شوف تشوف

الرأي

مصر ونوبل آبي أحمد

خالد فتحي
في غمرة الخلاف الإثيوبي المصري حول سد النهضة، تفاجئ لجنة نوبل الجميع بمنح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد جائزة نوبل للسلام لهذا العام، تقديرا منها لجهوده في بناء السلم العالمي. الجائزة شكلت دعما معنويا لهذا الزعيم الإثيوبي، جعل الكثيرين يتساءلون عن تأثيرها على مجرى المفاوضات حول مياه النيل.
يعتبر البعض أن منح الجائزة في ذروة هذه الأزمة كان محض مصادفة، وأن آبي أحمد الذي هو رئيس الوزراء منذ عام ونصف فقط كان يستحقها فعلا، نظرا لإنجازاته الباهرة داخليا وخارجيا، فقد استطاع أن ينهي حمامات الدم بين الجارين الإثيوبي والإريتري، بسبب المشكل الحدودي الذي عمر أكثر من 20 سنة. كما أبان عن حيوية فائقة في المبادرة لإنهاء الحراك السوداني وتحقيق الاستقرار بهذا البلد المتاخم لإثيوبيا، من خلال تقريب وجهات النظر، مما مكن من إتمام المخاض وانبلاج المجلس السيادي ومعه الوثيقة الدستورية السودانية، ناهيك عن الإصلاحات الداخلية التي باشرها بالسرعة والنجاعة البالغة.
لكن البعض الآخر ممن يتسلح بنظرية المؤامرة، رغم إقراره بكل هذه الفضائل، يتوجس شرا من منح آبي أحمد هذه الجائزة المرموقة في هذا التوقيت بالذات، ويعتبر أن الأمر ليس بريئا وإنما هو مدبر بعناية من طرف الأيادي الخفية التي تمسك بتلابيب السياسة الدولية، وفق مخطط مدروس. وهم يومئون هنا إلى الدور الإسرائيلي المحتمل في ترجيح كفة آبي أحمد لنيل نوبل.
وربما لا تعوز هذا البعض الحجج على أطروحته، فالتعاون الإسرائيلي الإثيوبي قد سارت بذكره الركبان. العالم كله يعرف أن إسرائيل تشرف على بناء سد النهضة وتموله، وقد خططت له بشكل يرى المصريون أنه سيدخلهم لأول مرة عصر الفقر المائي. بل هو يزرع خنجرا في ظهرهم يجعلهم يفقدون قرارهم السيادي بشكل نهائي ولا رجعة فيه. هؤلاء يتذكرون الزيارة الشهيرة لآبي أحمد إلى تل أبيب والقدس، ووضعه الطاقية اليهودية أمام ما تعتبره إسرائيل حائط المبكى وتحت أنظار الكاميرات العالمية. إسرائيل التي تقود مشاريع استثمارية بإثيوبيا لا تنسى عدوها التقليدي مصر، رغم التطبيع بين البلدين. فالسد قادر على تقليص الرقعة الزراعية لمصر، وتعطيش 20 مليون مصري، وإحداث خسائر هائلة للاقتصاد المصري، الذي سيكون عليه أن يتحمل فقدان الكثير من الوظائف والتوجه نحو مصادر أكثر كلفة للحصول على الماء، من تحلية مياه البحر أو إعادة تدوير المياه العادمة.
ولكن ما الذي يمكن أن يجري حقيقة بسبب هذه الجائزة؟ المتوجسون من نوايا آبي أحمد يعتبرون أنها ستمده بسند إضافي، وتحيله أكثر كاريزمية، بل وستحصنه أمام أنظار المنتظم الدولي، مما سيزيد في تغوله تفاوضيا على مصر، التي لم ينجح خبراؤها ولا دبلوماسيوها في إقناع نظرائهم الإثيوبيين بالجنوح إلى التفاهم والتنسيق المجدي لما فيه صالح الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا.
أما المتفائلون فيرون أن الجائزة تطوقه، وتحد من هامش إضراره بمصر، حفاظا على صورة رجل السلام التي أسدلت عليه. إذ لا يعقل أن يكيل بمكيالين في سياسته الخارجية. فالسلام واحد ولا يمكن حصره على الدول المحاذية لإثيوبيا فقط. إنه عبء جديد ينضاف إليه، ويتحتم عليه أن ينجح فيه تجاه مصر، كما نجح تجاه السودان وقبلها مع إريتريا.
لكن مصر التي انقسمت حول تقييم أبعاد منح هذه الجائزة لآبي أحمد لخصت في برقية السيسي ما تأمله منه. فقد هنأت من خلاله القارة الإفريقية الطامحة إلى السلام، وهنا تخفي كلمة السلام إمكانية الخيار العسكري، الذي تهدد به مصر إذا غلت يداها. هذه البرقية أكدت أيضا على ضرورة إنهاء الخلافات بإرادة الشعوب الإفريقية. وفي ذلك إشارة إلى ضرورة النأي عن الطرف الإسرائيلي، الذي يريد أن يشعل فتيل الصراع والحروب بالمنطقة.
لقد أججت نوبل للسلام لغة الإشارات والعبارات الحمالة لأكثر من معنى. ووحده آبي أحمد يستطيع أن ينحو بالوضع، نحو مزيد من التأزيم أو على العكس من ذلك نحو الانفراج.
هناك سيناريو آخر قد ينبع من تحليل شخصية آبي أحمد، الذي يبحث ولا شك عن مزيد من الحضور الإفريقي والدولي لشخصه. وهو أن يترك إثيوبيا تزايد على مصر وتغالي في تشددها، ليأتي هو ويحل المشكلة في النهاية، فيحسب له نزع فتيل صراع آخر، خصوصا وأنه يعي أن النيل مسألة حياة لمصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى