![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2022/09/640x480.jpg)
ماريا معلوف
لم تنجح الحرب الروسية الأوكرانية في خلق معسكرين واضحي المعالم، كما كان الأمر في الحرب العالمية الأولى، حيث انقسمت الدول الكبرى آنذاك إلى معسكرين أساسيين؛ معسكر الحلفاء ومعسكر الدول الوسطى، وكان كل معسكر يدعم بعضه البعض سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
أما اليوم فإن بذور الفتنة الاقتصادية ستكون محفزا أساسيا لشق المعسكر الواحد، فرغم اعتقاد الكثيرين أن أمريكا نجحت في خلق نوع من الوحدة الأوروبية الأمريكية لمواجهة كل من الصين وروسيا، إلا أن الديك الفرنسي يصيح صباح مساء استياء من السياسة الحمائية التي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية انتهاجها، وهذا ما يرتد سلبا على مصلحة الشركات الأوروبية.
فرنسا هددت على لسان وزير ماليتها، برونو لومير، برفع شكوى أوروبية ضد الولايات الأمريكية، بسبب النزاع التجاري القائم، كون الأخيرة اعتمدت قانون خفض التضخم الأمريكي الجديد الذي سيشكل ضربة قاسية لمستقبل الشركات الأوروبية، سيما ما يتعلق منها بموضوع صناعة السيارات الكهربائية المحلية، حيث تعمد الولايات المتحدة إلى الاستثمار في هذا المجال وتضخ مساعدات في هذه الصناعة، ما يعني تقليص هامش أرباح الشركات الأوروبية في صناعة السيارات، وانتهاج سياسة الاكتفاء الاقتصادي في هذا القطاع .
على ما يبدو فإن الاتحاد الأوروبي لا يريد أن يبقى الملتزم الوحيد بحرية التجارة لأسباب عديدة، منها اتباع واشنطن لسياسة حمائية شرسة لم تراع من خلالها مصالح الدول الأوروبية، عبر شراء المواطنين للمنتوجات الأمريكية حصرا، وتحفيز واشنطن المُفرط والمميز لبعض الصناعات الأمريكية.. هذه الأسباب المجتمعة جعلت الاتحاد يرى أنه المنطقة التي لا تعطي أفضلية لمنتوجاتها على سواها .
إن وجود مشروع قانون خفض التضخم الأمريكي يشكل ضربة قوية للاتحاد الأوروبي، حيث تصل فيه نسبة الإعفاء الضريبي إلى 30 في المائة من كلفة المصانع الجديدة، أو المستحدثة التي تبني مكونات الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى منح ائتمان ضريبي لكل ما يتم إنتاجه في مصنع أمريكي، ما يعني أن الاستثمارات المستقبلية ستزحف في اتجاه الولايات المتحدة، وهو ما سيشكل منافسة غير عادلة تصيب منطقة الاتحاد.
لذلك فإن الحديث الذي تسير به منطقة الاتحاد اليوم سيكون الأكثر صرامة وقساوة لعرقلة هذا القانون، على الرغم من توجه الجانبين إلى إجراء نقاشات لمعالجة هذا الأمر، كما تسعى المفوضية الأوروبية في إقناع واشنطن لإيجاد حل وسطي ضامن لمصلحة شركات السيارات الأوروبية ومورديها، وإلا حربا تجارية تقرع طبولها عبر المحيط الأطلسي، سببها السياسات التجارية التي ترسمها إدارة بايدن، والقائمة على دعم الصناعات المحلية، والتضييق على تجارة التكنولوجيا مع الصين، كما أن هذا الصراع سيفتح بابا آخر للتوافق والتعاطف بين كل من برلين وفرنسا لتضرر وتأثر ألمانيا على مستوى صناعة السيارات الألمانية، حيث تمثل الأخيرة جزءا كبيرا من الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة.
إن الاتحاد يتحضر إلى درس مجموعة من الخطوات التي سيتخذها مستقبلا، إن لجهة التوجه لإغلاق أسواقه في وجه واشنطن، كرد فعل عكسي على مشروعها الحمائي، أو العمل على قاعدة المبادلة بالمثل، حيث تتم الدعوة إلى دعم المستهلكين والشركات التي تشتري السيارات الكهربائية المنتجة في الاتحاد، وتعزيز دفاعات الاتحاد الأوروبي التجارية. أمام هذه الخطوات، هل ستعود واشنطن خطوة إلى الوراء مراعية مصالح منطقة الاتحاد؟