شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

مسؤولية البطالة

يحاول البعض اختزال مسؤولية انتشار معضلة البطالة في قطاع وزاري معين، والتركيز على الأرقام التقنية التي تصدرها المؤسسات المكلفة بالتتبع والمراقبة وتقييم العمل الحكومي، دون عودة لتوسيع النقاش وتعميقه ليشمل تعدد أسباب ارتفاع البطالة، من النقابات المبتزة التي تطرد الاستثمارات وتنفر المستثمرين بسبب الدعوة للإضرابات دون سلك الطرق الودية ودون مراعاة مصلحة المقاولة التي يعيش من مداخيلها الجميع.

مقالات ذات صلة

من أبرز أسباب انتشار معضلة البطالة، فشل مناهج التعليم وبرامج التكوين وعدم مواكبة الجامعة المغربية لمتطلبات سوق الشغل، فضلا عن ضعف إنشاء المقاولات وغياب المشاتل الحاضنة وإهمال مواكبة التحولات العالمية الاقتصادية، ناهيك عن غياب ثقافة الاستثمار والعمل الحر، وعجز ومحدودية تمويل المشاريع من الأبناك والجشع في عائدات القروض وغياب تقدير الأزمات المالية الطارئة للمقاولات ومنحها الأوكسجين المالي لتتنفس وتنطلق من جديد، لأن القاعدة تقول من الفشل يتعلم الإنسان وليس الفشل نهاية كل شيء.

إن مسؤولية انتشار البطالة هي مسؤولية مشتركة بين مجموعة من الأطراف ضمنهم الشخص العاطل نفسه الذي يفتقد أحيانا إلى التكوين وتغيب عنه روح المبادرة التي يتم بناؤها في شخصية الفرد خلال مرحلة الطفولة بالتربية قبل التعليم، أي التربية على خوض مغامرات العمل الحر والإبداع وتقدير قيمة العمل كسبيل وحيد لحفظ الكرامة دون اتكالية أو تقاعس في الأخذ بالأسباب.

يجب التوقف عن ربط التعليم بالوظيفة العمومية أو التوظيف بالقطاع الخاص أيضا، من خلال التشجيع على روح المبادرة والمغامرة بالاستثمار والأعمال الحرة، بحيث يبقى التعليم الأكاديمي مساعدا محوريا على النجاح وتجويد إدارة الأعمال، وتسهيل الاندماج في النسيج الاقتصادي الوطني والعالمي والتعامل بواسطة التقنيات الحديثة، والبحث دوما عن التجديد والابتكار ودراسة السوق ولما لا التوسع إفريقيا لأن هناك مستقبل واعد للاستثمار بالقارة السمراء.

إن تقدير قيمة العمل منصوص عليه في الوازع الديني باعتبار أن أفضل الناس أنفعهم للناس ولن يتأتى ذلك سوى بالعمل، لذلك علينا العودة إلى مواكبة ومساعدة الناشئة وتلقينهم القيم النبيلة،  وتوجيههم لاختيار المسارات التكوينية الصحيحة الملائمة لقدراتهم الجسدية والعلمية، وكذلك دراسة تنويع التكوين الجامعي ليتلاءم حسب الجهات وما تزخر به من موارد وأصناف الصناعة أو الفلاحة أو التجارة، حتى لا نستمر في منح دبلومات وشهادات لا تصلح لشيء سوى إضافة الحاصلين عليها إلى أرقام العاطلين بالمغرب.

لا يمكن القبول باستمرار مطالب التشغيل بالطريقة التقليدية والقطاعات غير المهيكلة، وانتظار المسؤولين والنقابات والمعارضة لأرقام البطالة التي تكشف عنها المؤسسات الرسمية، ليُفتح باب المناقشة الشعبوية والمزايدات الانتخابوية الفارغة، بل على القطاعات الحكومية المعنية وعمال الأقاليم والولاة ومجالس الجهات، توفير الأجواء المناسبة للاستثمار والأرضية الصالحة لزراعة المشاريع الشبابية وضمان تكافؤ الفرص في القروض البنكية وخفض الفوائد والأقساط الشهرية والإعفاء الضريبي والدعم والمواكبة وخلق أجواء تنافسية حقيقية وفق الشفافية والنزاهة، عوض العراقيل الإدارية والمشاكل المصطنعة التي تنفر الشباب وتدفعه للتفكير في الهجرة السرية والعلنية وتقتل طموحه في المهد، فهل من آذان صاغية لكل ماسبق، تُقدر المرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر منها المملكة، وتتحلى بالوطنية والصدق في تحمل المسؤولية لانتشال شباب الوطن من بحر البطالة الذي لا سبيل للنجاة منه إلا بطوق التشغيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى