مدونة الأسرة.. ضرورة التعديل بعد 18 سنة من التطبيق
ارتفاع نسبة الطلاق وثغرات قانونية للتعدد والزواج بالقاصربعد مرور 18 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، بدأت تظهر ثغرات قانونية، من قبيل استغلال بعض مقتضيات المدونة لتزويج القاصرات أو التحايل على القانون لتعدد الزوجات، وكذلك انتشار ظاهرة «زواج الفاتحة»، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق وما يخلفه من آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية تهدد بتفكك الأسر المغربية.
ولمواجهة هذه الاختلالات، ارتفعت أصوات حقوقية تطالب بضرورة التسريع بتعديل المدونة، حيث تفاعل الملك محمد السادس مع هذه المطالب، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد العرش، عندما دعا إلى فتح نقاش مجتمعي بشأن تعديل المدونة. وحدد الخطاب الملكي الخطوط العريضة لمعالم التعديلات المرتقبة، والتي يفترض أن تأتي في إطار تنزيل الفصل 19 من الدستور، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
التحايل على مدونة الأسرة لتزويج 30 ألف قاصر سنويا
كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن معطيات صادمة، بخصوص استمرار تنامي ظاهرة تزويج الطفلات القاصرات بالمغرب، حيث يتم تزويج حوالي 30 ألف طفلة سنويا، دون احتساب عدد الطفلات اللواتي يتم تزويجهن عن طريق ما يسمى بزواج الفاتحة. وأوصى المجلس بتجريم تزويج الأطفال بشكل غير قانوني والوساطة في ذلك.
وأكد المجلس في دراسة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات، أن تزويــج الأطفــال بالمغرب يعتبر ظاهــرة مقلقة، مشيرا إلى أن مدونة الأســرة الصادرة ســنة 2004، كثــورة هادئة على التقاليــد وعلــى الأعــراف وعلــى الممارســات الضــارة، قــد ألغــت أشــكالا مــن التمييــز بيــن الجنســين فــي عــدة مجــالات مــن بينهــا تحديد ســن الزواج للجنســين في 18 ســنة، إلا أن ما نصت عليه من اســتثناء يجيز للمحاكــم إمكانية إصدار إذن بتزويــج من لم يبلغ ســن 18 ســنة، بموجب مقرر قضائي معلل يحدد الأســباب والمصلحــة، جعل هذا المقتضى يتحول من اســتثناء إلــى قاعدة.
وتؤكـد الإحصائيـات الرسـمية الصـادرة عـن وزارة العـدل بشـأن تطبيـق مدونـة الأسـرة، أنـه خـلال سـنة 2018 تـم تقديـم 32104 طلبـات تتعلـق بالزواج مـن أطفال، مقابـل 30312 طلبا سـنة 2016، ممـا يؤكد تنامـي الطلبات المقدمـة إلـى المحاكـم بهـذا الخصوص. وتؤكـد الإحصائيـات نفـسها أنـه خلال الفترة ما بيـن 2011 و2018 اسـتجابت المحاكم إلـى 85 في المائة من هذه الطلبات، وخـلال الفتـرة مـا بيـن 2007 و2018 تؤكـد هـذه الإحصائيـات أن الطفـلات يشـكلن حوالـي 99 في المائـة مـن مجمـوع المعنييـن بهـذه الطلبـات.
وكشفت الدراسة أنه إذا كان الاعتقـاد السـائد يذهـب لاعتبـار تزويـج الأطفـال وبالأخـص الطفـلات بالمغـرب يبقـى ظاهـرة قرويـة بامتياز، فإن المؤشـرات العددية تؤكد عدم وجود اختلاف واضح بين الوسـطين القروي والحضري بخصوص معـدلات الـزواج دون سـن الأهلية، خلال السـنوات الأخيرة، وأشارت إلى أن إحصائيـات وزارة العـدل
تقتصـر علـى الـزواج القانونـي والـذي يتـم أمـام محاكـم الأسـرة، ولا تشـمل زواج الفاتحـة.
وخلصت الدراسة إلى أن تزويـج الطفـلات تحـول مـن اسـتثناء إلـى قاعـدة، بسـبب ارتفـاع نسـب الاسـتجابة إلـى الطلبـات المقدمـة إلـى المحاكـم، كما أن مدونة الأسرة لم تحط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية، ورصدت الدراسة عدة ثغرات قانونية تتجلى في عدم التنصيص على سن أدنى للزواج، وعدم التنصيص على إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، وإغفال الطرف الراشد الراغب في الارتباط بطفلة قاصر حيث يبدو أجنبيا على مسطرة الإذن بزواج قاصر، وعدم التنصيص على الاستماع إلى الطفل (ة)، وعدم تحديد مفهوم المصلحة، وعـدم إلزاميـة احتـرام مقتضيـات المـادتين 20 و21 مـن مدونـة الأسـرة، بإمكانيـة الالتفـاف عليهـا مـن خـلال مسـطرة ثبـوت الزوجيـة.
وأمـام قصـور النـص القانونـي، أشارت الدراسة إلى أن أقسـام قضـاء الأسـرة طورت ممارسـات فضلى فـي تطبيـق مقتضيات المـادة 20 ومـا يليهـا مـن مدونة الأسـرة، مـن قبيل الاستماع إلى الطفلة على انفراد للتأكد من عدم تعرضها لأي إكراه أو ضغط، وعـدم الإشـارة فـي حال وجـود إكـراه فـي مقـرر رفـض الإذن إلـى هـذه العلـة، لتجنيـب الطفلـة أي ضغـوط مـن طـرف أسـرتها، والاكتفـاء بتعليـل رفـض الطلـب، لكـون مصلحـة الطفلـة لا تكمـن فـي تزويجهـا فـي سـن مبكـرة، واستدعاء الخطيب للاستماع إليه لتكوين قناعة المحكمة في منح الإذن أو رفضه، وتكليف الخطيب بالإدلاء بوثائق إضافية من قبيل السجل العدلي أو وثيقة تثبت دخله، والتأكد من تقارب السن بين الطرفين، مع إصـدار مقـررات اسـمية تتضمـن اسـم الخطيـب الـذي اسـتمعت إليـه المحكمـة، لتفـادي أي تحايـل علـى الإجـراءات.
وحسب خلاصات الدراسة، يلاحظ أن المبـررات التـي تعتمـد عليهـا المحاكـم تركـز بشـكل كبيـر علـى الظـروف الاجتماعيـة والاقتصاديـة، بحيـث يبـدو وكأن الهـدف مـن تزويـج الطفلـة هـو إيجـاد حـل آنـي لمشـاكل الفقـر والهشاشـة والتسـرب المدرسـي، ويلاحـظ غيـاب المعطيـات المتعلقـة بالصحـة الإنجابيـة فـي معالجـة طلبـات تزويـج الأطفـال، فالأسـئلة التـي توجـه إلـى الطفـلات غالبـا مـا تركـز علـى تاريـخ صيـام رمضـان كمؤشـر لمعرفـة تاريـخ وصـول الطفلـة إلى سـن البلـوغ، فـي المقابـل يلاحـظ عـدم إعطـاء أي معلومـات للطفلـة حـول مخاطـر الـزواج المبكـر ومخاطـر الحمـل المبكـر، سـواء مـن طـرف القضـاء أو المسـاعدين الاجتماعييـن.
كما أن بعض الأذون القضائية تركز على معياري السن والمظهر الخارجي للبت في الطلبات المقدمة إلى المحاكم، ويلاحـظ فـي عـدة حالات الاسـتغناء عـن إجـراء الخبـرة الطبيـة، لتجنيب الأطـراف مصاريـف إضافيـة، خاصة إذا كانـت تنتمـي إلى فئات هشـة. ويلاحـظ وجـود تفـاوت كبيـر بيـن المحاكـم فـي تقديـر المبـررات المعتمـدة لقبـول طلبـات تزويـج الطفـلات، سيما مـا يتعلـق بحالة الفتيات اللواتي تعرضن إلى حمل خارج إطار مؤسسـة الـزواج، أو تعرضن للاغتصاب، ومـا يسـهم فـي طـرح هـذا الإشـكال هـو عـدم الاعتـراف القانونـي بالأطفـال المزداديـن نتيجـة اغتصـاب أو تغريـر بقاصـر، واسـتمرار تجريم الإيقـاف الإرادي للحمـل، وتضييق إمكانيـة اللجوء إلى الإجهـاض الآمن في الحالـة التـي يشـكل فيها خطـرا على صحـة الفتاة. ويـؤدي تعـارض المقتضيـات القانونية بين مدونة الأسـرة والقانـون الجنائـي، فـي عـدة حـالات، إلـى إفـلات المغتصبيـن مـن العقاب.
ويلاحـظ أنـه كلمـا تشـددت المحاكـم فـي الاسـتجابة إلـى طلبـات تزويـج الأطفـال بإضافة شـروط جديـدة، أو في تدقيـق الإجـراءات للتأكـد مـن جديـة الطلبـات المقدمـة إليهـا، إلا وانعكـس ذلـك سـلبا علـى وضعيـة الطفـلات، حيـث يلجـأ عدد مـن أولياء الأمور إلى الإحجام عن تتبع المسـطرة القضائية، والاكتفاء بإبـرام زواج الفاتحة، وهـو زواج لا يمنعـه القانـون، بـل يلاحـظ وجود اتجاه للتسـاهل معـه حماية لمصلحـة الفتيات بعـد الإنجاب.
تعديل مدونة الأسرة.. ورش ملكي واهتمام حقوقي
فتح الخطاب الملكي، بمناسبة عيد العرش، النقاش مجدّدا بشأن تعديل مدوّنة الأسرة بعد مرور زهاء عقديْن من الزمن على اعتمادها، حيث طفتْ إلى السطح عدّة أسئلة حول الجهة التي ستتولى المبادرة التشريعية، وطبيعة المشاورات التي سيتمّ إطلاقها ونطاق التعديلات المرتقبة.
وحدد الخطاب الملكي الخطوط العريضة لمعالم التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، والتي يفترض أن تأتي في إطار تنزيل الفصل 19 من الدستور، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.
ومن حيث الأهداف، تروم هذه التعديلات تجاوز الاختلالات المرصودة نتيجة عدم التطبيق الصحيح لمدونة الأسرة، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين والعاملين في مجال العدالة ما زالت تعتقد بأن هذه المدونة خاصة بالنساء.
ومن حيث المنهجية، أكد الخطاب الملكي على اعتماد منهجية تعددية وتشاورية «في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية».
ومنذ إعلان الملك، بمناسبة خطاب عيد العرش، على تعديل مدونة الأسرة، تطرح عدة سيناريوهات حول الجهة التي ستأخذ زمام المبادرة ونطاق التعديلات المرتقبة.
فمن جهة أولى، تبقى هناك عدة خيارات بشأن الجهة التي ستأخذ زمام المبادرة. فقد يتم تفعيلها من خلال لجنة ملكية، على غرار التعديلات التي عرفتها المدونة خلال سنتي 1993 و2004، تفعيلا لدور المؤسسة الملكية كجهة يبقى لها الاختصاص الفعلي في تحريك المبادرة التشريعية في هذا الموضوع تفعيلا لمؤسسة إمارة المؤمنين.
وقد تأتي المبادرة من طرف البرلمان أو الحكومة، خاصة أن مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004 عرضتْ على أنظار البرلمان للمصادقة عليها كخطوة أولى لرفع هالة التقديس عليها.
وقد تأتي المبادرة، أيضا، من خلال تفعيل مؤسستين دستوريتين غير مفعلتين، ويتعلق الأمر بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، خاصة أن القانون يجعل من بين اختصاصاتهما «تتبّع ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تهمّ الأسرة والطفولة لالتزامات المغرب الدولية كما صادق عليها».
من جهة ثانية، تطرح عدة أسئلة حول نطاق التعديلات المرتقبة، فبالرجوع إلى المذكرات والبلاغات والبيانات التي سبق أن قدمتها عدد من الجمعيات النسائية بمناسبة تقييم تطبيق مدونة الأسرة، يلاحظ أن مطالبها كانت تركزت على «المراجعة الشاملة والعميقة» و«الإصلاح الجذري»، بشكل يوحي بأن المطلب يركز على إخراج مدونة جديدة ترسخ مبدأ المساواة بين الجنسين.
وتفاعل الملك محمد السادس مع مطالب العديد من الهيئات الحقوقية النسائية، الخاصة بمدونة الأسرة، بعدما أكد على تحيين الآليات والتشريعات للنهوض بوضعية المرأة.
وحمل خطاب الذكرى الـ23 لعيد العرش تفاعلا مع مطالب الحقوقيات، ومعهن النساء المغربيات، حين دعا إلى تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية النساء.
وظلت مدونة الأسرة محل جدل بين الأطراف السياسية، طوال الفترة الماضية، فيما يرى البرلماني المغربي أن تدخل الملك يبعد هذه الإصلاحات عن دائرة المزايدات السياسية والصراع الأيديولوجي والانتخابي بين تيارات تريد أن تعود بالبلاد إلى عصور غابرة، وأخرى لا تراعي البيئة الدينية والاجتماعية والثقافية.
استغلال «زواج الفاتحة» لتزويج القاصرات وتعدد الزوجات
رفض وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، التجاوب مع مطالب بتعديل المادة 16 من مدونة الأسرة، لتمديد آجال توثيق «زواج الفاتحة» لمدة خمس سنوات أخرى، بعد انتهاء الفترة الانتقالية قبل ثلاث سنوات، وبرر الوزير ذلك بوجود تحايل على هذه المادة للزواج بالقاصرات وتعدد الزوجات.
وأوضح وهبي في رد على سؤال كتابي بمجلس المستشارين، أن المادة 16 من مدونة الأسرة شرعت بالدرجة الأولى لمعالجة بعض الوضعيات الأسرية التي تتعلق بالزيجات الصحيحة غير الموثقة، وذلك لما فيه مصلحة الأسرة القائمة على زواج غير موثق بصفة عامة، ولمصلحة المرأة والطفل على وجه الخصوص، وذكر الوزير أن تطبيق مقتضيات هذه المادة ينصب على عمل قضائي محض واختصاص حصري للمحكمة التي تقوم، وقبل البت في دعاوى ثبوت الزوجية، بالتأكد من توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 16 من المدونة، معتمدة كافة وسائل الإثبات ومنها الخبرة، مع الأخذ بعين الاعتبار، حسب ما تتضمنه هذه المادة، وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في
حياة الزوجين، ولا تخضع في ذلك إلا لمراقبة محكمة الموضوع الأعلى درجة، وبعدها لمحكمة النقض باعتبارها محكمة قانون.
وأبرز الوزير أنه في إطار المجهودات المبذولة من طرف الوزارة عملت الأخيرة منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ في سنة 2004 على تحسيس المواطنين المعنيين بضرورة تسوية كل زواج غير موثق داخل الفترة المحددة في المادة 16 المذكورة، من خلال مجموعة من الحملات التحسيسية واللقاءات التواصلية التي نظمتها أو شاركت فيها، وكذا من خلال الجانب الإعلامي والتواصلي، وذلك من أجل تسوية الوضعية القانونية للأسر التي نشأت بناء على عقد زواج حالت أسباب قاهرة دون توثيقه، والحفاظ على حقوق المرأة والطفل على وجه الخصوص وحماية مصالحهم المعرضة للضياع نتيجة عدم وجود عقد زواج موثق، وتطويق ظاهرة الزواج غير الموثق قبل انتهاء الفترة المحددة قانونا في مدونة الأسرة.
وقد أسفرت هذه المجهودات عن حصيلة إيجابية للأحكام الصادرة بثبوت الزوجية، حسب الوزير، إذ تم تسجيل ما مجموعه 14863 حكما سنة 2016، و13440 حكما سنة 2017، و13088 حكما سنة 2018، و5044 حكما سنة 2019، و322 حكما سنة 2020، و258 حكما سنة 2021، وأوضح وهبي أن عدد هذه الأحكام يعكس عدد الأسر التي تمت تسوية وضعيتها القانونية، ونبه إلى أن مقتضيات الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، انتهى العمل بها في الأسبوع الأول من فبراير 2019.
غير أنه، يضيف الوزير وعلى مدى 15 سنة من تتبع تطبيق المادة 16 من مدونة الأسرة، تبين أن مقتضياتها، إذا كانت شرعت لغايات نبيلة مكنت من تسوية وضعية العديد من الأسر، فإن بعض الأفراد قد استغلوا وبسوء نية هذه المقتضيات للتحايل على القيود المفروضة على بعض أنواع الزواج في إطار التعدد الذي يتطلب إذن المحكمة، والزواج دون سن الأهلية الذي يتطلب إذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، قبل إبرامه، فأصبح يعمد إلى وضع المحكمة أمام أمر واقع «يضطرها» إلى قبول طلبات توثيق هذه الزيجات حفاظا على مصالح وحقوق الأطفال بصفة خاصة، مشيرا إلى أن هذه المادة فتحت بابا استثنائيا لما يسمى بسماع دعوى ثبوت الزوجية لمدة 5 سنوات، وتم تمديدها مرتين انتهت آخرها في فبراير 2019، ومع ذلك فإن مدة 15 سنة لم تكن كافية للقضاء على هذه الظاهرة، حيث مازال العديد من الأزواج لم يوثقوا عقود زواجهم بشكل قانوني وطبقا لمقتضيات مدونة الأسرة، كما توصلت الوزارة بملتمسات من مواطنين يرغبون في فترة زمنية أخرى لتسوية وضعيتهم الزوجية.
وأكد وهبي على أن تسوية وضعية هذه الفئة من المواطنين الراغبين في توثيق عقود زواجهم، تظل محل نقاش داخل الحكومة وعلى مستوى مؤسسة البرلمان لإيجاد صيغة ملائمة للحفاظ على استقرار الأسرة، وضمان حماية حقوق الزوجة والأطفال المولودين في إطار علاقة زواج غير موثق، ودراسة مدى إمكانية فتح أجل جديد لمعالجة ظاهرة توثيق الزواج وبالتالي الإبقاء عليها أو حذفها، أو تقييدها بعدم استعمال مقتضياتها لمباشرة مسطرة تزويج القاصر وتعدد الزوجات.
وتنص المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات، وكذا الخبرة، ويعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمسة عشر سنة، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وانتهت هذه الفترة، خلال سنة 2019، حيث كانت الصيغة الأصلية لهذه المادة تنص على إعمال ثبوت الزوجية لمدة خمس سنوات من صدور المدونة أي من سنة 2004 إلى غاية سنة 2009 ، وبعد ذلك تم تعديل هذه المادة وتمديد الأجل من 2009 إلى غاية سنة 2014 ، وتم تمديده للمرة الثانية إلى غاية سنة 2019.
وتبين من خلال الممارسة العملية أن بعض الأشخاص يستغلون هذه المادة للتحايل على المقتضيات القانونية المتعلقة بتعدد الزوجات أو بزواج القاصرات، حيث يعمدون بعد رفض طلباتهم المتعلقة بالتعدد أو بزواج القاصر إلى فرض الأمر الواقع من خلال إقامة مراسم الزواج بالفاتحة دون توثيق العقد لدى العدلين، وبعد ظهور الحمل لدى الزوجة يتم تقديم طلب إلى المحكمة لإثبات الزوجية.
برلمانيون يكشفون ثغرات قانونية تستدعي تعديل مدونة الأسرة
طالب برلمانيون بضرورة تعديل مدونة الأسرة، بعد مرور 18 سنة من الممارسة وتطبيق هذه المدونة على أرض الواقع، حيث تم الكشف عن مجموعة من الاختلالات التي تشوبها، والتي تستدعي مراجعة لبعض مقتضياتها، حتى تواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المجتمع المغربي خلال السنوات الماضية، وأيضا لتلائم المقتضيات الدستورية الجديدة لسنة 2011، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجالات تكريس المساواة والدفاع عن حقوق النساء.
وأشار المستشار البرلماني، كريم شهيد، إلى أن الملك محمد السادس تفاعل مع مطالب العديد من الهيئات الحقوقية النسائية، بعدما أكد على تحيين الآليات والتشريعات للنهوض بوضعية المرأة، وطالب شهيد بأن يكون تعديل المدونة وفق مقاربة تشاركية، وانطلاقا من القضايا المطروحة التي دقت بشأنها مجموعة من الجهات ناقوس الخطر، كزواج القاصرات، والولاية على الأبناء، ومساطر النفقة، والطلاق، وتقسيم الممتلكات، وإثبات النسب.
وتطرق شهيد إلى مجموعة من الإشكالات من قبيل الولاية القانونية، التي تم وضعها بيد الزوجين معا، والتي تطرح إشكالا حقيقيا لدى مجموعة من الأمهات عند الطلاق، خاصة عند طلب الحصول على وثائق للأبناء، أو رغبتهن في تنقيلهم للتمدرس أو السفر بهم، ففي كثير من الأحيان يستعمل الطفل كوسيلة لتصفية الحسابات بين الأبوين. كما أن زواج الأم الحاضنة يُسقط حضانتها، علما أن الأم لها مكانتها الخاصة، وتعتبر حجر الأساس في تربية وتكوين شخصية الطفل دون بلوغ سن الرشد.
وبدوره طالب فريق التجمع الوطني للأحرار بإصلاح جذري وشامل لمقتضيات مدونة الأسرة، وأوضحت المستشارة البرلمانية، جليلة مرسلي، أنه منذ سنة 2004 إلى اليوم حدثت تغييرات كبيرة في بنية المجتمع المغربي، يجب أن تسايرها قوانين جديدة، أضف إلى ذلك تفاعل المملكة المغربية بشكل إيجابي مع التوصيات التي قدمتها 127 دولة حول التقرير الذي قدمه المغرب، خلال العرض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، مطلع شهر نونبر الماضي، والذي تمخض عنه إصدار نحو 130 توصية، تتعلق أساسا بالمساواة بين الجنسين، كلها عوامل مجتمعة، تضيف المستشارة البرلمانية، تستدعي تعديل مدونة الأسرة.
وتعتزم وزارة العدل إطلاق منصة رقمية لضبط عقود الزواج وحالات الطلاق بالمغرب، وتهدف هذه المنصة إلى منع التحايل على طلبات الإذن بتعدد الزوجات، حيث يتم استغلال ثغرات قانونية من طرف بعض الأزواج للحصول على الإذن بتعدد الزوجات، واستعمال الإذن نفسه عدة مرات لإبرام عقود الزواج.
وأكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، في جواب كتابي عن سؤال وضعته النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، زينة شاهيم، أن وزارة العدل تولي لموضوع مدونة الأسرة أهمية بالغة، خاصة على مستوى تعدد الزوجات، وقيدته بضوابط قانونية صارمة ومضبوطة لتفادي التعسف في استعماله.
وأضاف الوزير أنه بتتبع المقتضيات المنظمة للتعدد في المدونة، فقد عمل المشرع على التضييق من دائرته إلى أقصى الحدود وأحاطه بضمانات هامة من شأنها حماية المرأة من أي ضرر قد يلحقها من بعض الأزواج، حيث اشترط على الراغب في التعدد تقديم طلب الإذن إلى المحكمة، وإثبات المبرر الموضوعي والاستثنائي للتعدد. كما ينص القانون على استدعاء الزوجة الأولى إلى المحكمة، لإشعارها برغبة زوجها في الزواج عليها، كما عمل على تجريم أعمال التدليس المرتكبة للتملص من اتباع الإجراءات المسطرية المقررة للحصول على إذن قضائي بالتعدد (المادتان 43 و66 من المدونة).
وأوضح وهبي أنه إذا كانت مدونة الأسرة قد عملت على توفير مجموعة من الضمانات القانونية، إلا أن الواقع العملي قد يعرف بعض السلبيات على مستوى التطبيق، حيث يتم التحايل على مقتضيات المدونة وذلك باستعمال بعض الأزواج المأذون لهم بالتعدد للإذن نفسه عدة مرات لإبرام عقود زواج غير مأذون بها، دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار إذن جديد بالتعدد، وفي هذا السياق، يضيف الوزير، ومن أجل تجاوز كل الإشكاليات المطروحة والممارسات الاحتيالية المخالفة للنصوص القانونية، فإن الوزارة تعتزم إطلاق منصة رقمية لضبط عقود الزواج وحالات الطلاق بالمغرب، بغية منع التحايل على طلبات الإذن بتعدد الزوجات.
تسجيل 26957 حالة طلاق في سنة 2021 منها 20655 طلاقا اتفاقيا
كشفت معطيات رسمية صادرة عن وزارة العدل، ارتفاع حالات الطلاق بالمغرب منذ الشروع في تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة، وأكد الوزير عبد اللطيف وهبي، في رده على سؤال كتابي أنه في إطار تتبع تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة الذي تضطلع به وزارة العدل، فقد تبين أن حالات الطلاق عرفت انخفاضا طفيفا منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى غاية 2021 حيث انتقل العدد من 26914 حالة طلاق سنة 2004 إلى 20372 حالة سنة 2020، لتعاود الارتفاع خلال سنة 2021، حيث بلغ عدد حالات الطلاق ما مجموعه 26957 حالة.
وأوضح الوزير أن الطلاق الاتفاقي أصبح يشكل النسبة الأكبر من حالات الطلاق بمرور السنوات، إذ انتقل من 1860 حالة خلال سنة 2004 إلى 20655 حالة خلال سنة 2021. وأرجع الوزير هذا الارتفاع إلى عدة أسباب، ذكر منها تنامي الوعي لدى الأزواج بأهمية إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي، وحل النزاعات الأسرية بالحوار للوصول إلى الاتفاق، بالإضافة إلى المرونة والسهولة التي يتسم بها هذا النوع من الطلاق، الناتج عن اتفاق الزوجين، وعلى عكس ذلك، يضيف الوزير، شهد الطلاق الرجعي تراجعا ملحوظا السنة تلو الأخرى واستقر عدد حالاته خلال سنة 2021 في 4526 حالة طلاق مقابل 7146 حالة خلال سنة 2004.
وأبرز الوزير أنه رغبة في حماية الأسرة من التشتت والمحافظة على كيانها، نصت مدونة الأسرة على إلزامية القيام بمحاولة الصلح بين الزوجين في جميع قضايا الطلاق والتطليق – ما عدا التطليق للغيبة- ولا تأذن المحكمة بالإشهاد على الطلاق إلا بعد استيفاء الإجراءات القضائية المتعلقة بإصلاح ذات البين بين الزوجين وإعلانها محاولة فشل الصلح.
وإذا كانت مسألة الصلح كإجراء جوهري في المادة الأسرية أناطها المشرع بالقاضي في إطار مهامه التي يمارسها أثناء نظره في النزاع الأسري، فإنه يستعين في ذلك بمؤسسات وجهات وأشخاص لمساعدته على إجراء محاولة الصلح بين الزوجين، وهي انتداب حكمين في كل من طلبات الإذن بالإشهاد على الطلاق وفي دعاوي التطليق، وخاصة مسطرة التطليق للشقاق، طبقا للمادتين 82 و94 من مدونة الأسرة، وكذلك مجلس العائلة باعتباره من المؤسسات التي أقرها المشرع المغربي لأجل إصلاح ذات البين بين الزوجين، وهو من مستحدثات تعديل ظهير 10 شتنبر 1993، حيث تم التنصيص عليه في الفصل 56 مكرر، بهدف مساعدة الجهاز القضائي في إيجاد حلول بديلة وسريعة لحل النزاعات الأسرية.
وتحدث الوزير كذلك عن المجالس العلمية كآلية من آليات الصلح، وفي هذا الصدد عملت الوزارة على تعزيز التنسيق بين المجالس العلمية وأقسام قضاء الأسرة من أجل التعاون على إصلاح ذات البين بين الزوجين بمقتضى المنشور عدد 24 س 2 الصادر بتاريخ 24 دجنبر 2010، كما قامت الوزارة بإحداث إطار وظيفي داخل فضاءات أقسام قضاء الأسرة يتمثل في المساعدات والمساعدين الاجتماعيين الذين أصبحوا يؤدون دورا مهما في مساعدة القضاة على إجراء محاولة الصلح في مساطر الطلاق والتطليق، حيث تمت تغطية جميع الأقسام المذكورة بمساعدات ومساعدين اجتماعيين متخصصين.
«إشكالات أوجبت تعديل مدونة الأسرة وتجويد النص التشريعي»
- ما الإشكالات التي تستوجب تعديل مدونة الأسرة؟
هناك عدد من التفاصيل التي أوجبت الشروع في تعديل مدونة الأسرة، سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع. ولعل أبرز البنود تلك المتعلقة بمسطرة الطلاق للشقاق، وهي المسطرة التي تم تشريعها من أجل حل مشكل التعسف على المرأة في الطلاق، غير أنه إذا بها وسعت من دائرة الطلاق، بالإضافة إلى المقتضيات المرتبطة بسن زواج القاصر، وهي التي لم يحدد المشرع حدا أدنى بخصوص السلطة التقديرية للقضاء، وهو الأمر الذي خلق مشكلا، إذ وجب عدم منح السلطة التقديرية للقضاء بالشكل المطلق، وهو الأمر الذي تطالب به، أيضا، الجماعات الضاغطة والتي تشتكي من كون زواج القصر مازال مستشريا.
بالإضافة إلى هذا، نجد النقاش المرتبط بالنسب، وهو الموضوع الذي يتطلب الجرأة في المعالجة، لأن المادة 148 تفصل بين البنوة الشرعية وغير الشرعية، غير أن البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب، وهذا تترتب عليه آثار مادية ونفسية على الطفل، خصوصا إذا ربطنا هذا بكون المغرب منخرطا في عدد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الأطفال، وهذا ما يشكل تعارضا، وبالتالي وجب الاجتهاد لمعالجة المادة 148 من المدونة.
أما بخصوص ملف التعدد، فيجب التأكيد على أنه من الضروري التقييد من السلطة التقديرية للقضاء في هذا الجانب، هذا زيادة على ما تطرحه مسطرة الصلح أمام القضاء من مشاكل، حيث يجب أن تناط هذه المهمة بجهات ما قبل التوجه للقضاء، وأن تكون مؤسسة (الوساطة أو الصلح)، على اعتبار أن التوجه للقضاء يجب أن يكون للفصل وفقط، وعلى اعتبار أن منح الاختصاص في مهمة الصلح للقضاء هو، في الأول، هدر للزمن القضائي وفي الوقت نفسه لا يتم الصلح، وأعتبر أن هذه النقطة جوهرية، زيادة على أن (التطليق للعيب) تعتبره المدونة «فسخا» وليس طلاقا، لكنه في الأصل طلاق ووجب أن يعتبر كذلك حتى تترتب عليه آثار الطلاق.
وبالإضافة إلى كل هذا، هناك إشكالات ترتبط، أيضا، بالوصية الواجبة، وهي التي لا تشمل إلزاما الأطفال المكفولين، وهو ما لا أراه سليما، بل وجب التنزيل الإلزامي لها في الأطفال المكفولين، فلا يعقل أن يتعرض الطفل المكفول للإقصاء من الميراث في حال باغت الكفيل الموت وهو لم يوصي، ففي هذه الحالة يكون ثمة ضياع لحقوق المكفول الذي سيتعرض للإقصاء من الورثة، وهو ما ليس فيه مصلحة للطفل، الذي يكون في مواجهة الأزمة المعنوية والمادية في هذا الأمر، زيادة على ما يطرحه مشكل الحضانة بين الوالدين، حيث تحدد المدونة الحضانة بالترتيب للأم ثم أم الأم ثم الأب ثم أم الأب، وهو الأمر الذي يخلق بعض المشاكل، خصوصا في ما يتعلق بسفر المحضون خارج أرض الوطن وبعض الحالات الاستثنائية الأخرى، دون إغفال ما تطرحه، أيضا، مقتضيات الإذن بالزواج من إشكالات بخصوص المسطرة والإجراءات الإدارية، والتي تتطلب اليوم بعض المرونة، خصوصا في منح الاختصاص لمؤسسة العدول، ولا يستساغ (الإشراف القبلي والبعدي للقضاء)، بل وجب التحكيم للإذن الإلكتروني بحكم التطور التكنولوجي الذي تجب الاستفادة منه في هذا المجال.
- ما التعديلات التي يمكن أن تفرضها التطورات التكنولوجية في هذا السياق؟
كما أشرت سالفا، تجب الاستفادة قدر الإمكان من التطورات والإمكانيات التي تتيحها لنا التقنيات الحديثة، وقد تابعنا حديث السيد وزير العدل عن الاشتغال على منصة خاصة بخصوص المتزوجين، وهو الأمر الذي نراه إيجابيا، إذ من شأنه تبسيط المساطر وتسهيل الحياة، بالإضافة إلى ضبط بعض الخروقات والتلاعبات، خصوصا في الإذن من أجل الزواج، وإن كان يمكن أن تكون لاستعمال التقنيات الحديثة بعض السلبيات في الشق العملي، فإن إيجابياتها مهمة وضرورية وتفرضها التطورات الأخيرة.
- ما المنهجية التي يمكن الاشتغال عليها في تعديل مدونة الأسرة؟
يجب التأكيد على أنه وجب الاشتغال على هذا التعديل المنتظر وفق منهجية إشراك جميع الأطراف المتدخلين، منهم قضاء الأسرة والجمعيات المدنية والأساتذة المتخصصين والباحثين، بالإضافة إلى مؤسسات التشريع والعدول وغيرهم. وهنا وجب التأكيد على أن لجنة اقتراح مدونة الأسرة، التي تم إحداثها في 2004، ظلت تشتغل لمدة ثلاث سنوات، منذ أن عينها جلالة الملك، وكانت تخصص لقاءات مع المجتمع المدني، على اعتبار أنه الوسيط مع العديد من الأطراف، خصوصا في المناطق البعيدة، وبالتالي وجب التأكيد على أن تعديل مدونة الأسرة ليس بالمهمة السهلة ولا الهينة، على اعتبار أن أي نص تشريعي يجب أن يجيب عن المشاكل التي تطرح في المجال، إذ لا يمكن أن يتم تشريع نص لا يستجيب لانتظارات سكان المناطق النائية ويعتمد مقاربة المركز فقط.
*أستاذ الفقه العملي بدار الحديث الحسنية بالرباط