
رغم الإجراءات الحكومية المعلنة، من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين وضبط أسعار المواد الاستهلاكية، إلا أن الواقع يقول شيئا آخر، حيث تعرف أسعار مختلف المواد ارتفاعا صاروخيا، رغم وفرة العرض. ويرجع ذلك بالأساس إلى المضاربات في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، التي تؤدي إلى زيادات غير مشروعة في الأسعار، بالإضافة إلى تدخل الوسطاء و«الشناقة» الذين يتحكمون في الأسعار داخل أسواق سوداء موازية لأسواق الجملة، وكذلك افتعال أزمات انقطاع بعض المواد، رغم توفرها بشكل كاف، حسب تأكيدات الوزارات المعنية. كما فضح مجلس المنافسة وجود جشع لبعض الشركات الكبرى ساهم في ارتفاع التضخم، حيث تعمدت هذه الشركات الرفع من الأسعار، للزيادة في هوامش الربح بطريقة غير معقولة. ولحماية المستهلكين من مثل هذه الممارسات المشينة لبعض منعدمي الضمير، يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات صارمة لحماية المستهلكين، وتفعيل دور مجلس المنافسة لممارسة صلاحياته الدستورية، باعتباره سلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
مجلس المنافسة يتمتع بسلطات تقريرية لمراقبة الأسعار وضبط الأسواق
يتمتع مجلس المنافسة بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وفي مجال مراقبة التركيزات من خلال خضوع كل عملية تركيز تتجاوز عتبة معينة من رقم المعاملات أو من الحصص السوقية إلى ترخيص من طرف مجلس المنافسة، والذي يقوم بدراسة آثارها الآنية والمستقبلية على المنافسة داخل الأسواق المعنية بهذه العملية.
ويخول القانون سلطات تقريرية لمجلس المنافسة في ما يتعلق بضمان شروط منافسة عادلة ومتكافئة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، كما يعهد إلى المجلس بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تنظيم المنافسة داخل الأسواق ومراقبة الممارسات المنافية للمنافسة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، وتنص المادة 14 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أن أي عملية تركيز لا يمكن أن تتم إلا بعد موافقة مجلس المنافسة عليها، الذي يتعين أن يتخذ قراره داخل أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ توصله بطلب الموافقة المستوفي للشروط وكافة المساطر من طرف الجهات المعنية، ويمكن تمديد هذه المدة ثلاثين يوما، إذا توصل المجلس بالتزام من طرف الجهات المعنية بعدم الإخلال بقواعد المنافسة المتكافئة، ويحيل المجلس قراره على الإدارة المعنية، سواء بقبول العملية أو برفضها أو بتعميق النظر في الملف، ويتعين على المجلس أن يدلي برأيه، في هذه الحالة الأخيرة، داخل أجل لا يتعدى 120 يوما ابتداء من فتح الملف.
ومنح الدستور الجديد لمجلس المنافسة الشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، كما يتيح الإمكانية للمجلس من أجل النظر في أي ممارسات يشتبه في أنها تتنافى مع المنافسة الحرة، ويمكن للجان البرلمانية الدائمة أن تستشير المجلس بخصوص مقترحات القوانين المتعلقة بالمنافسة، كما يبدي رأيه، بطلب من الحكومة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجالس الجهة والجماعات وغرف التجارة والصناعة والخدمات والغرف الفلاحية وغرف الصناعة التقليدية والصيد البحري والهيآت النقابية والمهنية ومؤسسات التقنين القطاعية وجمعيات المستهلكين، في كل المسائل المتعلقة بمجالات المنافسة.
وبخصوص تركيبة المجلس، فإنه يتشكل بالإضافة إلى رئيسه، من أربعة قانونيين، منهم قاضيان يشغلان منصبي نائبي الرئيس، وأربعة خبراء في المجالات الاقتصادية أو المتعلقة بالمنافسة، يعين اثنان منهم، أيضا نائبين للرئيس، وثلاثة أعضاء يزاولون أو زاولوا أنشطة إنتاجية أو في قطاعي التوزيع والخدمات، وعضو يتوفر على الكفاءة المطلوبة في مجال الاستهلاك، ويمثل الحكومة مفوض لها، يشارك في اجتماعات المجلس دون المشاركة في اتخاذ القرارات، ويعين رئيس المجلس بظهير لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويعين القاضيان بمرسوم من رئيس الحكومة، بعد اقتراح من رئيس المجلس واستشارة وزير العدل، ويعين الأعضاء القانونيون والخبراء في القضايا الاقتصادية والمنافسة بمرسوم لرئيس الحكومة وباقتراح من رئيس المجلس، وبعد استشارة الوزير المكلف بالمنافسة، ويقترح الرئيس، أيضا، أسماء ثلاثة أعضاء زاولوا أو يزاولون أنشطتهم في قطاعات الإنتاج والتوزيع والخدمات، ويعينون بمرسوم لرئيس الحكومة، بعد استشارة وزير الصناعة والتجارة. ويعين أعضاء المجلس لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد. وتحدد تعويضات الأعضاء بمقتضى النصوص التنظيمية.
مجلس المنافسة يوصي بمحاربة الاحتكار واقتصاد الريع
أكد مجلس المنافسة على ضرورة العمل على إرساء منظومة وطنية للمنافسة، قوية ومندمجة، كفيلة بجعلها رافعة مستقبلية للنموذج التنموي الجديد. وأوضح المجلس أن مكافحة مختلف أشكال الريع وحالات الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن ومظاهر الاحتكار والآثار السلبية الناجمة عن عمليات التركيز الاقتصادي، وكذا التواطؤ بين عالم الأعمال والمحيط السياسي، تقتضي وضع أسس منظومة وطنية حقيقية ومندمجة للمنافسة، بوصفها إطارا للتشاور يرتكز على التكامل المؤسساتي وانسجام المهام والتقائية الأهداف، ويتيح التفاعل لجميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات المعنية.
وأضاف مجلس المنافسة أن إنجاح هذه المنظومة يظل رهينا بتحمل المسؤولية الاقتصادية المشتركة بين الدولة والبرلمان والسلطتين القضائية والاستشارية والهيئات الوطنية للتقنين والحكامة، والمجالات الترابية والمقاولات والمجتمع المدني. وأشار المجلس إلى أن هذه المسؤولية الجماعية تجد دواعيها في الطابع المعقد الذي تتسم به حكامة وتقنين المنافسة في الأسواق، كما تتطلب فعالية نتائجها انخراط جميع مؤسسات الحكامة المعنية بمحاربة الرشوة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية الأجيال الجديدة لحقوق الإنسان، ومراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ومحاربة جميع أشكال الاختلالات الاقتصادية (الريع، والتملص الضريبي، والزبونية في مجال الصفقات العمومية والتدبير المفوض للخدمات العمومية وغيرها).
وأبرز المجلس، في تقرير سابق، أن هذا هو المعنى الذي يمنحه مجلس المنافسة لمبدأ التكامل المؤسساتي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والاستشارية والقضائية، وهيئات التقنين والحكامة، معتبرا إياه مبدأ يجسد الخيار الذي تبناه المجلس والرامي إلى ضمان الالتقائية بين جميع المؤسسات الدستورية المعنية بالحكامة والتقنين على أساس تطوير أشكال مبتكرة للشراكة.
غير أن إرساء هذه المنظومة، يضيف التقرير، يتطلب التطبيق الفعال لعدة تدابير مصاحبة من طرف جميع المتدخلين في هذه المنظومة، مبرزا أن الأمر يتعلق بالسهر على ضمان مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المقاولات والمستهلكين والمجالات الترابية إزاء الفعل الاقتصادي عبر التطبيق الصارم للقانون ذي الصلة، وتخليص الاقتصاد الوطني من مظاهر الريع والاستغلال التعسفي لوضع مهيمن وأشكال الاحتكار والآثار السلبية المترتبة عن عمليات التركيز الاقتصادي والتواطؤ بين كل من عالم السياسة والأعمال، من خلال تكريس مبدأ سمو القانون، وحماية، بموجب القانون، للمستهلكين والمكونات الهشة للأسواق ضد مظاهر الاحتكار والنفقات غير المشروعة، ويتعلق الأمر أيضا بالمساهمة في رفع الحواجز التي تحول دون دخول منافسين جدد إلى السوق عبر فرض عقوبات على الشركات المؤاخذ عليها، والترافع لصالح إلغاء الامتيازات التي تتجسد في منح المأذونيات والرخص في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، والعمل على إخضاعها لقواعد جديدة تضمن المساواة والإنصاف والشفافية والمنافسة الحرة والمشروعة.
وبخصوص سوق المحروقات، يرى مجلس المنافسة أنها تعاني من أعطاب واختلالات تنافسية هيكلية لا تنفع معها الإجراءات المتخذة للتصدي لهذه الاختلالات، بشكل دوري، إذ تبقى غير فعالة، وعليه، يضيف التقرير، يتعين على الحكومة أن تضع في حسبانها، أثناء التدخل لمواجهة هذه الاختلالات، حجم خطورة المشاكل التي يعرفها القطاع في مجال المنافسة، وتحسين شروط ممارستها. ويرجع الجزء الأكبر من هذه المشاكل الهيكلية، حسب التقرير، إلى مسلسل التحرير الكلي لأسعار المحروقات الذي بدأته الحكومة في دجنبر 2015، دون إعداد مسبق ودون اتخاذ تدابير فعالة للمواكبة، من شأنها توفير الشروط الكفيلة بإنجاحه.
فمن الناحية الواقعية، يرى المجلس أن قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات اتخذ على نحو استعجالي، دون استحضار عدة عوامل مرتبطة بالسياق الوطني، كان من المفروض أن تنبه الحكومة إلى الجدوى من دخول القرار حيز التنفيذ وتحديد كيفيات تطبيقه. وفي هذا السياق، يعتبر المجلس أن الحكومة جازفت باتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات وهي تعلم سلفا أن هذا القرار سيحرم السوق من الشركة الوطنية الوحيدة التي لعبت دورا حاسما على ثلاثة مستويات، تمثلت في الحفاظ على التوازنات التنافسية، وتموين السوق الوطنية (64 في المئة من
حاجياتها) وقدرات التخزين. فضلا عن ذلك، اتخذ القرار ضمن سياق عرف فراغا مؤسساتيا تمثل في غياب دور مجلس المنافسة، الذي لو كان حاضرا واضطلع بمهامه المتـمثلة في تقنين المنافسة في الأسواق، والتي تعززت بفضل الصلاحيات الجديدة التي خولت له في مجال البحث والتحقيق، وترتيب الجزاءات، لساهم في تعزيز المراقبة المستقلة والمحايدة لسلوك الفاعلين، الذين يعمدون إلى خرق قواعد المنافسة الحرة والنزيهة في السوق.
وخلص التقرير إلى أنه يتضح مما سبق أن الحكومة لجأت ببساطة إلى تحرير الأسعار المعمول بها في وقت كانت تعمل فيه على تقنين بنية السوق غير الملائمة نفسها، دون اتخاذ أي ترتيبات مسبقة بشأن المعيقات الأساسية التي تحول دون ضمان السير العادي لمنظومة المنافسة، والمتـمثلة في نشأة حواجز قوية تمنع الدخول المبكر واللاحق إلى السوق، وظهور مستوى عال من التركيز، وسيادة بنية تتسم باحتكار فئة لبعض الأسواق من جهة، واحتكار فئة أقلية لأسواق أخرى من جهة أخرى.
وعلى ضوء التقييم المنطقي والتشخيص الموضوعي الذي خضع له هذا الملف، يوصي المجلس بإجراء مراجعة شاملة للسياسة الوطنية المتعلقة بالمنافسة في سوق المحروقات، وتعزيز حكامتها، كما يوصي المجلس، في إطار معالجة الاختلالات الكبرى التي تعرفها سوق المحروقات، باتخاذ تدابير تستند إلى أربع ركائز رئيسية ذات الصلة ببنية السوق في جانبها القبلي والبعدي، بغية جعلها أكثر انفتاحا على المنافسة، وأكثر انسجاما مع الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في تأمين تموين السوق الوطنية، وضمان الفعالية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتـماعية.
وتشمل هذه الركائز تطوير المنافسة على المستوى القبلي في السوق، وأوضح التقرير أنه لا يمكن تحريك عجلة المنافسة داخل سوق المحروقات من خلال تدابير تستهدف فقط الجانب البعدي للسوق عبر تقنين أسعار البيع بالتقسيط وهوامش الربح، إذ يتطلب الأمر اتخاذ تدابير تهم المستويات الأخرى من سلسلة القيـمة قصد إرساء منظومة مندمجة للمنافسة تراعي الجانب القبلي للقطاع كذلك. وفي هذا السياق، يرى المجلس أن استعادة النشاط الوطني لتكرير المحروقات يشكل قيـمة حقيقية في غاية الأهمية، وإلى جانب دورها في إعادة ضبط التوازنات التنافسية، وهو ما سيـمكن الجهة المكلفة بتسيير نشاط التكرير من التصدي لنفوذ الفاعلين المستوردين الذين يهيـمنون على أنشطة الاستيراد والتخزين والتوزيع بالجملة للمحروقات. وعليه، يوصي المجلس الحكومة بإرساء منظومة خاصة لتشجيع الاستثمار في نشاط التكرير الخاص و/أو في إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويوصي المجلس بضرورة بناء القدرات الوطنية في مجال التخزين، وأوضح أن القوانين الجاري بها العمل تشدد على ضرورة ربط استيراد وتوزيع المحروقات بنشاط التخزين، غير أن بناء القدرات في مجال التخزين وتدبير المخزون يفضي إلى تكاليف مالية ولوجستية هامة تقف حاجزا أمام دخول فاعلين جدد إلى السوق، وتعزز بالمقابل الوضع الاعتباري للفاعلين الكبار الذين سبق وأن اقتحموا السوق.
الوسطاء و«الشناقة» يتحكمون في الأسعار بأسواق الجملة
رصد تقرير أنجزته اللجنة الاستطلاعية، التي شكلها مجلس النواب حول شبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، مجموعة من الاختلالات في توزيع المواد الاستهلاكية الغذائية، خاصة في أسواق الجملة للخضر والفواكه ومجازر اللحوم، وأصدرت عدة توصيات للحكومة.
وتضمن التقرير معطيات أدلت بها وزارة الداخلية، التي أكدت أن المرافق العمومية المحلية تشكل حلقة مهمة في سلسلة تسويق المنتجات الفلاحية، خصوصا أسواق الجملة للخضر والفواكه ومجازر اللحوم الحمراء والأسواق الأسبوعية، والتي تعد تجهيزات عمومية محلية يتم إحداثها واختيار أنماط تدبيرها من طرف المجالس الجماعية، مما يمكن معه للفاعلين من القطاعين العام والخاص بتنسيق مع الجماعة إحداث وتدبير هذه المرافق.
ورصدت وزارة الداخلية، حسب التقرير، مجموعة من الاختلالات التي تشوب تدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه على الصعيد الوطني، من بينها عدم احترام تطبيق رسم 7 في المئة على المبيعات بالجملة للخضر والفواكه بالأسواق غير المهيكلة واقتصار دور الوكلاء في استخلاص الرسم المفروض على البيع بالجملة فقط، فضلا عن كثرة الوسطاء دون أي قيمة مضافة. وأكد أعضاء اللجنة الاستطلاعية، أيضا، أن 70 في المئة من المنتوجات الفلاحية تباع خارج أسواق الجملة، و30 في المئة فقط هي التي تباع في إطار أسواق الجملة، معتبرين أن التجميع لا يمكن أن ينجح دون أن يسبقه تحديد الثمن. وسجل التقرير أن 32 مليون طن من الخضر تضيع في اليوم ما بين أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية والمحلية، بما يدل على وجود ضياع مهول للمنتوجات الفلاحية.
وقام أعضاء اللجنة الاستطلاعية بزيارات ميدانية إلى بعض أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية، حيث لاحظوا، بسوق الجملة للخضر والفواكه بإنزكان، أن انتقال السلعة من مكان إلى مكان آخر في السوق لا يتجاوز أمتارا قليلة، وتتم الزيادة بدرهمين إلى ثلاثة دراهم في الكيلوغرام، مما يفسر ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في سوق الجملة، أولا قبل خروجها إلى الأسواق المحلية، وكذا وجود اختلاف بين صندوق وصندوق آخر من المنتوج نفسه في الثمن والذي يمكن أن يفوق 100 درهم.
أما في ما يتعلق بمجازر اللحوم الحمراء، فأبرزت وزارة الداخلية وجود اختلالات مرتبطة بتدبير هذه المجازر، من قبيل تقادم البنيات وضعف التجهيزات بسبب غياب الصيانة وضعف الاستثمار، واعتماد أنماط تدبيرية غير احترافية بالمجازر إلى جانب عدم توفر شروط الصحة والسلامة والنظافة داخل جل المجازر الموزعة على مستوى الصعيد الوطني.
وبالنسبة للأسواق الأسبوعية، وقفت مسؤولة بوزارة الداخلية، في عرض قدمته أمام أعضاء اللجنة الاستطلاعية، عند الاختلالات التي يعرفها واقع الأسواق الأسبوعية، والتي لا تخرج عن تقادم البنيات التحتية وضعف التجهيزات، وضعف مداخيل الأسواق مقارنة مع مؤهلاتها، ووجود استغلال غير معقلن لفضاءات الأسواق الأسبوعية مع غياب معايير سوسيو- اقتصادية لتوزيع هذه الفضاءات.
ولتجاوز هذه الاختلالات، في إطار المواكبة التي تقوم بها وزارة الداخلية لفائدة الجماعات، تم، حسب التقرير، إنجاز مجموعة من الدراسات التي شكلت آلية مهمة من أجل تنزيل استراتيجية الإصلاح والعصرنة، وعلى رأسها المخطط الوطني التوجيهي لأسواق الجملة للخضر والفواكه والمخطط المديري للمجازر؛ ودراسة حول إعادة هيكلة الأسواق الأسبوعية واحترافية تدبيرها.
وأضافت المسؤولة بوزارة الداخلية أن الفلاح يبيع في الضيعة دون الذهاب إلى سوق الجملة لقلة الإمكانيات، مما يجعل الوسيط أو التاجر يحافظ على الغلة في الضيعة، وعدم الذهاب بها إلى السوق إلى حين نفاد المنتوج من السوق، الأمر الذي يصعب ضبطه، وهو ما يستدعي إعداد مقترحات قانونية لتجويد الترسانة القانونية المرتبطة بموضوع توزيع تسويق المنتجات الفلاحية ببلادنا، واعتماد نظام مرقمن يمنع إعادة البيع أكثر من مرة، يراعي قانون حرية الأسعار والمنافسة، وكذا التفكير في قانون للتوزيع يسمح بتحديد من هو التاجر ومن هو الفلاح ومن هو الوسيط والحد من تغول الوسطاء، بما يضمن حماية المستهلك.
وأوصت اللجنة الاستطلاعية، في تقريرها، بمراجعة القانوني المنظم لعملية تسويق وتوزيع المنتجات الفلاحية، من خلال اعتماد قانون جديد ينظم إحداث وتدبير أسواق الجملة والبورصات بالمغرب مع إصدار نصوص تنظيمية توضح أنظمتها الداخلية وشروط تدخل الفاعلين في عملية التسويق، وكيفيات أداء الرسوم للولوج إليها، مشددة على ضرورة إخراج قانون جديد يفرض دخول جميع المنتجات الفلاحية لأسواق الجملة ويضبط مراقبة مسار تسويق وتوزيع هذه المنتجات، وتدخل الوسطاء في مراحل التسويق.
وأوصت اللجنة البرلمانية بالتوسيع من اختصاصات المؤسسة المستقلة لمراقبة وتنسيق الصادرات، مع إعادة هيكلتها لتشمل مهمة تنظيم قطاع المنتجات الفلاحية الموجهة للتسويق الداخلي إلى جانب تلك الموجهة للتصدير، أو خلق هيئة جديدة بين وزارية تحت إشراف رئيس الحكومة تختص بتنظيم التسويق المحلي للمنتجات الغذائية. ودعت اللجنة إلى ضرورة تغيير وتحيين قانون 1962 المنظم لمهنة الوكلاء داخل أسواق الجملة للخضر والفواكه حتى يتلاءم مع متغيرات عمليات التسويق التي لم يعد يستوعبها القانون. وتوصي اللجنة، كذلك، بتنظيم الوسطاء وتجار نصف الجملة داخل أسواق الجملة من خلال منح صفة التاجر المتضمنة في مدونة التجارة، مع الاستغناء عن مهنة الوكيل داخل أسواق الجملة لعدم تقديمه لأي خدمة للتجار أو المنتجين مقابل السومة التي يحصل عليها.
مجلس المنافسة يفضح جشع شركات ترفع الأسعار وتزيد هوامش الربح
أفاد التقرير السنوي لمجلس المنافسة برسم سنة 2023، الذي رفعه رئيس المجلس، أحمد رحو، إلى الملك محمد السادس، بأن التضخم وصل إلى مستويات قياسية، خلال السنة الماضية، وكشف التقرير وجود جشع لبعض الشركات الكبرى ساهم في ارتفاع التضخم، حيث تعمدت هذه الشركات الرفع من الأسعار للزيادة في هوامش الربح بطريقة غير معقولة.
وأكد التقرير أن ارتفـاع التضخـم استمر بـوتيرة حـادة نسـبيا في سـنة 2023، مسـجلا مسـتويات عاليـة مقارنـة بـفترة مـا قبـل انـدلاع الجائحـة أو حتـى بدايـة التعافي ما بعد الجائحة، ووفقـا لتقديـرات المندوبيـة السـامية للتخطيـط، سـجل التضخـم الإجمالي في سـنة 2023 نسـبة متوسـطة قـدرت ب 6,1 في المائة، مقابـل 6,6 في المائة في 2022، وسـجل التضخـم ذروتـه في شـهر فبرايـر بنسـبة وصلـت إلى 10,1 في المائة على أسـاس سـنوي، قبـل أن يتباطـأ تدريجيـا ليصل إلى نسبة 3,4 في المائة في شهر دجنبر.
وأوضح التقرير أنه في الوقـت الـذي اقترنت أسـباب تضخـم 2022 أساسـا بالصدمـات الخارجيـة للعـرض، مـن خلال أسـعار الـواردات التـي تسـببت في تضخـم تكاليـف الإنتـاج والبيـع للمسـتهلكين النهائـيين، ارتبـط تضخـم 2023 على العكـس بسـياق مطبـوع بتراجـع الضغـوط التضخميـة الخارجيـة وإن بحـدة أقـل، وأدى ذلـك إلى تـأثير عـدة محـددات على تطـوره، لا سـيما في تخفيـف الضغـوط التضخمية المستمرة التي امتدت حتى الأشهر الأولى من عام 2023.
وأكد التقرير أن أسـباب التضخـم المسـتورد تراجعت بشـكل ملحـوظ على اعتبـار أن التضخـم لم يتأثـر إلا قلــيلا بالمكونــات المتقلبــة، خاصــة المــواد الغذائيــة والمحروقــات، بيــد أن تداعيــات الصدمــات المناخيـة على العـرض الـداخلي للمنتجـات الغذائيـة شـكلت عـاملا حـاسما في التذبـذب الظـرفي لأسعار بعض المنتجات، وفي مقدمتها الخضر والفواكه.
وعلاوة على صدمــات العــرض الماكرو-اقتصاديــة، يضيف التقرير، لا يجــب إغفــال أنــواع أخــرى مــن الصدمـات الميكرو-اقتصاديـة، وتنبثـق هـذه الأخيرة مـن قـدرة الشركات المتمتعـة بقـوة سـوقية على رفـع الأسـعار لجنـي مكاسـب مـن التضخـم، لاسـيما مـن خلال الزيـادة غير المعقولـة في هوامش الربح، وأوضح التقرير أن هذه الظاهرة تعرف في الادبيات الاقتصادية باسـم “الجشـع التضخمـي”، وينضـاف هـذا المصطلـح إلى ممارسـات أخـرى على حافـة الشرعيـة والتـي أخـذت تكتشـف في عــدة أســواق، على غــرار “التضخــم الانــكماشي”، و”تضخــم الســلع الرخيصة”.
وكشـف التحليـل المفصـل لتطـور التضخـم في 2023 أن هذا الأخير يظـل مدفوعا بالمـواد الغذائيـة التـي تبقـى أسـعارها متذبذبـة، ووفقـا لحسـابات المندوبيـة السـامية للتخطيـط، يعـد ارتفـاع التضخـم الإجمالي نتيجـة لزيـادة متوسـطة للرقـم الاسـتدلالي للمواد الغذائية بنسبة 12,7 في المائة والمواد غير الغذائية بنسبة 1,7 في المائة، وأشار التقرير إلى أن تضخـم المـواد الغذائيـة تجـاوز المسـتويات المسـجلة في 2022، والتـي بلــغ فيهــا نســبة 10,9 في المائة، وذلــك بالرغــم مــن انحســار التضخــم الإجمالي والأســاسي، فسر مجلس المنافسة ذلـك، بـأن تضخـم هـذه المنتوجـات ظـل في مسـتويات أعلى مـن ذروة التضخـم الإجمالي في الـفترة الممتـدة مـن يونيـو 2022 إلى غشـت 2023، أي على امتـداد أكثر مـن 12 شهرا، كما بلغت أعلى نقطة لهذا التضخم ذروة التضخم الإجمالي في فبراير 2023.
وتنـدرج المنتجـات المكونـة للسـلة التـي تسـتهلكها الأسر يوميـا ضمـن أصنـاف المـواد الغذائيـة التــي شــهدت تضــخما مســتمرا في ســنة 2023، وســجلت هــذا الأخيرة أعلى المعــدلات، لاســيما الــخضر (28,6 في المائة) والفواكــه (27,1 في المائة) ومنتجــات الألبــان والبيــض (13,3 في المائة) واللحــوم (11,5 في المائة)، وبالنســبة لعديــد مــن هــذه المنتجــات، ارتفعــت الأسـعار بشـكل حـاد في الأسـواق، خاصـة بعـض أنـواع الـخضر على غـرار الطماطـم والبصـل، وكذا اللحوم الحمراء والبيض.
وتطرق تقرير مجلس المنافسة إلى التدابير السياسية المتخذة لكبح التضخم، مبرزا أن رهــان السياســة الاقتصاديــة في ســنة 2023، ارتكز على تحقيــق هــدف مــزدوج لمواجهــة التضخــم، وتمثــل في التخفيــف مــن حدتــه عبر خفضــه إلى مســتويات قابلــة للتحكــم فيهــا مــن جهــة، والحيلولــة دون إطالــة أمــد الضغــوط التضخميـة من جهـة ثانية، واســتندت هــذه السياســة، وفق المصدر ذاته، إلى مجموعــة مــن التــدابير التــي أشرفــت عليهــا الحكومــة والبنك المركزي.
وبخصوص التدابير الحكوميــة، يضيف التقرير، انصبــت المقاربــة المعتمــدة لتقليــص الضغــوط التضخميــة على تحـسين عـرض المنتجـات، الغذائيـة على الخصـوص، مـع ضمان حسـن سير أسـواقها، وتوخـت كذلك تعزيز دينامية الطلب عبر دعم القدرة الشرائية، حيث أبقـت الحكومـة على المبالـغ الموجهـة لدعـم الاسـتهلاك، خاصـة غـاز البوتـان والسـكر الخام والمكرر، وحصص الدقيق الوطني للقمح اللين.
مـوازاة مـع ذلـك، عمـدت الحكومـة بـدءا مـن فاتـح شـتنبر 2023 إلى إقـرار نسـبة زيـادة في الحـد الأدنى القانـوني للأجـر في النشـاطات الفلاحيـة وغير الفلاحيـة، لتعزيـز مداخيـل “الأجـور المنخفضـة”، وطبقـا لذلـك ارتفـع هـذا الأجـر في الأنشـطة الفلاحيـة مـن 84,73 درهـما في اليـوم إلى 88,58 درهـما في اليـوم، في حين ارتفـع هـذا الأجـر في الأنشـطة غير الفلاحيـة مـن 15,55
درهما في الساعة إلى 16,29 درهما في الساعة.
إضافـة إلى ذلـك، كانـت مقتضيـات قانـون الماليـة لسـنة 2022 قـد نصـت على وقـف اسـتيفاء رسـوم الاسـتيراد المطبقـة على الأبقـار الأليفـة إلى غايـة 31 دجـنبر 2023، وفي حـدود حصـة قدرها 200 ألف رأس، كما تضمـن قانـون الماليـة لسـنة 2023 تـدابير جبائيـة سـاعدت على احتـواء تضخـم عـدد مـن المنتجـات الأساسـية، وشـملت، على سـبيل المثـال، إعفـاء الأعلاف البسـيطة الموجهة لتغذيـة المواشي وحيوانــات المــزارع مــن الضريبــة على القيمــة المضافــة، وإعفــاء بعــض الأدويــة والمنتجــات الصيدلية من رسم الاستيراد.
وتطبيقــا للتعلــيمات الملكيــة، وقعــت الحكومــة في ســنة 2023 على اتفاقيـة إطـار خصـص بموجبهـا غلاف إجمالي قـدره 10 ملايير درهـم بهـدف التخفيـف مـن تداعيات الجفاف والظرفية العالمية على النشاط الفلاحي، وإعادة توازن سلاسل الإنتاج، واسـتمرت الحكومـة في تخصيـص دعـم اسـتثنائي للمهنـيين العامـلين في قطـاع النقـل، خاصـة في الـفترات مـن سـنة 2023 التـي عـاودت فيهـا أسـعار المحروقـات اتجاههـا التصاعـدي، بغيـة التخفيف من الضغوط التضخمية على نقل المسافرين والبضائع، وتعـززت هـذه التـدابير قـصيرة المـدى بإجـراءات أكثر هيكليـة اسـتهدفت الحـد مـن اسـتمرار الضغـوط التضخميـة، على غـرار تنزيـل الـورش المـلكي المتعلـق بالحمايـة الاجتماعيـة، والرامـي إلى إعـادة ضبـط تـوازن الطلـب، وتكويـن مخـزون احتياطـي الـذي تسـتوخي غايتـه الحـد مـن تذبذبات أسعار بعض المنتجات.
مجلس المنافسة والرهان الصعب في ضبط الأسعار
يعتبر ضبط الأسعار من المواضيع الحيوية التي تشغل بال العديد من الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين على حد سواء. فإلى جانب دور السوق في تحديد الأسعار، وفقا لمعادلة العرض والطلب، يظل تدخل الدولة لضمان توازن هذه الأسعار ومنع أي تلاعب بها من الأمور الأساسية، لضمان استقرار الاقتصاد وحماية حقوق المواطنين.
وتعتبر السياسات الاقتصادية في المغرب من الركائز الأساسية التي تسعى إلى ضبط الأسعار، من خلال آليات متعددة تهدف إلى حماية المستهلك وضمان وجود منافسة شريفة بين الشركات. ومن أبرز هذه الآليات نجد دور الحكومة في التدخل المباشر في بعض القطاعات الاستراتيجية، مثل المحروقات، المواد الغذائية الأساسية، والنقل، حيث تتخذ تدابير خاصة لمراقبة الأسعار وضمان استقرارها، بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.
إحدى الأدوات الرئيسية في ضبط الأسعار هي مؤسسات تنظيمية، مثل «مجلس المنافسة» الذي يعد آلية أساسية لمراقبة سلوك الشركات في السوق. يتدخل المجلس لضمان وجود منافسة عادلة، ويعمل على منع احتكار الأسواق، مما قد يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل غير مبرر. ومن خلال الرقابة المستمرة على الأسواق، يسعى المجلس إلى أن تكون الأسعار متوازنة وتعكس الوضعية الاقتصادية الفعلية، دون أن تكون هناك أي محاولات من بعض الفاعلين الاقتصاديين للحد من المنافسة، أو التلاعب بالأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، تعد الرقابة على الأسواق من قبل السلطات المحلية أيضا جزءا أساسيا من عملية ضبط الأسعار. إذ تقوم هذه السلطات بالتحقق من مدى التزام التجار والموردين بالأسعار المحددة، خاصة في أسواق المنتجات الأساسية. وفي حال وجود أي مخالفات أو ارتفاعات غير مبررة للأسعار، يتم اتخاذ التدابير اللازمة لضبط الوضع، سواء من خلال فرض الغرامات، أو تنفيذ تدابير قانونية أخرى.
كما تشكل الأسواق المفتوحة والتجارة الحرة جزءا من النسيج الاقتصادي، الذي يساعد على ضبط الأسعار في المغرب. إذ إن فتح أسواق جديدة وتوسيع قاعدة التوريد، يعزز من المنافسة ويخلق توازنا في العرض والطلب، وهو ما ينعكس على استقرار الأسعار. في هذا السياق، تعزز الحكومة من دعمها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تساهم في تنوع العرض وتوفير بدائل للمستهلكين.
ومع ذلك، يواجه المغرب عدة تحديات في مجال ضبط الأسعار. من أبرز هذه التحديات ارتفاع الأسعار في بعض القطاعات التي تتأثر بتقلبات الأسواق الدولية، مثل أسعار النفط والمواد الخام. في مثل هذه الحالات، يصعب على الحكومة ضمان استقرار الأسعار بشكل دائم. علاوة على ذلك، يواجه الاقتصاد المغربي تحديات تتعلق بالتضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع بعض الأسعار بشكل قد يكون غير مناسب للقدرة الشرائية للمواطن.
في خضم هذه التحديات، يسعى المغرب إلى تعزيز أدواته القانونية والرقابية لتحسين ضبط الأسعار. وتعمل الدولة على تحديث التشريعات الاقتصادية وتوفير المزيد من الأدوات لمراقبة الأسواق بشكل دوري، وتوفير بيانات شفافة تساعد المستهلكين على اتخاذ قرارات أفضل.
في الختام، يعتبر ضبط الأسعار في المغرب عملية معقدة تتطلب التنسيق بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، وتطبيق السياسات الحكومية التي تضمن توازن السوق وحماية حقوق المستهلكين. ورغم التحديات العديدة، يبقى الهدف الأسمى هو تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق المغربية، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ويحسن الوضع المعيشي للمواطنين.
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:
“المناخ العام يستوجب منح مجلس المنافسة جرعة معززة لتطوير عمله”
1- ما هي الأسس القانونية التي ينبني عليها نظام عمل مجلس المنافسة؟
يعتبر مجلس المنافسة بالمغرب هيئة دستورية مستقلة تعنى بضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات الاقتصادية، من خلال ضبط ومراقبة الممارسات المنافية للمنافسة. ويرتكز عمل المجلس على مجموعة من الأسس القانونية التي تؤطر تدخله في المشهد الاقتصادي الوطني، والتي تستند إلى الدستور والقوانين التنظيمية الجاري بها العمل.
ويشكل الدستور المغربي لسنة 2011 المرجعية العليا لمجلس المنافسة، حيث نص الفصل 166 منه على أن المجلس “هيئة مستقلة مكلفة، في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة، بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، والممارسات التجارية غير المشروعة، وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار”.
ويحدد القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الإطار القانوني لممارسة الأنشطة الاقتصادية وفق مبدأ حرية الأسعار والمنافسة العادلة، كما يضع الأحكام المتعلقة بالممارسات المنافية للمنافسة مثل الاتفاقات المناهضة للمنافسة، وإساءة استغلال وضع مهيمن، والممارسات التجارية غير العادلة. كما يمنح مجلس المنافسة صلاحية التحقيق والبت في هذه القضايا.
ويحدد القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة تنظيم مجلس المنافسة، واختصاصاته، وكيفية اشتغاله. ويمنح المجلس صلاحيات واسعة تشمل إصدار آراء استشارية حول قضايا المنافسة، وإجراء التحقيقات، واتخاذ قرارات زجرية بشأن الممارسات المخلة بالمنافسة، وإبداء توصيات للسلطات العمومية بخصوص السياسات الاقتصادية المؤثرة على المنافسة.
وتعزز المراسيم التطبيقية الصادرة عن الحكومة، والقرارات التنظيمية الخاصة بمجلس المنافسة، الإطار القانوني الذي يؤطر تدخله. وتشمل هذه النصوص كيفية تقديم الشكاوى، والإجراءات التي يتعين اتباعها خلال التحقيقات، والعقوبات التي يمكن اتخاذها في حق المخالفين.
ويراعي مجلس المنافسة في عمله الالتزامات الدولية للمغرب في مجال تنظيم المنافسة، خاصة الاتفاقيات التجارية الدولية التي تفرض معايير لضمان المنافسة العادلة، كما يستند إلى تجارب مقارنة في الدول ذات الأنظمة المتقدمة في هذا المجال، مما يسهم في تطوير أدائه وتعزيز دوره الرقابي.
وبفضل هذه الأسس القانونية، يعمل مجلس المنافسة على تعزيز بيئة اقتصادية قائمة على الشفافية والمنافسة العادلة، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وضمان مصالح المستهلكين والفاعلين الاقتصاديين على حد سواء. ورغم التحديات التي قد تواجه تطبيق القوانين المنظمة للمنافسة، فإن تطوير آليات عمل المجلس وتكريس ثقافة المنافسة الشريفة يظلان من الركائز الأساسية لتعزيز مناخ الأعمال بالمغرب، كما أن المناخ العام اليوم يستوجب منح المجلس “جرعة معززة” من أجل تطوير عمله، على اعتبار أن أي تراجع في عمل المجلس يقابله خروقات في المجال.
2- ما هي الآليات التي يستخدمها مجلس المنافسة بالمغرب في إطار مهمة ضبط السوق ؟
تجب الإشارة إلى أن مجلس المنافسة بالمغرب هو هيئة دستورية مستقلة تضطلع بمهمة ضبط السوق وضمان المنافسة الحرة والنزيهة. ويعمل المجلس على رصد مختلف الممارسات الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على التوازن التنافسي بين الفاعلين الاقتصاديين، وذلك بهدف حماية المستهلكين وتعزيز النمو الاقتصادي. ويعتمد المجلس على مجموعة من الآليات التي تتيح له أداء مهامه بفعالية، حيث يقوم بمراقبة الأسواق وتحليل وضعية المنافسة، ويفتح تحقيقات في حال الاشتباه بوجود ممارسات منافية للمنافسة، مثل الاتفاقات السرية بين الشركات، أو إساءة استغلال الوضع المهيمن من قبل بعض الفاعلين الاقتصاديين.
كما يضطلع المجلس بمهمة إبداء الرأي وتقديم التوصيات بشأن السياسات العمومية المرتبطة بالمنافسة، إذ يوجه تقارير دورية للحكومة والبرلمان حول حالة المنافسة في بعض القطاعات الحيوية، ويقترح إصلاحات تشريعية وتنظيمية تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال. ويتولى المجلس أيضا دراسة عمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات، حيث يقوم بتحليل مدى تأثير هذه العمليات على السوق، ويقرر منح الموافقة أو رفض بعض العمليات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى خلق وضعيات احتكارية من شأنها الإضرار بالمنافسة العادلة.
علاوة على ذلك، يمتلك المجلس سلطة فرض العقوبات والجزاءات المالية على المخالفين لقواعد المنافسة، حيث يمكن أن تتخذ هذه العقوبات شكل غرامات مالية أو قرارات تصحيحية تهدف إلى إعادة التوازن للسوق. كما يعمل المجلس على تعزيز ثقافة المنافسة من خلال تنظيم حملات توعوية وندوات علمية لفائدة الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين، مما يساهم في ترسيخ ثقافة الاقتصاد التنافسي وتعزيز الشفافية في المعاملات التجارية. وتبقى هذه الجهود ضرورية لضمان بيئة اقتصادية عادلة تحفز الابتكار والاستثمار، وتدعم التنمية المستدامة.
ما هي المعيقات التي تواجه مجلس المنافسة في أداء مهمته ؟
من بين المعيقات التي تواجه مجلس المنافسة في أداء مهامه، هناك عدة تحديات قانونية، مؤسسية، وإجرائية تؤثر على فعاليته في ضبط السوق وضمان المنافسة العادلة.
ومن أبرز هذه المعيقات محدودية الاستقلالية الفعلية، حيث رغم أن المجلس يتمتع بوضع هيئة دستورية مستقلة، إلا أن بعض التدخلات السياسية والإدارية قد تؤثر على قراراته، خاصة عندما تتعلق الملفات بمصالح اقتصادية كبرى أو جهات ذات نفوذ، كما أن الإطار القانوني للمجلس، رغم التطورات التي عرفها، قد يحتاج إلى مزيد من التعديلات لتوضيح سلطاته التنفيذية وضمان تطبيق قراراته بصرامة دون عوائق قانونية قد تؤخر التنفيذ أو تحد من أثر العقوبات على الفاعلين المخالفين.
من جهة أخرى، تواجه المؤسسة تحديات تتعلق بالموارد البشرية واللوجستية، حيث إن نقص الكفاءات المتخصصة في تحليل المنافسة والاقتصاد الرقمي والتطورات الحديثة في الأسواق قد يؤثر على سرعة ودقة التحقيقات. كما أن توفر المجلس على وسائل تقنية وتحليلية متطورة يظل عاملاً أساسياً لرفع مستوى أدائه، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة وزيادة التعقيد في الممارسات المنافية للمنافسة، مثل التواطؤ الإلكتروني بين الشركات عبر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الذكية.
أما التحديات الإجرائية فتمثل أيضاً عائقاً، حيث إن بعض المساطر القانونية قد تكون طويلة ومعقدة، مما يمنح الشركات المخالفة هامشاً للمناورة والتهرب من العقوبات عبر اللجوء إلى الطعون القضائية أو استغلال الثغرات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المجلس أحياناً صعوبة في الوصول إلى البيانات والمعلومات اللازمة للتحقيقات، سواء بسبب عدم تعاون بعض الفاعلين الاقتصاديين أو لغياب قاعدة بيانات متكاملة تسهل رصد المخالفات وتحليل التوجهات السوقية.
إلى جانب هذه العوامل، يظل مستوى الوعي المجتمعي والمقاولاتي بأهمية المنافسة العادلة محدوداً في بعض القطاعات، حيث لا تزال بعض الشركات والمستهلكين غير مدركين لدور مجلس المنافسة وآليات التبليغ عن المخالفات، مما يجعل من الضروري تكثيف الجهود التحسيسية ونشر ثقافة المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين والجمهور العام، كل هذه العوائق تستدعي إصلاحات متواصلة على المستوى القانوني، التنظيمي والتقني، حتى يتمكن المجلس من أداء دوره بفعالية أكبر في ضبط السوق وحماية المستهلكين وتعزيز بيئة اقتصادية تنافسية ومستدامة.
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية