شوف تشوف

الرأي

محاولات السطو على الحراك الجزائري

توفيق رباحي
حدثني مصدر موثوق عن جهود زوجة مسؤول جزائري كبير (جدا)، لتبرئة زوجها المسجون في قضايا فساد مالي وسياسي. انتقدت هذه السيدة النظام الحاكم بشدة، ثم قالت خلال تبادل أطراف الحديث بثقة: زوجي مع الحراك.. وأنا كذلك!
لا يستغرب مَن خَبَر المسؤولين الجزائريين، ولو قليلا، هذا الكلام. ولا يستبعد أن اللواء محمد مدين، لو تسربت إلى الرأي العام أحاديثه الخاصة بعد الإطاحة به، سيصبح هو الآخر معارضا للنظام ومع الحراك. والكلام نفسه ينسحب على المسجونين معه، بل حتى على أحمد أويحيى الذي تجسدت فيه شرور النظام كلها.
والمعروف عن المسؤولين الجزائريين أنهم عندما يكونون في مناصب الحكم والمسؤولية، هم مرادف للإخفاق وعدم الكفاءة، وفي كثير من الأحيان للفساد. لكن بمجرد إزاحتهم من المناصب يتحولون إلى معارضين أشداء للنظام.
لقد أتيح لي، بحكم المهنة، أن التقيت بعدد من المسؤولين الكبار بعد إقالتهم. لم أسمع من أحد إقرارا بالذنب أو اعترافا ولو ضمنيا بالإخفاق أو بالفساد، بل سمعت انزعاجا من النظام ومن عجز «الآخرين»، ثم شكاوى من ضيق الحال تجعل المرء يفكر في مد يده إلى جيبه والتصدق عليهم!
لهذا لم أستغرب أن أبرز ما ميز الاحتفال بمرور سنة من عمر حراك الجزائريين، تلك الجهود المبذولة للسطو على هذا الحراك وتمييعه. الخطاب السياسي الرسمي. تصريحات رئيس الدولة ومن يدورون في فلكه. اللغة الحزبية. المنظمات الأهلية والنقابية. الإعلام بشقيه، الحكومي والخاص.. كل هذا سُخِّر ليصب في التمييع والسطو. الجزائريون لم ينتفضوا ضد المخلوع وشقيقه وأقاربه فقط، وإنما أيضا ضد ما كان يرمز له من ممارسات سياسية وحزبية وإعلامية. لكن من طرائف السياسة في الجزائر أن الذين انتفض المجتمع أصلا بسببهم ومطالبا برحيلهم، احتفوا بالحراك وكأنهم هم القوة المخططة والمحركة له. هل هناك عملية سطو أسوأ من هذه؟
طيب، وماذا عن الذين يصرون على التظاهر كل جمعة وثلاثاء، بلا ملل، بينما تلاحقهم سياط واتهامات هؤلاء الذين أقاموا الولائم والحفلات التلفزيونية؟
كيف يرضى الرئيس ببقاء العديد من خصوم المخلوع ورموز الحراك في السجون منذ عدة أشهر، بلا محاكمات، ثم يحتفي بالحراك فيصفه بالمبارك ويعلنه يوما وطنيا؟
في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي كانت زمرة المخلوع تناور لوأد الحراك في المهد. بعد عام بالتمام تناور زمرة، بل زُمَر، أخرى لتنفيذ المهمة ذاتها من أجل الهدف عينه. تغيرت الواجهة فقط.
مرة أخرى لا غرابة. هي تفرعات الثقافة السياسية المذكورة في بداية هذا الكلام: النظام يصبح شريرا في عيون المسؤولين عندما يلفظهم فقط. والحراك مبارك قبل أن يرفض الخطة التي فرضها النظام ويبدي إصرارا على الاستمرار. النظام يكون طيبا في عيون ذريته فقط عندما يضمها ويوفر لها الامتيازات والنفوذ. ويكون الحراك مباركا فقط عندما يهلل للانتخابات الرئاسية ويذوب في خطاب قائد أركان الجيش السابق (رغم أنه وصف المتظاهرين في بداية الحراك بالمغرر بهم، ودعواتهم للاحتجاج بالنداءات المشبوهة).
أغلب الذين زايدوا في الاحتفاء بالحراك، من الرئيس تبون ونزولا إلى شخصيات وهيئات ومنظمات لم تفوت فرصة لتكريس الفساد السياسي، لا يؤمنون بالحراك ولا يكتفون بتجاهله وإنما يفعلون الكثير لعرقلته وشيطنته.
من سوء حظ هذا الحراك المسكين أن صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، وضمن تغطيتها لذكراه السنوية الأولى، اختارت نشر تحقيق عن دور الشواذ جنسيا في الحراك. نشرت الصحيفة شهادة اثنين وقالت إن الشواذ، الذين شاركوا في الحراك قبل اليوم كمنتسبين لأحزاب ونقابات وجمعيات، سيتظاهرون في الجمعة 53، نساء ورجالا، ولأول مرة «بشعارات موحدة تعبر عن هويتهم الجنسية».
كأن الطعنات التي تلقاها الحراك من ذوي القربى لا تكفي! لم يكن هناك داع لهذه «الهدية» من «ليبراسيون» لخصوم الحراك، وهي تدرك تماما أن المجتمع الجزائري ليس هو السويدي، وأن آخر ما يحتاجه الحراك اليوم هو ذلك التقرير الضحل والمسموم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى