.

نقاش قانون الإضراب يجب أن يهم مضامينه، وهناك مؤسسات دستورية للطعن في حال رفضه أو رفض بعض مواده، كما أن سلبيات اعتماد القانون القديم، تفتح الباب لاستمرار ابتزاز مستثمرين وجعلهم تحت رحمة التنسيقيات والوجوه النقابية المستهلكة التي تستعمل العمال كدروع بشرية لتحقيق الأجندات الضيقة، وتحويل النقابات إلى روافد حزبية وجمع الأصوات وتشابك المصالح بشكل معقد بين المركز والمحلي.

معركة قانون الإضراب لا خاسر فيها ولا رابح بين الحكومة والنقابات، بل مؤشرات الربح تقاس بمدى مساهمة القانون في تجويد الخدمات العمومية واستمراريتها، وتشجيع الاستثمار وإعادة النظر في العلاقة بين المشغل واليد العاملة بما يضمن حقوق الأطراف وحق الصالح العام في توفير أرضية جالبة للاستثمارات ومواكبة للتحولات العالمية المتسارعة والتنافس الشرس لخلق الثروة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

لقد تابع الجميع كيف ضيعنا أوقاتا ثمينة في إضرابات الصحة العمومية والتعليم والطلبة الأطباء، والضرر البالغ الذي أصاب الصالح العام ووصل المصالح العليا للدولة وإرباك استراتيجيتها في التنمية، ليعود بعد ذلك الهدوء واستئناف العمل علما أنه لا تغييرات جذرية في الخلافات بين الحكومة والمحتجين، وهذا وحده كافيا لتقنين الإضراب بشكل يضمن التوازن بين الحرية النقابية والحق في الإضراب وحماية الصالح العام والاستثمار وضمان السير العادي للحياة، والاستقرار داخل المقاولات والمؤسسات العمومية والخاصة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى