مرشح فوق العادة
يونس جنوحي
إريك زمور بات أمام حرب حقيقية مع كل من ليس من أصول فرنسية، حتى لو كان يحمل جوازا فرنسيا، وحتى لو كان يحفظ الأمثال الشعبية الفرنسية أكثر من الفرنسيين.
هذا الرجل، يريد أن يجعل فرنسا بلدا لذوي البشرة البيضاء والمواصفات الجينية الفرنسية فقط.
صرح، أول أمس، أنه لن يعتذر لمستعمرات فرنسا السابقة، وعلى رأسها الجزائر ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وسوف يلغي اتفاقية 1968. وأن تنفيذ كل هذا رهين فقط بتصويت الفرنسيين عليه في الرئاسيات.
وفي اليوم نفسه الذي أطلق فيه زمور هذه التصريحات، صدر ضده حكم بتغريمه، على خلفية اتهامه بالتحريض على الكراهية. وهي التهمة التي آخذته المحكمة عليها، في إطار ما بات يعرف بحرب إريك زمور ضد القاصرين، الذين هاجروا إلى فرنسا بشكل غير نظامي.
إريك زمور تحمس سابقا وقال إن هؤلاء القاصرين هم سبب كل مشاكل فرنسا، ولام الدول التي جاء منها أولئك القاصرون، محاولا تعليق مشاكل فرنسا الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية على دول عانت لعقود مع فرنسا، ولا تزال شعوبها تحمل ندوب تدخل فرنسا في شؤونها الداخلية منذ قرنين، بل إن وثائق الأرشيف تشهد أن فرنسا كانت ترعى أنظمة شمولية في دول إفريقية، وساهمت في نهب ثروات تلك الدول بالتواطؤ مع ديكتاتوريين خلال القرن الماضي، أغلبهم أدينوا لاحقا في المحكمة الدولية بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب مجازر جماعية. وكانت فرنسا البلد المفضل لهؤلاء الحكام، الذين سرقوا خيرات بلادهم، ومنهم من وفرت له فرنسا العلاج والإقامة.
وفي الأخير يأتي إريك زمور، مرشح اليمين المتطرف الفرنسي، لكي يبني حملته الانتخابية على محاربة كل من ليس فرنسيا، حتى لو كان يحمل الجنسية الفرنسية، فوق التراب الفرنسي.
في الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها باريس، روج اليمين المتطرف خطابا مفاده أن أبناء المهاجرين هم المسؤولون عن الهجمات الإرهابية. بينما يتعلق الأمر بشباب هم في الحقيقة تربية فرنسية خالصة، وتكريس لسياستها العنصرية. إذ إن الأحياء الفقيرة التي نشأ فيها المهاجرون، غارقة في الخطابات العنصرية التي تفصل بين أبناء المهاجرين من الدول المغاربية والإفريقية، وما زالت تسجل حالات الهدر المدرسي في أوساطهم، بسبب المشاكل الاجتماعية لأسرهم، وغياب برامج حكومية لتأطيرهم، رغم أنهم وُلدوا في التراب الفرنسي لآباء مهاجرين بنوا اقتصاد فرنسا ولا يحصلون على أي شيء، إلا على الحد الأدنى للأجور والتقاعد.
أما القضية التي حكمت فيها المحكمة ضد المرشح زمور، وغرمته بعشرة آلاف أورو، لتحريضه على الكراهية ضد القاصرين الذين يصلون إلى فرنسا في إطار الهجرة غير الشرعية بدون مرافقين راشدين، أي بدون أسرهم، فذاك موضوع شائك حاول زمور أن يستعمله انتخابيا.
مشاكل فرنسا في الضواحي والأحياء الهامشية تتمثل أساسا في المقاربة الأمنية والمشاكل الاقتصادية، وليس في انتشار المهاجرين القاصرين الذين يحملون معهم أحلاما بمستقبل أفضل في فرنسا.
في نسخة كأس العالم لكرة القدم الأخيرة، كان جل لاعبي المنتخب الفرنسي من دول إفريقية، وبعض لاعبي الدوري الفرنسي كانوا من القاصرين الذين هاجروا في القوارب إلى فرنسا، وتألقوا في اللعبة الأكثر شعبية بفرنسا والعالم.
الواضح أن المتبارين في حملات الرئاسة الفرنسية، بعد أن كانوا في السابق يلجؤون إلى اتهامات جنسية، وينبشون في الحياة الخاصة لبعضهم البعض، قد انصرفوا الآن إلى شن حرب ضد المهاجرين والأقليات، واستغلال مآسيهم لاستعطاف الفرنسيين وإقناعهم بمشروع «استعادة» فرنسا من المهاجرين، رغم أن الأخيرة كانت دائما بلد مهاجرين أصلا، بعد أن جاءت بهم منذ بداية الجمهورية الجديدة عقب مظاهرات 1968، إلى البلاد. لكن إريك زمور لا يُدرك كل هذا، بل إنه لم يحضر جلسة المحكمة التي أدانته، ضاربا المثل لمواطني بلاده أنه لا يحترم سيادة القانون، رغم أنه يريد أن يصبح رئيسا لفرنسا.