مدام أوحنا.. المرأة التي حلم الجميع بلقائها وأحاطها زوجها بطقوس يهودية سرية
أغلب المغاربة، خصوصا سكان مدينة الصويرة منهم، عرفوا جو أوحنا، كرجل أعمال يهودي، منخرط في حزب الاتحاد الدستوري الذي ترشح عبره في الانتخابات منتصف الثمانينات.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن جو أوحنا، اليهودي المغربي المتحدر من مدينة مكناس، كان واحدا من اليهود الخمسة الأوائل الذين تم إدماجهم في الحياة السياسية منذ تأسيس أول حكومة مغربية سنة 1956. ليلتحق مبكرا بالحياة السياسية عندما أسس المهدي بن بركة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ولأن علاقة وطيدة جمعت جو أوحنا مع المهدي بن بركة نهاية الخمسينات وبداية الستينات، فإن اللعنة التي لاحقت المهدي طالته هو أيضا، ليتم إدراج اسمه سنة 1963 في لائحة الأسماء المتهمة بالضلوع في مؤامرة ضد النظام، ويصبح جو أوحنا مطاردا، بعد فراره من حكم صادر في حقه بالمغرب، يقضي بسجنه عشرين سنة على خلفية تلك الأحداث، ليعيش حياته بين باريس والولايات المتحدة الأمريكية. حتى أن التحقيقات تقول إن المهدي بن بركة أياما قبل اختطافه الشهير في فرنسا، كان يقيم في شقة يملكها جو أوحنا كان قد وضعها رهن إشارته.
الحياة الزوجية لجو أوحنا ظلت سرية وبعيدة عن أعين أقرب المقربين إليه، رغم أنها بدأت متأخرة، خصوصا بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه كان يحاول دائما الحفاظ على التقاليد اليهودية التي يخلص لها حتى في المنفى بعيدا عن عائلته المكناسية، التي لم يتبق منها أحد تقريبا في المغرب، بعد مجيء حملات الهجرة الجماعية.
نحا جو أوحنا بأسرته بعيدا، لكن زوجته «مدام أوحنا» كانت تعرف الشخصيات المهمة في السياسة والاقتصاد من خلال عيني زوجها فقط. ولما كان «جو» يقدم زوجته للمقربين منه فقط، مع حرصه الشديد على عدم إظهارها في اللقاءات المفتوحة التي كان يتردد عليها بين الفينة والأخرى قبل مجيء مؤامرة 1963، فإنه كان يقدمها دائما باسمه وليس باسمها الخاص، وهكذا كانت هذه القلة تعرفها باسم السيدة أوحنا وليس باسمها الشخصي.
بعض المصادر التي استقت منها «الأخبار» معلومات حول الزوجة الغامضة لجو أوحنا، أكدت أن السيدة عاشت مع «جو» أصعب فترات حياته، وكانت قريبة جدا من وسط العائلة، بحكم أن «جو» كان ابنا لكل من «يهودا» و«بيدا» أوحنا. وهكذا فإن زوجته كان عليها أن تبقى خاضعة دائما لنظام الأسرة اليهودية الصغيرة، خصوصا أن والد «جو» كان يعارض بشدة فرضية زواج أبنائه من نساء أجنبيات ولو كن يهوديات، أما مسألة زواجه من ديانة أخرى، فقد كان أمرا مستحيل الوقوع.
أنجبت مدام «أوحنا»، التي حملت الاسم العائلي بدورها، كلا من «علياء» و«مارك» أوحنا، وتقول المصادر نفسها إن علاقة ودية كبيرة كانت تربط زوجة جو أوحنا بإخوته، خصوصا «عمار» و«توليدانو».
وبحكم الإقامة التي اقتضتها الظروف السياسية، بعيدا عن المغرب، فإن زوجة جو أوحنا كانت تتردد معه على أمريكا كثيرا، حيث قضى الزوجان هناك فترة أطول مقارنة مع المدة التي قضياها في باريس، خصوصا أن أحداث اختفاء المهدي بن بركة وما راج وقتها من فرضيات وسيناريوهات حول إمكانية تعرضه للتصفية الجسدية فوق التراب الفرنسي، جعل أسرة «أوحنا» تفضل الابتعاد تماما عن فرنسا، وانتظار صفاء الأجواء المغربية. لكن تلك الأجواء تطلبت وقتا أطول لتصفو حتى بعد أن أسقط الملك الراحل التهم عن الذين صدرت في حقهم عقوبات أقصاها الإعدام على خلفية أحداث سياسية، ورغم ذلك فإن جو أوحنا تأخر في الدخول إلى المغرب.
بالنسبة لزوجته، لم يكن الأمر نابعا من خوف فقط، ولكن لأن الأعمال التجارية لزوجها «جو» كانت مزدهرة في أمريكا وباريس، واختار الزوجان أن يؤخرا عودتهما إلى المغرب.
بداية الثمانينات كان «جو أوحنا» قد استقر بأسرته الصغيرة في المغرب، وهنا بالضبط كانت مجالس علية القوم في الدار البيضاء والرباط ومراكش، تسأل عن الزوجة الخفية الواقفة خلف رجل الأعمال اليهودي الناجح، جو أوحنا، بالإضافة إلى أن العائلات اليهودية المغربية التي نجحت في الخارج، وتتحدر من مدينة الصويرة، كانت تجري اتصالاتها مع جو أوحنا الذي سيختار في الأخير أن يشرف على مشاريع تجارية تتعلق بالشاي والسكر، وهما المادتان اللتان ستدخلانه إلى السياسة من جديد بعد تأسيس حزب الاتحاد الدستوري، الذي سيدخل به جو أوحنا إلى البرلمان، ويصبح أول يهودي يفوز بمقعد في العالم العربي.
هنا بالضبط، كانت مدام أوحنا مطلوبة، لكنها بقيت وفية لمحيطها اليهودي، ولم تكن المرات التي ظهرت فيها إلى جانب زوجها وأبنائها الذين سينشئون علاقات واسعة مستفيدين من موقع والدهم في حزب الاتحاد الدستوري، تتعدى أصابع اليد الواحدة.