محادثات فيينا وأمل إيراني
فاطمة ياسين
أحدثت العقوبات التي أصدرها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على إيران، بعد أن انسحب من الاتفاق النووي (خمسة زائد واحد)، تصدعات جديدة في اقتصاديات إيران، حين تجاوزت عقوباته الموجهة البرنامج النووي والعاملين فيه، لتطاول الدولة والنظام والبنية الاقتصادية، من خلال ضرب قطاع النفط والشحن والمصارف ومجموعة خاصة من الأشخاص والهيئات التي تدعم النشاطات الإيرانية في الخارج، وبشكل خاص الحرس الثوري وفيلق القدس، فحدث، بعد تطبيق تلك العقوبات، ما يشبه الانهيار للعملة الإيرانية التي فقدت قيمتها بتسارع مربك، أحدث قلقا في الشارع. ولم يخفف التململ الأوروبي من عزم ترامب المصر على المزيد، حتى تم تصنيف هذه العقوبات بالأشد على الإطلاق.
وعلى الرغم من التضور الإيراني وعجز أوروبا عن المساعدة، إلا أن رد إيران كان واهنا، فقد اقتصر على التهديد عالي الموجة مع إعادة التخصيب بمستويات تتجاوز ما هو منصوص عليه في الاتفاق، من دون أن يتجاوز الأمر عتبة القلق الإسرائيلي أو الأمريكي، أو حتى الأوروبي، فانصرفت إيران إلى الرهان على حدوث تغيير في الموقف الأمريكي مع تغير الإدارة، ولا بد أن الرئيس حسن روحاني صلى من أجل حدوث هذا التغيير كثيرا.
حملت إيران معها كل همومها الاقتصادية، وذهبت إلى جنيف، وكل ما ترغب به هو إزالة هذا الضغط الكبير المؤثر على كل ما تقوم به، بالإضافة إلى تحملها مزيدا من الضغط في الشارع الذي ينتفض بين الفينة والأخرى، معبرا عن حالة قد تخرج عن السيطرة. ولذلك نصبت سدا من التشدد برفضها القيام بالخطوة الأولى، وبرفضها الحديث وجها لوجه. وهذا في الواقع يؤخر الوصول إلى اتفاق، ولا يساعد إيران في احتلال موقع تفاوضي قوي.
جاء الرد من الدبلوماسي الروسي الذي «توقع» أن تكون المفاوضات طويلة وشاقة، ووافقه السفير الأمريكي بشأن مشقة المفاوضات، وزاد عليها القول إنهم ليسوا على عجلة من أمرهم، وهذا ما لا تريده إيران التي تتلهف للعودة إلى لحظة ما قبل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق. ولإضفاء جو مبهج قال نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، إن المفاوضات كانت مثمرة، فقد أنتج اليوم الأول لجنة خبراء لتقييم الوضع وإسداء النصائح والتوصيات!
اعتقدت إيران أن برنامجها النووي سيكسبها «احتراما»، وربما نفوذا إقليميا، وظنت أنها يمكن أن تعبر العتبة النووية بسرعة ونجاح، قبل أن يسترد العالم أنفاسه، ولكنه الآن ارتد عليها، وأصبح خطرا اقتصاديا وعسكريا داهما، ولم يعد أكثر من ورقة تتلهف إيران لتلقيها في سبيل تعويض ما خسرته طوال عقود من الأحلام الإقليمية، فهي تعرف حجم المعارضة الإسرائيلية لبرنامجها، وقدمت إسرائيل عرضا لمستوى قدرتها على الوصول، باغتيال العالم الإيراني، محسن فخري زاده، في وسط إيران بتخطيط دقيق وسريع، من دون أن تتمكن أجهزة الأمن، ولا الحرس الثوري الإيراني، من التحرك قبل العملية أو بعدها، ما لفت الأنظار إلى الصمت الإيراني والعجز والتسليم بالإحجام عن أي رد فعل أو خطة انتقامية، وإن رمزية.
على الرغم مما تظهره أمريكا، بحزبيها الرئيسيين الممسكين بسياستها الخارجية، من مواقف متناقضة تجاه إيران، فهناك إرادة حقيقية في منعها من امتلاك سلاح نووي، فأمريكا الدولة تدرك أن امتلاك إيران سلاحا من هذا النوع معناه إفلات الإقليم وغرقه في فوضى الولاءات والمذهبية، وهي تسعى، وعبر مفاوضات فيينا نفسها، إلى إدخال عناصر جديدة في هذا الاتفاق، كالصواريخ الباليستية، وهذه تشكل تهديدا إيرانيا آخر، إلى جانب ميليشياتها المزروعة في لبنان وسوريا والعراق، وهي بمثابة دول كامنة تعمل وفق السياسة الإيرانية.
ولذلك يتوقع المندوب الأمريكي أن يكون التفاوض طويلا، وسيكون على إيران أن تجد مناخا مختلفا لمحاولة فرض نفوذ إقليمي، ولعلها مهدت لذلك بعقد اتفاقيات طويلة الأمد، وبمبالغ خرافية، مع الصين.
حملت إيران معها كل همومها الاقتصادية، وذهبت إلى جنيف، وكل ما ترغب به هو إزالة هذا الضغط الكبير المؤثر على كل ما تقوم به، بالإضافة إلى تحملها مزيدا من الضغط في الشارع الذي ينتفض بين الفينة والأخرى